العدد 272 - الأربعاء 04 يونيو 2003م الموافق 03 ربيع الثاني 1424هـ

العيون التي تبرز فن مودجلياني

«كان مودجلياني رساما ذا رؤية فريدة بصوره الطويلة والنحيلة التي تظهر فيها العيون من دون بؤبؤ. وقد حاز أخيرا على تقديمه لائقة».

كانت المؤسسة الفنية تنظر دائما بنوع من الإزدراء اتجاه أميديو مودجيلاني. لقد كان الرأي العام منذ وفاته العام 1920 أنه كان يعبر عن آراء العاديين أكثر من كونه مجددا حقيقيا في عالم الفن. أما بالنسبة إلى الجمهور الفرنسي وخصوصا الباريسيين فقد كان مودجلياني الفنان الذي كان يتمتع بالصفات التي يريدونها. كان يبدو كالشاعر ويتحدث كالفيلسوف وعاش كالبوهيمي (لا يقيم وزنا للأعراف والقواعد الاجتماعية) ومات شابا في سن الخامسة والثلاثين. وما زاد من المأساة أن عشيقته الحامل انتحرت عند سمع نبأ وفاته.

إن أسلوبه المميز في عصره جعله محبوبا بين الأشخاص العاديين بينما حطّ عالم المعرفة من قدره حيث نزّله إلى مرتبة دنيا إلى حافة حركة القرن العشرين العظيمة. وكان معنى ذلك أن معظم أعمال هذا الفنان قد تناثرت خلال مجموعات خاصة ومرت فترة طويلة قبل أن يقوم بعمل معرض إستعادي (يظهر ما أبدعه من آثار خلال حقبة من الزمن) لائق. ويضم هذا المعرض الذي أقامته 110 لوحات فنية واثنا عشر عملا من أعمال النحت وأكثر من ثلاثين صورة من رسوماته. وتشكل هذه المجموعة أكبر عرض لأعمال هذا الفنان يمكن رؤيتها حتى الآن. كيف ظهر هذا الفنان العزيز بعد هذه المعاملة؟ أفضل مما نتوقع. كان مودجلياني يريد أن يكون نحّاتا عندما وصل إلى باريس من مسقط رأسه في إيطاليا العام 1906. كان يبدو مبتهجا بعد دراسته في فلورنا والبندقية ولكنه كان يشعر بالهزال نتيجة إصابته بمرض السل عندما كان في السادسة عشر من العمر. ولحسن حظ الفن ولربما النحت أيضا فإن صحته جعلته عاجزا عن قطع الحجارة والرخام، لذلك فقد تحول في النهاية إلى الرسم وخصوصا رسم اللوحات الزيتية.

وعلى أية حال فإن اهتمامه بالنحت ولّد لديه ولعا بالسطوح المستوية والكتلة بالإضافة إلى ولع شديد بالوجه البشري الذي انسجم تماما مع رواج الأقنعة الافريقية والتجارب على الطريقة التكعيبية في الفن التي ألهم بها معاصريه من الفنانين في باريس. ومع أن مودجلياني رفض بغطرسة التكعيبية كفن موجه إلى الأسلوب بدلا من الجوهر، إلا أن المعرض يبين مدى تأثره بسيزان والطريقة التكعيبية بالإضافة إلى السمات الخاصة بالفنون التصويرية لتولوز لوتريك وفناني الرَّوسم الخشبي اليابانيين.

وقد بدأ بيكاسو وبريك وماتيس بعمل أشياء جديدة. وواصل مودجلياني السير في طريقه مدخلا تحسينات على صوره الطويلة والنحيلة الشهيرة والصور الزيتية العادية، إذ كانت الرؤوس تمثل إلى الجنب وكانت الألوان تنحصر في المبنى والرمادي والأحمر غير اللامع.

وفي أفضل أحواله حقق مودجلياني هدفه في الوصول إلى فن بارز وحديث للبشرية. مع أنه كان مشهورا بصوره الزيتية للنساء، إلا أنه أفضل أعماله كانت للرجال إذ أظهر اهتمامه بخطوط الوجه أصالة عظيمة. وعند النظر إلى صوره الزيتية ككل نرى أنها تتسم بالتكرار إذ أنها تتحرك من القوة والاتجاه المباشر للصور الأولى إلى أسلوب جامد خلال معظم سنوات انتاجه حوالي الحرب العالمية الأولى - وهو الفشل الذي عزاه إلى أنصار المذهب التكعيبي. إن هذا المعرض لا يساعد على ابراز عمل هذا الفنان باعتراف الجميع. لقد تم وضع الصور في مجموعات عند مستوى النظر جنبا إلى جنب وكانت فاتحة بشكل كبير. وعندما يكون المعرض مزدحما يصبح من الصعب رؤية الجزء العلوي من الصور، بينما أدى تصميم الممر في المعرض والمسافات الجانبية إلى حدوث نوع من الفوضى والازدحام. وإذا ما أخذنا في الاعتبار النوعية الضخمة لصور مودجلياني، فإننا نرى أنها تحتاج إلى مساحة أكبر.

وفي النهاية (عندما تصبح مسافات العرض أفضل) أصبحت لوحة ألوانه أكثر غنى كما أصبح أسلوبه أقل اعتمادا على الخطوط الكفافية.

وتظهر صورة «الامرأة الصغيرة الخمرية اللون بالقميص الفضفاض» (1918) والصورة الزاهية لروجر دوتيليل (1919) تعلُم مودجلياني لبعض الدروس من الفنان ماتيسي في مجال الألوان والتركيب. لقد كان موته المبكر فاجعة مع أنه ساعد في اكمال القصة الاسطورية لهذا الفنان المفلس الذي أقام في حجره على السطح في مونتبارنيس والتي أبقت على سمعته عالية بين الجمهور الذي اصطف بأعداد كبيرة لمشاهدة معرضه.

(خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً