على رغم الموقف المحايد الذي تبنته ايران خلال حرب العراق والاتصالات السرية التي تمت بين ممثلين عن الحكومتين الايرانية والاميركية في جنيف، فإن العلاقات بين الخصمين القديمين تعرضت في الايام الماضية لتوتر شديد، فيما تزيد الولايات المتحدة الضغط على طهران وتطالبها بالكشف عن هويات اعضاء منظمة (القاعدة) الموجودين في اراضيها وتسليمهم إلى السلطات الاميركية.
منذ وقت تتهم واشنطن الايرانيين بايواء اعضاء في منظمة (القاعدة)، وتقول واشنطن ان من ضمنهم اشخاصا شاركوا في اعمال العنف التي وقعت في الرياض بتاريخ 13 مايو/ايار الماضي. وابلغ مسئول حكومي اميركي صحيفة «نيويورك تايمز» انه عقب وقوع تفجيرات الرياض مباشرة طلبت الولايات المتحدة من ايران ان تتعاون مع الاميركيين لالقاء القبض على المجرمين. واضاف هذا المسئول قائلا: ليس هناك سبب يدفع ايران لقبول ايواء اعضاء (القاعدة) إلا اذا كانت لها مصلحة في ذلك.
ردت ايران على الاتهامات الاميركية وقال متحدث باسم وزارة الخارجية انه يجري التحقيق مع اعضاء (القاعدة) للتأكد من هوياتهم على رغم ان المعلومات الاولية دلت على انهم لا يشغلون مناصب رفيعة في المنظمة. ورفضت ايران بشدة الاتهامات التي وجهها اليها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الخميس الماضي بالتواطؤ في تفجيرات الرياض وان التخطيط لهذه العملية تم داخل ايران. وقال رئيس الاستخبارات الايراني، ان السلطات الامنية في بلاده قامت خلال العام الماضي بابعاد أكثر من 500 شخص دخلوا اراضي ايران بطريقة غير مشروعة ومنهم من تم الاشتباه بانتمائهم إلى منظمة (القاعدة) وتم ابعادهم ايضا إلى بلدانهم الاصلية في العالم العربي وآسيا واوروبا. واضاف: نحن ايضا لنا مشكلات مع (القاعدة). وكان المتحدث باسم الحكومة الايرانية رمضان زاده طلب من اجهزة الأمن الاجنبية تقديم المعلومات التي تملكها وتتضمن اسماء الاشخاص الموجودين في ايران والمشتبه بأنهم ينتمون إلى منظمة (القاعدة).
وأوردت صحف اميركية نقلا عن مصادر في الاستخبارات ان احد انجال اسامة بن لادن موجود في ايران وكذلك المصري سيف العدل الذي اشيع انه تولى منصب المسئول العسكري في المنظمة وهو الرجل الثالث بعد اسامة بن لادن ونائبه ايمن الظواهري، وكذلك مجموعة من قادة المنظمة. وأشارت الصحف إلى التقاط مكالمات هاتفية دلت ان هؤلاء يستخدمون الاراضي الايرانية لتخطيط عملياتهم وكان آخرها في الرياض. وسارعت واشنطن لتجميد اتصالاتها مع ايران وخصوصا المفاوضات التي كانت تجري في جنيف، بناء على المعلومات التي قدمتها الاستخبارات وأفادت ان (القاعدة) تستخدم الاراضي الايرانية للمضي في نشاطها بعد أن أصبح من الخطر العمل في افغانستان وباكستان.
وكانت المفاوضات السرية بين طهران وواشنطن تجري منذ سقوط نظام طالبان في افغانستان وتحت رعاية الامم المتحدة وبمبادرة من المانيا وايطاليا لقيام هذه الاتصالات بهدف تحقيق تقارب بين البلدين وتم اختيار سويسرا مكانا للمفاوضات. وكان ينكشف سر هذه المفاوضات بين فينة وأخرى لكن الايرانيين والاميركيين كانوا ينفون وجودها وكان يجري التعتيم على الموضوعات التي تدور المفاوضات بشأنها. والمرجح انها تناولت مصالح البلدين في افغانستان والعراق وكذلك موضوع (القاعدة) وبلغ حد التفاؤل عند بعض المراقبين للتكهن بأن المفاوضات وصلت إلى حد احتمال عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وكان جليا بعد الحرب على العراق ان الولايات المتحدة تحتاج إلى عدو رمزي جديد في المنطقة. وبعد ان صرفت النظر عن سورية بوصفها خصما بديلا للنظام العراقي السابق، بسبب الاحتجاج العربي والاسلامي، فإن ايران البديل الافضل. ويعزز ذلك عدم وجود سياسة اميركية محددة حيال التعامل مع ايران على رغم الاستعداد الذي ابداه الايرانيون منذ فوز الرئيس محمد خاتمي بولاية ثانية وعرض الحوار على واشنطن خلال مقابلة خص بها محطة (سي ان ان) المقربة من الادارة الاميركية.
ويشير المراقبون إلى عدم توافر صوت واحد في الولايات المتحدة يدعو إلى الحوار مع ايران. وتجاهلت ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون نصائح الحلفاء الاوروبيين وخصوصا المانيا وايطاليا وفرنسا، بالحوار مع خاتمي وتشجيع دعوات الاصلاح التي وعد الناخبين بها، وتتجاهلها اليوم في عهد بوش. وينادي بعض الصقور في واشنطن بتغيير النظام في طهران وهم انفسهم الذين نادوا في السابق بتغيير النظام في بغداد ودمشق، لهذا السبب اصبح من غير المعقول ان يجازف سياسي اميركي بالتحاور مع القيادة الايرانية بل يشاع انه تم الاتفاق بين وزارتي الخارجية والدفاع في واشنطن على صعيد الضغط على طهران والبدء في عزل ايران.
قائمة القضايا المتنازع عليها بين طهران وواشنطن طويلة: إلى جانب (القاعدة) هناك خلاف بشأن دور ايران في نزاع الشرق الاوسط وخصوصا صلتها بحزب الله اللبناني الذي يعتبره واشنطن ودول الغرب «منظمة ارهابية» وكذلك صلتها بعدد من الفصائل الفلسطينية وخصوصا حركة «حماس» واضافة إلى ذلك تخشى واشنطن نفوذ ايران على شيعة العراق وخصوصا بعد عودة السيد محمد باقر الحكيم الذي اعاد إلى الغرب ذكريات أليمة بعودة الإمام الخميني إلى ايران بعد سقوط الشاه، كذلك تخشى واشنطن البرنامج النووي الايراني الذي وفرت له روسيا التقنية اللازمة. وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» ان واشنطن زادت الضغط على المنظمة الدولية للطاقة الذرية التي يقع مقرها في مدينة فيينا كي تشير في التقرير الذي تستعد لاعلانه في يونيو/ حزيران الجاري إلى ان ايران خرقت معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية.
من النتائج التي اسفرت عنها الحرب على العراق، ان واشنطن وضعت يدها على رقاب «مجاهدي خلق» وكانت في السابق توفر لهم القليل من الدعم وتشجعهم على شن حملات وخصوصا في اوروبا ضد النظام الايراني واتهامه بخرق حقوق الانسان.
وأصبح هذا التنظيم الذي يتزعمه مسعود رجوي الذي فر من الاراضي العراقية إلى مكان مجهول، بعلم الاميركيين على الارجح، ورقة ضغط يستخدمها الاميركيون ضد القيادة الايرانية، على رغم ان واشنطن تصر على انه تنظيم ارهابي. وفي ابريل/نيسان الماضي اعلن وقف اطلاق النار بين الولايات المتحدة و«مجاهدي خلق» الامر الذي اثار ريبة عند القيادة الايرانية التي اعتبرت بداية ان نزع اسلحة «مجاهدي خلق» خطوة اميركية في الاتجاه الصحيح. لكن سرعان ما تبخرت هذه الآمال وأصبح الاعتقاد السائد ان واشنطن ستستخدم «مجاهدي خلق» ضد النظام الايراني مثلما استخدمت «قوات تحالف الشمال» في افغانستان و«المجلس الوطني العراقي» ضد نظام صدام حسين.
وكانت التغييرات التي شهدتها المنطقة نتيجة الحرب على العراق ووصول الولايات المتحدة إلى حدود ايران، زادت الضغط الخارجي إلى جانب الضغط الداخلي على القيادة الايرانية وأصبح يجري الحديث علنا عن ضرورة عودة العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن. وأصبح النفوذ الكبير للولايات المتحدة في المنطقة له تأثير بالغ على السياسة الايرانية وعلاقاتها مع الدول المجاورة التي ترتبط بعلاقات متينة مع القوة العظمى. وأصبح الاصلاحيون يشيرون علنا إلى ضرورة التعجيل بعودة العلاقات الدبلوماسية كما اصبحت الفكرة تلقى قبولا حتى عند خصوم الاصلاح الذين ادركوا ان عودة العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن لا تسهم فقط في منع تعرض ايران لعمل عسكري معاد وإنما ايضا تحفظ ماء الوجه امام الشعب المتعطش للاصلاحات
العدد 268 - السبت 31 مايو 2003م الموافق 29 ربيع الاول 1424هـ