من حق تجار سوق المنامة القديمة أن يغضبوا، وأن يعبروا عن نفاد صبرهم بعد أن دخلت مسألة سوقهم هذه التاريخ من أوسع أبوابه، باعتبارها المسألة أو الموضوع الأول الذي يحظى بعدد لا يُحصى من التصريحات، وعدد أكبر من الاجتماعات واللقاءات والحوارات، بالإضافة إلى الزيارات المنوعة وعلى أعلى المستويات، وكذلك الوعود بحل كل المشكلات، وتدليل كل العقبات أمام التاجر البحريني الصغير.
ومع هذا الكم المتراكم من الاجتماعات والاستماعات والتي لم تحظَ بها أية قضية أخرى لا في سوق المحرق القديمة ولا حتى في مجمعات السيف الحديثة، فإن الذين يتحدثون عن التطوير ويرصدون ما بين 15 و20 مليون دينار لهذا الغرض، يفعلون ذلك من أجل تطوير مظهري غير فعّال، وهو أشبه بعلاج مريض القلب بتلميع وجهه بالمساحيق.
فمشكلة سوق المنامة القديمة ـ شوارع الشيخ عبدالله، التجار وباب البحرين والطرقات المتفرعة منها في الاتجاهات الأربعة ـ ليست في عدم وجود مواقف سيارات ودورات مياه وساحة عامة وشارع مظلل، وإنما هي في الموت السريع للتاجر البحريني في هذه السوق، وفي الانتشار السريع للتجار الهنود فيها، وفي تراجع مبيعات البحرينيين الباقين أكثر من 70 في المئة، وفي خروج أعداد كبيرة منهم.
مشكلة سوق المنامة أن التاجر البحريني الصغير سواء عمل في الذهب أو في بيع الملابس والأحذية والأقمشة وغيرها فإنه يجد نفسه محاصرا في دكانه الذي ربما توارثه عن أبيه وجده اللذين عملا فيه أكثر من 50 عاما، فمبيعاته في تناقص مستمر، وقدرته على التطوير والتوسع والمنافسة هي الأخرى في تراجع مستمر، وكل ذلك يعود إلى تزايد الأعباء الملقاة على عاتقه، في ظل زحف كاسح من الهنود الذين دخلوا باب التجارة من باب التضامن والتكاتف كمجموعات ربما عائلية وربما أكبر من ذلك، وقاموا بالتضييق على التاجر البحريني الذي يعمل بمفرده، إما بمنافسته في نوعية وأسعار البضائع، وإما حتى في تأجير محله وسجله التجاري.
فإذا أضفنا كذلك عدم قدرة هذا التاجر على تحمل إيجار المحل ودفع رسوم الكهرباء والهاتف والسجل التجاري، وتدبير المال الذي يعيش منه هو وعائلته، ومتطلبات المصرف في حال الاقتراض أو استيراد البضائع، فإننا نجد أن تاجر سوق المنامة القديمة يريد من يسنده تجاريا، ومن يصبر عليه ماليا، ومن يخفف من أعباء الرسوم والإيجارات، ومن يتدخل لإيقاف زحف الهنود، واتخاذ الإجراءات الصارمة لإنهاء ظاهرة التستر التجاري، ومعاقبة الذين يؤجرون ويستأجرون السجلات التجارية، عندها فقط تستعيد السوق القديمة حيويتها ويستريح التاجر البحريني في الساحة العامة وتحت المظلة ويذهب إلى دورة المياه
العدد 268 - السبت 31 مايو 2003م الموافق 29 ربيع الاول 1424هـ