العدد 271 - الثلثاء 03 يونيو 2003م الموافق 02 ربيع الثاني 1424هـ

دول أميركا اللاتينية تشق عصا الطاعة على واشنطن

في انتظار استفاقة العرب

المصطفى العسري comments [at] alwasatnews.com

شهدت العاصمة البيروفية ليما خلال الأيام القليلة الماضية عقد قمة رؤساء الدول الأميركية التي انعقدت في ظل الكثير من المتغيرات التي عصفت بالعالم، والتي كان لها التأثير الكبير على بلدان القارة.

فعقب حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول اتجهت أنظار واشنطن - التي تعتبر أن بلدان القارة مجالها الحيوي المقدس الذي لا يمكن لأية قوة في العالم مقاسمتها إياه - إلى شن حربها «المقدسة» ضد الإرهاب فكان نزالها الأول في أفغانستان، وما تلاه من حرب عدوانية على العراق، ما نتج عنه سحب البساط الأميركو - لاتيني من تحت أقدام العم سام.

فهذه فنزويلا التي لن تنسى واشنطن لرئيسها «الثوري» الجنرال هوغو تشافيز فعلته «النكراء» بزيارة بغداد ولقاء غريمها صدام حسين وهو ما لم يقدم عليه أي من قادة العالم، بدأت تنهج طريقها المستقل عبر الابتعاد عن مخططات الولايات المتحدة، إذ باتت ترسم لنفسها طريقا يخدم مصالحها الوطنية وخصوصا فيما يرتبط بالثروة النفطية، بل الادهى من ذلك عملت حكومة هوغو تشافيز - الذي ما فتئ يعلن أن الزعيم الكوبي فيديل كاسترو ورفيق سلاحه الثوري أرنستو تشي غيفارا هما قدوته في الحكم - على سد الطرق أمام استثمارات الرأس مال الأميركي في مختلف القطاعات الاقتصادية وخصوصا الطاقة منها في فنزويلا، وهو ما لم تستسغه إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش ما دفعها إلى دعم انقلاب عسكري انتهى إلى الفشل بعد أيام، وإلى تأليب الرأي العام الفنزويلي عبر المعارضة الليبرالية التي تدور في فلكها أو عبر المحطات التلفزيونية الخاصة في كراكاس والتي تعتمد في تمويلها على رساميل إعلانات الشركات الأميركية، إلا أنه وبعد أكثر من 7 أشهر على العصيان المدني الذي أعلنته المعارضة الفنزويلية فإن حكومة هوغو تشافيز مازالت تسيطر على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في البلاد، بل إن الإدارة الأميركية وعبر حربها في العراق وسيطرتها على حقول النفط في هذا البلد العربي، خدمت من دون أن تدري توجهات هوغو تشافيز «اليسارية والوطنية» التي كان يعلنها في مختلف تصريحاته وخطبه ويتهم فيها الإدارة الأميركية بالجشع ومحاولتها السيطرة على ثروات ومقدرات الشعب الفنزويلي ،ما جعل فئات هذا الأخير تلتف حول قيادته، ما أدى بالأقلية الغنية إلى إعادة النظر في مخططاتها وتستجيب جزئيا لمطالب هوغو تشافيز، وخصوصا تلك المرتبطة بوقف الاضطرابات والعودة إلى تشغيل آبار النفط وتنظيم استفتاء بشأن بقائه في الحكم في الوقت الملائم.

هذا فيما يخص فنزويلا، وإلى الجنوب منها وبالضبط البرازيل تلقت الولايات المتحدة الأميركية هزيمة قاسية إثر وصول التيار الاشتراكي ممثلا في الرئيس لويس أنسيو ذي سيلفا Luiz Inacio Lula da Silva إلى الحكم ليكون الرئيس الاشتراكي الأول الذي يحكم بلاد الأمازون وهو ما يعني انقلابا شعبيا في البرازيل على واشنطن التي تسيطر من خلال شركاتها القومية على لقمة البرازيليين من خلال استحواذها على مقدرات البلاد، لتنضاف الجمهورية الوحيدة التي تتحدث اللغة البرازيلية في القارة الأميركية إلى الأنظمة الاشتراكية في كل من هافانا فيديل كاسترو وكراكاس هوغو تشافيز.

التراجعات الأميركية في لاد الطانغو والسامبا شملت أيضا كولومبيا التي تضاعفت فيها من جهة قوة الجماعات اليسارية المسلحة المناوئة لنظام الحكم في بوغوتا الموالي لواشنطن والذي تمثل في سلسلة الاختطافات الأخيرة والتي كان في عدادها رعايا أميركيين، ولتزايد قوة عصابات تهريب المخدرات من جهة ثانية، وخصوصا تلك المرتبطة بكارتيل ميدلين «عاصمة الكوكايين في العالم» وهو ما ترجم إلى ازدياد عمليات التهريب إلى الأراضي الأميركية وخصوصا أن أجهزة الأمن الفيدرالي والمحلي في الولايات المتحدة وجهت لمحاربة الإرهاب وتتبع خطى تنظيم القاعدة للحيلولة دون تكرار سيناريو 11 سبتمبر.

وإذا كانت هذه الدول «فنزويلا البرازيل وكولومبيا» تقع بعيدا عن الحدود الأميركية الجنوبية إذ تفصل بينهما بلدان أميركا الوسطى، فإن المتتبع لما يقع في بلدان «العالم الجديد» يرى أن نار «العصيان اللاتيني» امتدت إلى جمهورية الولايات المكسيكية المتحدة التي تتقاسم الحدود مع الولايات المتحدة الأميركية وهذا ما ظهر بجلاء خلال الحرب على العراق، إذ اعترضت مكسيكو على مساندة جارها الشمالي الأقوى معتبرة أن أي حرب تقودها الولايات المتحدة من دون الرجوع إلى مجلس الأمن الدولي هو خرق فاضح للشرعية الدولية، بل إن الصحف المكسيكية شنت هجوما لاذعا على إسبانيا حليفها التقليدي في أوروبا إذ نعتت رئيس وزرائها خوسي ماريا أثنار بأقدح النعوت لسيره في ركاب التحالف الانجلو - أميركي.

في ظل كل هذه التحولات والمتغيرات اعتبر المراقبون أن انعقاد قمة الدول الأميركية يفرض على زعمائها السير بشعوبهم نحو الاندماج الاقتصادي والتعاون الاستراتيجي، وخصوصا في المجالين الأمني والعسكري، ما يظهر أن هذه الدول التي عارضت الاعتراف بأي نظام موال لأميركا في فنزويلا بعد الانقلاب الفاشل على نظام هوغو تشافيز استوعبت الدرس جيدا لتسير على المنهج الأوروبي، معتبرين أن الوحدة الاقتصادية والتعاون الأمني بين دولهم هو السبيل الوحيد لمواجهة أميركا التي كانت إلى وقت قريب تلعب بأنظمة هذه الدول - دول الموز كما كانت تسمى - كما لو تعلق الأمر برقعة شطرنج.

وإذا كان هذا حال دول تقع في المجال الحيوي المباشر لواشنطن فإن دولنا العربية مازالت تغرد خارج السرب تقوم لقيام سيد البيت الأبيض وتقعد لقعوده مقدمة المثل الجيد على عقلية القطيع

العدد 271 - الثلثاء 03 يونيو 2003م الموافق 02 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً