انتقد الكاتب والمحلل السياسي العربي جورج حشمة الاسلوب الاعلامي وطريقة تناول الصحافة الأميركية للعدوان على العراق وقال: نشرت في صحيفة «الواشنطن بوست» صورة كبيرة في الجزء العلوي من الصفحة الأولى تظهر «طبيبا في البحرية الاميركية يعمل بإحدى وحدات المارينز يحتضن فتاة مصابة من وسط العراق، اذ تعرضت أسرتها لإطلاق النار المتبادل بين القوات الأميركية والعراقية». كان الطبيب الاميركي في الصورة يجلس معقود الساقين على الأرض ويحتضن الرضيعة العراقية، بينما بدت قوات المارينز في الخلفية وكأنها تفتش المنطقة.
ويلفت حشمة: شاهدت تلك الصورة المؤثرة قبل أول رشفة لي من فنجان قهوة الصباح العربية. لكنني عندما شاهدت الصورة ذاتها في صحيفة «النيويورك تايمز»، ،وربما تكبرها قليلا، وقد نشرت على الجهة اليسرى من صفحتها الأولى، صدمت، بل تملكني غضب شديد، عندما قرأت ما ذكرته «التايمز» في تعليقها على الصورة. طبيب البحرية الاميركي الذي كان يحتضن الصغيرة ، قالت الصحيفة: بعد مقتل أمها في تبادل إطلاق النار بين القوات الاميركية والعراقية على الخط الأمامي قرب رفاع في العراق.
ثم يتساءل: لماذا غفلت «الواشنطن بوست» المؤيدة للحرب ضد العراق عن الإشارة لنبأ الأم الأهم فهو أمر لا يغفل على أحد. ما من شك بأن صورة« التايمز» كانت مفجعة وتثير شفقة القارئ. خطايا التكليف - كما يقال لنا - قاتلة، لكن خطايا الإغفال يمكن غفرانها.
أذكر هذه القضية لأن بعض مصادر الإعلام الاميركية هاجمت شبكة محطة الجزيرة المتنفذة لعرضها مقابلات مع سجناء حرب اميركيين وعرض جثث اميركيين آخرين. كذلك، وتعرض موقع الجزيرة الألكتروني منذ ذلك الحين للقرصنة ووردت أنباء بأن المستضيف الاميركي للموقع ينوي حجب خدمته للموقع والتخلي عنه. بل وأكثر من هذا وذاك ، طرد مراسلي قناة الجزيرة من بورصة نيويورك.
ويقول: جاء هذا بعد الموجز اليومي الذي يقدمه وزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، حين قال عندها ان تصرف الجزيرة ينتهك ميثاق جنيف، وهذا شيء واضح. لكن كما أشرت في مقال الأسبوع الماضي، فإن الولايات المتحدة ترتكب الإثم ذاته أيضا عندما تحتجز مقاتلي الطالبان وتبقيهم في حجز إنفرادي وتحرمهم حتى الآن من حقهم في تمثيل قانوني.
فيما يرى ان مدير مكتب الجزيرة في واشنطن حافظ الميرازي، أخبر «السي. إن. إن» بأنهم هم أيضا التقطوا أفلاما لأسرى حرب عراقيين واميركيين. لكن لم يعلق أحد على هذه الملاحظة.
وبلغ تبادل الاتهامات القاسية بشأن المشاهد التي عرضتها الجزيرة ذروته في الأسبوع الماضي، عندما قام مسئول كبير في محطة راديو سوا، المحطة الناطقة بالعربية بلسان الحكومة الاميركية، بتوبيخ الإعلام العربي في حوار أقيم في مؤسسة واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الموالية لإسرائيل، ما أثار حفيظة الصحافيين العرب من الحضور. وأخذ المسئول يسخر من كيفية تغطية الصحافة العربية للحوادث في حرب 1967 مع «إسرائيل»، ولقبولها البيانات الحكومية العربية من دون انتقادها.
ليس هناك صحافي عربي واحد لا يوافق على أن سقف الحريات في الغرب أعلى منه بكثير من العالم العربي؛ لكن الحكومات الغربية معروفة بقدرتها على إدارة الأخبار بواسطة مؤتمر صحافي يومي، أو السيطرة على ما يجب أن ينشر أثناء الأزمات، كما هو الحال في الحرب على العراق.
ويمكن تأكيد هذا لدى النظر إلى مسألة «المرافقين»، أي مرافقة الصحافيين للقوات الاميركية والبريطانية التي تقوم باحتلال العراق، وهي عبارة باتت واحدة من النكات المتداولة على الإنترنت. ويسخر منهم بوصفهم ، أي الصحافيين، بأنهم المراسلون الذين «ينامون مع الجيش».
يقول الناقد الإعلامي المشهور والأستاذ الفخري في الإعلام الجماهيري بجامعة جنوب إلينوي، جاك جي شاهين: إن الصحافيين «المرافقين»، هم «أولئك الذين يكتبون في تقاريرهم ما يمليه عليهم الجنرالات»، وأضاف «في الواقع، ما يكتبونه هو ما تريد الإدارة أن ينقل».
لكن شاهين، مؤلف كتاب حاز على إعجاب كبير بعنوان: «العرب السيئون... كيف تشوه هوليوود شعبا» قال لي أنه يعتقد أن أدوار ما يقارب من ستمئة صحافي، بمن فيهم إسرائيليون، قد تتغير. «إذا ما استمرت الحرب وازدادت الإصابات، لا قدّر الله، أعتقد أن أعداد الصحافيين المرافقين ستتناقص وسيزداد عدد أولئك من غير المرافقين لوحدات الجيش وبالتالي الكتابة بمبادرات فردية. وإذا ما حدث وتغير الرأي العام الأميركي، فسترى ذلك وقد انعكس على التقارير الإخبارية».
واستطرد قائلا: إن الولايات المتحدة، مثلها مثل أي أمة في حالة حرب، لا تريد «وصول أية وجهات نظر سوى تلك الخاصة بها». لكنه أكد أن هذا لن ينجح لأن ألمانيا، وفرنسا وشبكات أخرى في العالم تقدم تقاريرها الإخبارية عن الحرب، كل من منطلقها الخاص. وفي المحصلة، كما قال «إذا أردت أن تعرف، إذهب للإنترنت».
تقارير الحرب فائقة الحماس، كما وصفتها لوس أنجليس تايمز، ستخلق مشكلات سياسية حقيقية في الولايات المتحدة. «هذا واحد من الأسباب لجهود بوش ورامسفيلد الكبيرة الشهر الماضي الذي استهدف إدارة ما ليس في الحسبان».
وتقول «النيويورك تايمز» انه من الصعوبة بمكان في بعض الأحيان التفريق بين الصحافيين وأفراد الجيش.
أحبطت من استعداد المراسلين لابتلاع معظم ما يقال لهم، قال الأستاذ صحافة وعلم اجتماع في جامعة كولومبيا، للتايمز تود جيتلين. «كيف يستمرون في الإشارة إلى قوات التحالف، كما لو أن هناك فعلا تحالفا من نوع ما ؟»
في مقال نشر في 13 مارس/ آذار في صحيفة «يو إس إيه توداي»، شرح رئيس تحرير في وكالة «رويترز الصحافية» جيرت لينبانك ان على المراسلين في العالم كله أخذ البعد الأخلاقي للعرض الاميركي بعين الاعتبار. يترتب عليهم «قياس فوائد الوصول إلى أرض المعركة إلى المخاوف بأن مرافقة الجيش تلك قد تؤدي للسيطرة على التغطية الإعلامية». وقد اعترف بأن رويترز انساقت إلى مرافقة الجيش قائلا «على أن تستخدم بعض تقاريرنا من قبل البنتاغون لإعلان أخبار من منطلق إيجابي، وأننا قد نتخذ خطوات لموازنة تلك الحقيقة».
بكلمات أخرى، كما قال، «البنتاغون صريح من حيث رؤيته لمرافقة الصحافيين للجيش تلك وسيلة للمساعدة في (تشكيل) الرؤيا العامة». واعترف بأن «قد تكون مهنتنا أكثر عرضة للمخاطر إذ ستصبح قنالا للمعلومات غير الصحيحة»
العدد 271 - الثلثاء 03 يونيو 2003م الموافق 02 ربيع الثاني 1424هـ