العدد 268 - السبت 31 مايو 2003م الموافق 29 ربيع الاول 1424هـ

لماذا تتم عرقلة العمل النقابي؟

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

ليس لدينا شك في أن وزارة الأشغال والإسكان قد طبقت القانون عندما أمرت بتوقيف رئيس نقابة العمال بالوزارة عبدالله صالح عبدالله عن العمل لأن قانون النقابات العمالية يمنع موظفي الحكومة من تشكيل النقابات (بحسب تفسير ديوان الخدمة المدنية)، ولكننا نشك في أن هذا القانون عادل أو دستوري. وفي غياب محكمة دستورية مفعلة وبرلمان فاعل بالدرجة المطلوبة فإنه من المتوقع أن تستمر الأخطاء التي لا تخدم أحدا.

القطاع الحكومي مثله مثل القطاع الخاص والشركات الكبرى التي تمتلكها الدولة أو تمتلك جزءا من أسهمها، والتفريق بين القطاع الحكومي وغيره يعتبر تمييزا غير لائق بحركة الإصلاحات.

إن التنظيم النقابي حق طالب به البحرينيون منذ العام 1938 وكاد أن يتحقق بصورة كاملة في نهاية العام الماضي 2002 بعد إعلان قيام «الاتحاد العام لعمال البحرين» بدلا من «اللجنة العامة لعمال البحرين». فتلك «اللجنة» كانت تسميها الحكومة «التنظيم العمالي»، إلا أن ذلك التنظيم رفضته النقابات الدولية، ورفضته منظمة العمل الدولية لأنه لا يوجد له مثيل إلا في البحرين ولأنه ليس نقابة وإنما لجنة استشارية خائفة من ظلها وواقعة تحت قبضة الحكومة.

ونحمد الله أن الحكومة اقتنعت العام الماضي وألغت مسمى اللجنة وفسحت المجال لظهور نقابات هنا وهناك على أمل أن يكون الاتحاد اتحادا لنقابات عمال البحرين في كل القطاعات الحكومية وغير الحكومية. وكان الأمل يحدونا أن يتبع ذلك تأسيس النقابات المهنية من خلال تحويل جمعيات المحامين والأطباء والمهندسين وغيرها إلى نقابات مهنية حقيقية. وكان أملنا أيضا في قيام الاتحاد النسائي بصورة صحيحة، وكان أملنا أن يفسح المجال لقيام الاتحاد الطلابي.

الاتحاد الطلابي أصبح بعيد المنال خصوصا بعد إجراء انتخابات مجلس الطلبة في الجامعة ودمج تلك الانتخابات بالمعينين من الجامعة وخلق تركيبة لا يمكن اطلاق صفة اتحاد أو شبه اتحاد طلابي عليها حتى لو كان ذلك ليس مستقلا ولجامعة البحرين فقط.

الاتحاد النسائي لم يستكمل تأسيسه بسبب قانون وزارة العمل المقيد له ورفض الحركة النسائية الأسس التي شرعتها وزارة العمل. النقابات المهنية للأطباء والمحامين والمهندسين وغيرهم من الحرفيين أصبحت بعيدة المنال والاقتراحات الحكومية لا تفي بالمتطلبات الأساسية لإقامة نقابات مهنية، وهو ما حدا برئيس جمعية المحامين دعوة الحكومة إلى «عدم اللغو» كثيرا في هذا المجال.

ثم جاءت المشكلة مع إقامة نقابات في القطاع الحكومي عندما منع ديوان الخدمة المدنية ذلك معتبرا أن القانون لا يسمح بإنشائها. والاتحاد العمالي يعاني هو ذاته من نقص الصلاحيات إذ مازال القانون (حتى لو سمح للقطاع الحكومي بالعمل النقابي) قاصرا عن متطلبات منظمة العمل الدولية والضوابط النقابية الدولية فيما يخص حق التفاوض الجماعي وتمثيل مصالح العمال بصورة فاعلة وليست شكلية.

والمستغرب أن ديوان الخدمة المدنية يخشى قيام نقابات ليس لها أسنان (كما هو حالنا) وهذا يثير التساؤل عن سبب الخوف من ذلك وفيما إذا كان الديوان قد تنبأ بالسوء من ظهور اسم النقابة في القطاع الحكومي. ديوان الخدمة مسئول عن كل العاملين في وزارات الدولة ما عدا الداخلية والدفاع، وهو وزارة العمل الأخرى في البلاد. فلدينا في البحرين وزارات متعددة ومتضاربة وجميعها تبحث عن أدوار، وهذه الأدوار قد تكون عديمة الفائدة، كما هو الحال في إصدار القرارات المتناقضة. ولو كان ديوان الخدمة المدنية يتبع وزارة العمل لتخلصنا من هذه المشكلة الشكلية على الأقل، ولكنا قد خصصنا جهدنا لجوهر المشكلة المتعلق بالعمل النقابي الحقيقي.

وهكذا تحولت القضية من المطالبة بالسماح بعمل نقابي حسب الضوابط الدولية إلى المطالبة بالسماح للقطاع الحكومي بالحصول على العمل النقابي المتوافر على رغم نقائصه. وتضطر على اثر ذلك قيادات الاتحاد العام لعمال البحرين والنقابات العمالية في البلاد إلى الاجتماع الأسبوع الماضي في اجتماع طارئ لمناقشة ما حدث للنقابي عبدالله صالح عبدالله لاتخاذ قرار مساندة ضد الإجراء الحكومي القاضي بتوقيفه عن العمل من دون أجر. ولكن مشكلة الاتحاد انعدام الوسائل التي من خلالها يستطيع الوصول إلى مصادر القرار. فوزارة العمل ستقول إنها لا دخل لها بالأمر، ووزارة الأشغال ستقول إنها اتبعت قرار ديوان الخدمة المدنية، والديوان سيقول لهم اذهبوا إلى المحكمة الدستورية أو البرلمان، والمحكمة الدستورية ليست مشكّلة وربما انه لا يمكنها النظر في أي شيء من هذا القبيل حتى لو تشكلت، والبرلمان ذهب إلى عطلته وعندما يعود في دورة الانعقاد المقبلة ستكون أمامه عشرات وربما مئات المشكلات التي لم يستطع (ولا يبدو أنه يستطيع) أن يحدد أولويات تجاهها. وهكذا ندخل في دوامة لا نهاية لها.

هذه الدوامة يمكن وضع حد لها بالرجوع إلى الحق الدستوري والدولي واعتماده وتذليل الصعاب جميعها من دون لف أو دوران، فالمثل البحريني يقول «من أراد الصلاة فلن تفوته»، بمعنى أن الذي يريد شيئا يذلل كل العقبات لتحقيقه. ولكن يبدو أن الإرادة غير موجودة لدى أطراف مختلفة لتحقيق مطالب اصلاحية رفعها شعب البحرين منذ العام 1938 وناضل كثيرا من أجلها وخرج في انتفاضات كان آخرها في التسعينات.

اننا نعتقد بان الذين يقاومون قيام النقابات والاتحادات يخالفون الوعود الاصلاحية والضوابط الدولية وهم يؤخرون حركة الاصلاح عبر عراقيل لا فائدة منها على الاطلاق

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 268 - السبت 31 مايو 2003م الموافق 29 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً