العدد 269 - الأحد 01 يونيو 2003م الموافق 30 ربيع الاول 1424هـ

شاعر الموت.... فريد رمضان

تقيم أسرة الأدباء والكتاب ضمن برنامجها الثقافي في الثامنة من مساء اليوم الاثنين أمسية سردية يحييها القاص والكاتب فريد رمضان، وذلك في مقر أسرة الأدباء والكتاب في العدلية... واستباقا للحدث الذي سيجرى مساء نحاول في هذه المساحة تقديم قراءة هي جزء من هامش تفاعل امتد طوال عقد كامل أو أقل بقليل لمنجز فريد رمضان سواء في القصة أو الرواية.

مع «البياض» كانت محاولات الدخول الأولى، وكأي محاولة ابتدائية تكون التجربة بطراوتها ملتبسة، وبقدر ما تنبئ فهي تحجب، ودرجة الإفصاح نفسها فإنها تلتحف بالغموض، لجهة قوة التجربة وتماسكها... كان فعل القص هو خيار الدخول إلى عوالم الأدب من حيث النشر، سبقتها محاولات في كتابة الشعر، لم تنتف وتتواري بقدر ما كانت تحضر، في البياض بصفة بسيطة، ثم في تلك الصغيرة بشكل أكبر... وصولا إلى البرزخ.

ومع التنور بدأت التجربة تتفرع وتتماسك، وتكون خيارا سينسحب لاحقا على أعمال ونصوص أخرى، وسيظل هاجس البحث في الهوية والجذور، ورصد حركات الترحال سواء من بر فارس أو من عمان أو البصرة ثيمة تتكرر ولكن في سياق الميتات بصورة تتقاسمها كل التجربة. إن الموت كحال معاشة تنعكس في السرد تمثل مرتكزا أساسيا، كما سيحضر الجسد كحال فيزيائية تتطور باستمرار، لتصل إلى أن تكون مستدعية للفقد والموت... الموت القيمي أو الموت الروحي، أو حتى موت الطفولة قواسم مشتركة تغزو نصوصه باستمرار، إن مصائر شخوصه تغطيها السواد بحيث تذهب الشخوص إلى الموت إما بالحرق أو بالقتل أو بالطاعون.

إن التجربة الحياتية هي ملهمته في الكتابة المتمحورة حول الموت، وسيجد القارئ في نصه الجديد - حين يقرر دفعه إلى المطبعة - «عطر أخير للعائلة» وكان رمضان قد خص «الوسط» بجزء منه للنشر، كيف يخلق الموت شاعريته الخاصة، وكيف يتركب فعل التشتيت في أسرة صغيرة، إذ يتناوب على أفرادها بتسارع كبير.

إن هذا الملمح هو أبرز ما كتب فيه رمضان وتمحورت حوله مختلف أعماله، وتبقى هوامش أخرى نذرها لتجسيد حالات عشقية خاضت وعالجت في أسئلة الأنثى والجسد... والمشاعر المتفلتة، وكرست حال الوجد والهيام... والحب المحرم بشيء من الممارسة الطقوسية المقدسة، وبمسحة صوفية،وحسية مفرطة، لكن المآلات واحدة، عود على بدء.

لقد كانت خيارات رمضان منحازة إلى نوع محدد من المعرفة الروائية أو السردية وجدناها ماثلة على مستوى جدل اليابسة والماء، أو الجغرافيا وتشظيها في حارة البوخميس، أو في معسكر أريف، أو المطار، والمحرق، والبسيتن، وحاليا يشتغل على «النعيم» هذه الخيارات تمحورت حول المكان كتشخيص لحالات البؤس والشقاء، في مقابل عبث شخصياته ومجونهم ومصيرهم البائس.

كما تنوعت أساليبه في اقتناص اللحظات الجنائزية، وفي سرد الشعائر وفي تدوين تواريخ الأرواح، وفي قراءة خراب المكان وتلاشيه، إلى الالتفات إلى الآلام النفسية عبر الجسدية، حين ينفلت الجسد من عقاله، تاركا آثارا سرعان ما تلفظ وتنسى... تلك ملامح أساسية تبناها مشروعه الكتابي، ولا يزال يعبد في سرده طرقا عبقة برائحة الموت، القادم من أقاصي الذاكرة وتخومها البعيدة، أو من إعادة إنتاج حكايات مروية أو مثبتة في بطون الكتب





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً