العدد 272 - الأربعاء 04 يونيو 2003م الموافق 03 ربيع الثاني 1424هـ

الجمعيات السياسية والنقد البناء والنقد الذاتي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

قبل أيام عقد عدد من الجمعيات السياسية جلسة مصارحة فيما بينها ووجه بعضهم إلى بعض انتقادات لاذعة كما وجهوا الانتقادات إلى غيرهم من القوى. المشاركون تضمنوا ما يطلق عليهم بصورة عامة «المعارضة». وهناك ست جمعيات تقبل ان توصف بأنها معارضة اربع منها قاطعت الانتخابات النيابية التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

الجمعيات المعارضة فقدت ريادتها في الفترة الأخيرة لأنها حصرت أجندتها ضمن خطة معينة، وهذه الخطة تمت محاصرتها من قبل الجانب الرسمي، بينما استفاد آخرون بشكل مباشر من غياب الجمعيات صاحبة الثقل الواسع لدى النخبة أو الجمهور.

وبينما الجمعيات تبتعد قليلا عن مركز الحدث، كانت هناك مشكلات جمة مرتبطة بالمواطن وهمومه بشأن البطالة والتجنيس والفساد الإداري وحرية التعبير والعمل النقابي والعمل الطلابي والعمل النسوي، ناهيك عن قضايا أخرى مثل الأحوال الشخصية وضحايا التعذيب ومقاضاة المسئولين عن الانتهاكات... الخ.

ونظرة متأملة للحوادث التي تهم المواطن خلال الفترة الماضية تعطي صورة قاتمة لدور الجمعيات التي كانت تتصدر الساحة قبل سنة واحدة. والمتصدون للمشكلات الرئيسية يكاد يكون جميعهم إما بصفة شخصية أو من خلال الوسائل التي ترفضها الجمعيات المعارضة مثل البرلمان. وأدى نجاح عدد من النواب في رفع قضايا مهمة اشتملت على مساءلة عدد من الوزراء إلى مزيد من التهميش للجمعيات السياسية المتصدية للمعارضة.

فهي من جانب لا تود التعاون مع أعضاء البرلمان لكي لا يقال عنها انها تنازلت عن مواقفها، وفي الوقت نفسه لا تستطيع القيام بعمل مماثل لما يقوم به البعض سواء كان من خلال الصحافة أو البرلمان.

والغريب ان الجمعيات السياسية لم يقل أثرها في قضايا تهم الجميع، وإنما غاب أثرها في قضايا تهمها. فحرية العمل التنظيمي سواء كان نقابات أو اتحادات أو غيرها، وحرية التعبير وقضايا جوهرية ومحورية تحدّد بقاء هذه الجمعيات السياسية من عدم بقائها في المستقبل. ومع ذلك فإن الجمعيات آخر من يكون له دور واضح وفاعل في هذه الأمور.

جمعية الوفاق التي كانت ستحصل على نصف مقاعد المجلس النيابي لو دخلت وكانت سترأس المجلس بلاشك، أصبحت الآن محاصرة وحتى أعضاءها الذين دخلوا المجالس البلدية لم يستطيعوا كسر الحصار الذي فرض عليهم لأنه لا يوجد لهم ظهر قوي في مكان آخر. واستطاعت وزارة البلديات والمحافظات تهميش دورهم الى الدرجة التي أصبح وجودهم وعدم وجودهم واحدا. ومع أن عددا من أعضاء البلديات سعى جاهدا إلى تحسين أداء العمل البلدي إلا أن الطوق المفروض عليهم كبير جدا. وإذا أضفنا انعدام أو قلة التنسيق بين أعضاء الوفاق داخل البلديات وامتناعهم عن التعاون مع أعضاء المجلس النيابي الذين يناصرون قضاياهم فإن الصورة القاتمة تبدو جلية.

ومع انحسار الجمعيات عن الساحة الفعلية فإن من المتوقع ان تزداد لغة الخطاب حدة تعبيرا عن الواقع المؤلم، وهذا ما يستشعره المتابع لحوارات المصارحة التي جرت بين قيادات الجمعيات المعارضة التي اجتمعت قبل عدة أيام.

ان أسوأ ما نخشاه هو خسران الساحة لطاقات وطنية مخلصة تحتويها الجمعيات المعارضة. فكثير من هؤلاء كانوا سببا رئيسيا في تحريك عجلة الإصلاح خلال السنوات الماضية، وعدد لا بأس به منهم يعتبرون مميزين ولديهم ما يقدمونه بشكل أفضل مما هو حالهم الآن، والبحرين ستزداد قوة لو دخلوا الساحة حتى لو كانوا معارضين لهذا الأمر أو ذاك. فالخيار الذي يتبعونه ليس مجديا، ويترك الساحة إما للتصعيد أو للتهاون في كثير من المبادئ.

ثم ان العمل السياسي ليس مثل الصلاة والصيام. فالصلاة والصيام لا يتغيران مع الزمن، لأنهما جزء من الدين، والدين باقٍ مع الزمن ولا يتأثر بالمكان. أما السياسة فهي زمنية ومكانية، وتتغير مع تغير الزمان والمكان. لكن الشيء الذي لا يتغير هو المبدأ الذي تقوم عليه هذه الحركة السياسية أو تلك.

فإذا كان مبدأ هذه الحركة السياسية هو الدفاع عن حقوق المواطنين الأساسية، فإن هناك وسائل كثيرة لذلك. وإذا أغلق باب انفتح باب آخر، لأن هذه سنة الحياة. فالمبدأ يبقى وهو عدم التنازل عن حقوق المواطنين المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وهذه الحقوق منصوص عليها في المعاهدات الدولية التي وقعت البحرين أربعا منها. ولذلك فإن المصدر الأساسي للحقوق هو المعاهدات الدولية التي تسمو على الدستور وعلى البرلمان. وهذا السمو ليس في البحرين فقط، فحتى البرلمان البريطاني الذي يعتبره البعض أقوى برلمان في العالم، فإنه لا يسمو على المعاهدات التي وقعتها الحكومة البريطانية مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وغيرها. فتلك المعاهدات لها الكلمة الأولى ولا يستطيع البرلمان كما لا تستطيع الحكومة اختراقها إلا في حال انها انسحبت من هذه الاتفاقية أو تلك المعاهدة.

ولذلك فإن الجمعيات المعارضة ربما من الأفضل ان تلعب دورها باتجاه آخر. فبدلا من التركيز على دستور 1973 ودستور 2002 يمكنها أن تطالب بتطبيق الاتفاقات الدولية التي وقعتها البحرين وتشمل الاتفاقية الدولية لمكافحة جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية حقوق الطفل، والاتفاقية الدولية لمكافحة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية مكافحة التعذيب. فهذه الاتفاقات مازالت في غالبيتها غير مفعّلة بالدرجة المقبولة، وهناك لجان تابعة للأمم المتحدة تتابع الحكومة كل سنة أو سنتين للتأكد من انها تطبق أو لا تطبق هذه الاتفاقات، والجمعيات المعارضة يمكنها أن تطرح رؤيتها بشأن هذا الموضوع.

كما أن الجمعيات المعارضة يمكنها أن تطالب الحكومة بتوقيع أهم معاهدتين دوليتين وهما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويمكن طرح برامج كثيرة للتأكد من تطبيق بنود تلك المعاهدات، وبذلك تصل الى الهدف الأسمى ولا يهمش دور الجمعيات المعارضة

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 272 - الأربعاء 04 يونيو 2003م الموافق 03 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً