ندوة التمييز التي عقدت يوم أمس الأول وتحدث فيها عدد من المتصدين لهذا الموضوع الحساس نشرت أرقاما عن الوظائف العليا في الدولة، وخلفية الأفراد الذين يتسنمونها.
التمييز آفة وسرطان يهدم أسس المواطنة القائمة على مبدأ الكفاءة والمساواة في الحقوق والواجبات.
والبحرين تعاني من هذا المرض لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية عديدة. ولاشك أن السبب السياسي هو المفتاح، وازالته تفتح الطريق أمام إصلاح الوضع على المدى المتوسط والقريب.
غير أن الخشية من التطرق إلى الموضوع من دون حلول معمقة وبعيدة المدى هو أن تشتعل الاحقاد بين أناس لا ذنب لهم في الاساس.
التمييز ينبع من «العنصرية»، والعنصرية هي اعتقاد سياسي أو ثقافي يبرر التعامل مع الناس بطرق مختلفة على أساس خلفية الناس الاجتماعية أو الدينية أو الاثنية. والعنصرية بهذا المفهوم أزلية وموجودة على مر السنين، فيما عدا فترات ذهبية حظيت بها الانسانية وأهمها الفترة التي بعث فيها رسول الله (ص) نبيا وقضى على العنصرية التي كانت تعشعش في ذلك الزمان، فقد اعتمد الرسول (ص) مبدأ الأخوة الاسلامية والأخوة الانسانية وغلبهما على الروابط العنصرية.
فالاسلام يعلمنا «ليس العيب أن يحب امرء قومه، ولكن العيب هو أن يرى شرار قومه أفضل من خيار قوم آخرين». هذه هي تعاليم الاسلام الحنيف التي سرعان ما تخلى عنها المسلمون في السنوات التي تلت صدر الاسلام، وعدنا نتعامل على أساس قبلي واثني وطائفي.
الدولة الأموية كانت تعتبر المسلمين غير العرب «موالي»، وهو ما يطلق عليه بلغة العصر الحديث «مواطنون من الدرجة الثانية»، وهذا أثار حفيظة كثيرا من ابناء المسلمين غير العرب. ثم تطورت الأمور عبر السنين واصبح المرء يقتل أو يجلد أو يسجن لأنه من أتباع هذا الاتجاه الفكري أو ذلك المذهب الاسلامي، حتى وصلنا إلى إقامة الدولة العثمانية في العام 1300م عندما اعلنت المذهب الحنفي مذهبا رسميا واعترفت بالمذاهب السنية الثلاثة الأخرى ولم تعترف بالمذهب الشيعي. وكانت ردة الفعل هي إقامة الدولة الصفوية في ايران العام 1501م التي اعلنت المذهب الشيعي مذهبا رسميا للدولة ولم تعترف بالمذاهب السنية. وهذا أدى إلى تصفيات جسدية طالت اناسا كبارا من الجانبين.
فالدولة العثمانية مثلا استدعت من جبل عامل (لبنان) أحد كبار علماء الشيعة آنذاك إلى اسطنبول، وحققت معه ثم اعدمته في العام 1539م. وهذا العالم مازالت كتبه تدرّس في الحوزات العلمية الشيعية ويطلق عليه الشيعة لقب «الشهيد الثاني»، وهو زين الدين العاملي.
والسبب في اعدامه سياسي، فعلماء الشيعة آنذاك كانوا في العراق وجبل عامل (لبنان) والبحرين والقطيف والاحساء، وكانوا هم الذين يقررون شرعية الحكم الصفوي من عدم شرعيته.
وعليه تحول الحوار الديني - الديني إلى صراع سياسي - سياسي بين دولتين متجاورتين تحاربتا سنين طويلة. ولكن الدولتين في أواخر أيامهما اعترفتا بمذهبي بعضهما بعضا وذلك بعد سقوط الدولة الصفوية ومجيء نادر شاه الذي اعتمد جيشه على السنة أكثر من الشيعة وهو الذي اعترف بالمذاهب الخمسة، وأطلق رسميا اسم «المذهب الجعفري» لكي يتعامل معه على أساس مذهب وليس على أساس أنه «الاسلام الوحيد» كما كان في عهد الدولة الصفوية وكما كان ايضا لدى الدولة العثمانية التي كانت ترى في نهجها «الاسلام الوحيد».
ربما ان هذا هو الماضي، ولكن الماضي والحاضر والمستقبل يتحرك بأطر متشابهة، ففي كل مرة يحدث تمييز على اساس غير إنساني وغير إسلامي يكون الدافع سياسيا واجتماعيا، ويستخدم الدين مبررا على رغم أنه لا يمكن أن يكون كذلك.
ولذلك فإن الحلول للمشكلة العنصرية يمكن ان تبدأ سياسية، ولكنها لن تكتمل إلا اذا كانت حلولا تربوية وثقافية.
عدد من الدول اعترفت بالمشكلة التي كانت تعاني منها وشرعت في حل جذورها، ومن تلك الدول جنوب افريقيا والولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها. بعضهم انشأ لجانا حكومية تراقب التعيينات في الوظائف العامة للتحقق من عدم التمييز، ومازالت هذه اللجان تعمل بأشكال مختلفة. ولكن مشكلتنا أن الاعتراف بالمشكلة مازال بصورة غير مباشرة وغير رسمية ولذلك لا تتمكن الحكومة من طرح برامج حقيقية سوى الامل بأن المشكلة ستنتهي مع الزمن.
لفترات طويلة من الزمن كان السود والايرلنديون وغيرهم من الفئات يميز ضدها في الولايات المتحدة، ولكن منذ السبعينات بدأت تخف هذه المشكلة وأصبحت الاوضاع أقل تمييزا الآن على رغم عدم انتهائها لان الحلول تتطلب سنين عديدة بعد الاعتراف بالمشكلة.
هناك خشية حقيقية لدى البعض من طرح المشكلة، وربما ان هذا الخوف مبرر نوعا ما، لكن لا سبيل امامنا سوى فتح النقاش الهادىء وطرح الارقام لتتحدث عن نفسها.
البحرين تحملت كل أنواع البشر منذ القدم، وتعاملت مع الذين عاشوا بين احضانها بالاحسان، وهي كانت ومازالت بلدا آمنا لمن ولد فيها ولمن عاش فيها، وهذا ما نود استمراره على رغم وجود من يحاول تعكير الجو. والبحرين وقعت على الاتفاقية الدولية لمناهضة جميع اشكال التمييز العنصرى، ولجنة حقوق الانسان بالامم المتحدة تطلب تقارير واثباتات من الدول الموقعة انها تلتزم بالاتفاقية. وتوقيع الحكومة على الاتفاقية بداية حسنة وايجابية، ويبقى امامنا تنفيذ بنود الاتفاقية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 271 - الثلثاء 03 يونيو 2003م الموافق 02 ربيع الثاني 1424هـ