العدد 268 - السبت 31 مايو 2003م الموافق 29 ربيع الاول 1424هـ

كي لا تنقلب الصورة حول العراق

محمد موسى الصفار comments [at] alwasatnews.com

الملايين من الناس في أنحاء العالم وفي الدول العربية تحديدا ودول الجوار على وجه الخصوص مُنشدّون إلى معرفة المزيد من الحقائق عن العراق والعراقيين، فمأساة العراق مأساة القرن التي ندى لها جبين الإنسانية والمهجرون العراقيون ملأوا الأرض صراخا وعويلا وهم يرفعون حقائق مظلوميتهم أمام العالم في دول الشتات، وطاغوت العراق هوى بطريقة شدت العالم بأسره، فمن أسقطه هو محتل غاشم ومن أُسقطه هو طاغوت ظالم، ومصير العراق ومستقبله يكتنفه الغموض ويلفه الكتمان.

أما أحبة العراق والمحيطون به من شعوب دول الجوار فقد شغلوا أنفسهم بتسليط الضوء على العراقيين وعلى شيعتهم تحديدا فملأوا الدنيا ضجيجا بشأن مستقبل الوجودات والأقليات الأخرى في العراق، وأكثروا السؤال عن هوية الشيعة وعقائدهم وطقوسهم خصوصا حين نقلت فضائيات العالم ذكرى أربعين الإمام الحسين (ع) بتغطية لم تحظ بها أية مناسبة دينية تخص الشيعة.

وأمام هذه الأسئلة الجريئة والملحة من جيران العراق وغيرهم لابد وأن تأخذ القوى الشيعية في العراق زمام المبادرة للإجابة، والحديث بصراحة وشفافية، عن ماهيتها وعقيدتها وعباداتها ومعاملاتها ورموزها وطقوسها وكل ما هو مقدس عندها.

المنطلقات

إنني حين أدعو العراقيين إلى بدء مسيرة إستراتيجية و طويلة الأمد لتوضيح صورتهم و حقيقتهم انطلق من عدة منطلقات.

1- حق الجيرة

إن من حق جيرانكم عليكم أن تبادروهم في الإفصاح عن أنفسكم، ليتعرفوا عليها من خلالكم أنتم، فتكون المعرفة قطعية لا يداخلها شك ولا يعتريها ريب، خصوصا فيما يرتبط بالهوية والمعتقد.

2- الأولوية

أنتم أولى بالحديث عن أنفسكم من غيركم، فالكل كتب عنكم وتحدث عنكم، وحاول بالنيابة أن يُوصل لجيرانكم تصورات لا تُعبِّر بالدقة عن الصورة التي أنتم عليها، فالسبق الصحافي، والتحقيقات المستعجلة، والجهل وقلة المعرفة، والعمد والتربص السيئ بكم ،كلها أمور عكست من الصورة مالا يقبله العراقي عن نفسه وعراقه وعقيدته.

3- التصحيح

في ضوء ما يثار من مخاوف و هواجس من القوة الشيعية في العراق والحديث المشوه عنها، لابد وأن ينبري من يصحح ويقوم، وهذا حق مضمون للشعب العراقي بعلمائه ومفكريه والمتحدثين منه لا ينازعهم فيه أحد.

الهدف

ليس الهدف من كل ما ذكر هو الصراع المذهبي و تشنيج الأوضاع، ومحاولة تحويل الآخرين إلى شيعة أو تشكيكهم في عقائدهم، بل الهدف يتمحور في نقاط عدة.

1- توضيح الحقيقة، وإعطاء الصورة ملامحها الحقيقية، ووجود مرجع يعرفها ويكشف عنها.

2- إلتماس المعذرية من قبل الآخر فحين تُبين ماهيتك وتكشف عن ذاتك وتشرح عقيدتك بوضوح فإنك بذلك توجد معذرية يفهمك من خلالها الآخرون وستجد حينها الكثيرين من الذين صبغتهم سماحة الإسلام يعذرونك فيما أنت فيه.

-3 صناعة الأمن والإطمئنان في نفس الآخر من خلال الوضوح في الطرح، ومن خلال تطمين الآخر على وضعه ومصالحه وجميع خصوصياته في مقابل الإرجاف المتعمد لتشويش الرؤية، والفزاعة المصطنعة لِلَملَمة الغوغاء.

إن المسئولية كبيرة عليكم أيها العراقيون من علماء وكتاب وأدباء ومثقفين أن تؤسسوا لعمل دؤوب ومتواصل يوضح حقيقتكم وعقيدتكم وما يرتبط بها من طقوس وعبادات.

وفي تصوري ان الشيعة في العراق يجب أن يصرفوا جهدا وافرا لتوضيح ماهيتهم لجيرانهم وهم يمتلكون المقومات التي تكفل لهم النجاح في الإفصاح عنها بسهولة ويسر، ويمكن الإشارة إلى عدة أمور مؤثرة في أداء المطلوب.

الجوار

فالعراق يجاور الكويت و يجاور المملكة العربية السعودية بمساحات شاسعة وهذه الجيرة ستسهل المد الثقافي بين البلدان المتجاورة فالعراق سيؤثر ولا شك أنه سيتأثر، كما أن سهولة السفر والتنقل من و إلى العراق وقرب المدن الحدودية العراقية من المدن الحدودية في بلدان الجوار ستساهم في التعرف المباشر على المذهب والعادات والأفكار والقناعات من دون حاجة إلى واسطة تشط وتخطئ في إيضاح الآخر غالبا. والمهم كما أسلفت أن يفهم بعضنا بعضا بما يوجب المعذرية عند كل طرف للآخر.

اللغة

لا ريب أن اللغة هي الظرف والوعاء لنقل الأفكار والمعلومات والرؤى، كما لا شك أن لكل لفظ في كل لغة ظلالا وفحوى وإيحاءات معينة قد لا تكون حاضرة في ذهن المتلقي إذا تعرضت الكلمة للترجمة لأن الإيحاءات والظلال لا يمكن أن تترجم، فكون العراق بلدا عربيا سيمكن العراقيين من الحديث عن عقيدتهم وآرائهم بشكل بين وواضح.

ومن جهة أخرى ستكون الإمكانات الإعلامية كلها مسخرة للعرب وكل الجهد متجه للعالم العربي وهذه ستكون خاصية للعراق لم تتوافر بهذا الحجم للجمهورية الإسلامية في إيران كما أن إمكان التحاور للمشاهد والمتلقي العربي ستكون أكثر فاعلية.

وعي التجربة

يمتاز شيعة العراق بقراءتهم الواعية لتجربة الدولة الشيعية في إيران، فقد مرت الدولة الإسلامية بأطوار ومراحل وأساليب متعددة للتعاطي مع السنة سواء على أراضيها أم مع إخوانها من سنة الجوار، و لا شك أن الحاجة ماسة إلى دراسة تلك التجربة من قبل شيعة العراق، وهذا ما سيمكنهم من البدء من حيث انتهى الآخرون، مع الإستفادة من دروس تجربتهم، للتمسك بإيجابياتها وإصلاح سلبياتها مع الإحتفاظ بالفوارق التي تمليها الديموغرافيا والظروف المتباينة بين البلدين.

المهم في الأمر أن لهم تجربة قريبة عهد سينطلقون منها، ولن يكون إنطلاقهم من العدم، وهو مائز مفيد إن أحسنوا الإستفادة منه، بالتأمل والتمحيص واكتشاف مكامن الخطأ من منابع الصواب.

الكفاءات

في العراق زخم كبير من الكفاءات العلمية في مختلف الأصعدة والمجالات، والمجال الديني والثقافي من أكثر تلك المجالات إحتضانا للكفاءات... إن الإزدهار الذي حصل في حوزة قم في إيران بسبب هجرة الكثير من طلاب العلم ورواده من العراق إليها ملموس وبين، وقد بدأت هذه الكفاءات تأخذ طريقها في العودة إلى حوزة النجف الأشرف،والى كربلاء الطاهرة وبإذن الله سيزدهر ذلك المنار وتلك البقاع الطيبة.

ستعود هذه الكفاءات وقد استفادت من هجرتها تجربة حركية ثمينة، واستفادت من انفتاحها على العالم تجارب في الإرشاد والتوجيه ومخاطبة الآخر، وتعرفت أكثر على تكنولوجيا العصر بسبب الشتات والإنتشار الذي عاشته في بلاد الغرب (المهجر)، كل هذه الأمور ستوفر لها قدرة العمل بفاعلية أكبر، ونشاط أكثر، من أجل إيصال رؤيتها العقدية، وتصوراتها الثقافية، وآرائها العلمية على مختلف الصُّعد، وللعالم بأكمله، وسيكون النصيب الأكبر متجها إلى دول الجوار.

الحوزات العلمية

فقد عُرف عن العراق نجفها التي اشتهرت بحوزتها العلمية، التي خرجت كوكبة يفخر بهم الشيعة من العلماء الأفذاذ ليس آخرهم الشهيد الصدر والسيد الخوئي والصدر الثاني والسيد الشيرازي - خريج الحوزة الكربلائية (رحمهم الله جميعا) إن وجود هذه المراكز المشعة بما عرف عنها من قدرة في كفاءاتها ومدرسيها ستتمكن إن شاء الله أن تمارس دورها التبليغي والإرشادي للعالم كله، وللدول العربية بشكل أخص، ودول الجوار ستكون أولى بالمعروف، ولعل توجه الحوزة العلمية في النجف الأشرف إلى توضيح ماهية التشيع وحقيقته والتصدي بحكمة وهدوء لرد الشبهات ومعالجتها هو أمر في غاية الأهمية، فالطائفة الشيعية بحاجة ماسة إليه كي يتضح للعالم ما ألصق بالشيعة من تهم أُلقيت على عواهنها جزافا دون تفحص ونظر.

الأماكن الدينية

في العراق الحبيب الكثير من المراقد المقدسة للأئمة المعصومين (ع) ففي النجف الأشرف يوجد مرقد الإمام علي (ع) وفي كربلاء مرقد الإمام الحسين (ع) وفي أطراف بغداد مرقدا الإمام الكاظم (ع)، والإمام الجواد (ع)، وفي سامراء مرقدا الإمام علي الهادي (ع)، والإمام الحسن العسكري (ع).

فالإمام علي (ع) مثلا لن يتأخر أحد من المسلمين عن زيارة مرقده الطاهر والتبرك به فهو خليفة لرسول الله (ص) عند جميع المسلمين.

والإمام الحسين (ع) تواترت الأحاديث في مكانته من رسول الله (ص) وأنه سيد شباب أهل الجنة، كما أن كربلاء ارتبطت باسم الحسين (ع) في التاريخ فقد زخرت الكتب التاريخية بنقل تفاصيل ما وقع فيها وسمع المسلمون عنها في وسائل الإعلام المختلفة وكلهم يجمعون على مكانة الحسين (ع) عند جدة رسول الله (ص).

وعلى كل تقدير فمن لم يأت العراق قاصدا للتبرك والمعرفة فسيصلها سائحا، وهنا تأتي مهمة شيعة العراق في تعريف هؤلاء الرموز والأئمة للعالم بأسرة.

إن توفير الكتب والدراسات وأشرطة الإسطوانات المدمجة (رئيس) وغيرها من وسائل التعريف بهم (ع) كفيلة بأن توضح للناس من هم هؤلاء وما هي حقيقتهم.

ختاما

نحتاج إلى مراكز تعنى بتوضيح حقيقة الشيعة بلسان عربي مبين يتسم بالتعقل والهدوء والمحبة للآخر، همها أن تعطي للعالم كله وللجيران من حولها مزيدا من الوضوح والشفافية عن أهم مقدس عندها وهو العقيدة التي تتعبد بها إلى بارئها سبحانه وتعالى، وان تتعاون معهم ومع بقية المذاهب الاسلامية في المشتركات وفي الامور المصيرية من اجل اعلاء كلمة الله

العدد 268 - السبت 31 مايو 2003م الموافق 29 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً