كثر الحديث عن أبراج الاتصالات والكل يطلع علينا بتصريح وخصوصا من بعض أعضاء المجالس البلدية، والبلديات، وهيئات الاتصال.
ويبلغ عدد الأبراج الخاصة بالاتصالات نحو 360 برجا موزع على مناطق البحرين فمنها من نصب على أسطح المنازل، ومنها ما شيدت على الأرض بعضها داخل المنازل وأخرى خارجها ومنها أملاك خاصة ومنها أملاك حكومية تابعة للبلديات في مختلف محافظات المملكة. أكثر من 85 في المئة نصبت أو شيدت في مناطق سكنية بالقرب من مدارس وأسواق وداخل مستشفيات وبالقرب من بيوت كبار رجال البحرين لسنين ولم تثر أية زوبعة لذلك فما حدث الآن؟
وعند دخول سوق البحرين أكثر من شركة فلابد من إنشاء شبكات خاصة بها والشركات الأخرى أرادت تقوية شبكاتها مع قدوم تقنيات متطورة، وهنا أسأل: أين كان بعض أعضاء المجالس البلدية قبل ثلاثة أشهر فقط، وهم سكنوا طوال هذه السنين وكأنهم لم يشاهدوا هذا الأبراج؟ ولماذا أجازت البلديات هذه الإبراج سابقا إن كانت تشكل خطرا وبعض أراضي البلديات المؤجرة على هذه الشركات داخل مناطق سكنية.
أحد أعضاء المجالس البلدية اقترح أن تنقل الأبراج خارج المناطق السكنية ويستثني محافظة المحرق لعدم وجود الأراضي فيها. أقول إلى عضو البلدية مادامت هذه الأبراج تشكل خطرا لماذا قبلت أن تنصّب في المحرق.
وعضو آخر يريد أن ينقلها داخل الحدائق نسأل: فمن هم مرتادوا هذه الحدائق؟ وإذا كانت تنشر الأمراض فلماذا قبلوا بذلك؟
في منطقة عالي بوري ومدينة حمد والرفاع الغربي والجزء الجنوبي للرفاع الشرقي يوجد أكثر من 50 برجا، والمنطقة الشمالية للرفاع الشرقي والمنطقة الوسط تقريبا 50 برجا، وكلها مرخصة ومنصوبة على أسطح المنازل وداخلها في مناطق سكنية وبالقرب من المدارس وداخل المستشفيات، ومعظمها أملاك خاصة أو تابعة للبلديات.
ونسأل البلديات الخمس: هل الشركات لم تتقدم بطلبات الترخيص أو الشركات تقدمت بطلب الترخيص، وهي ملتزمة ببرنامج محدد وموقعة على عقود مع مقاولين من داخل وخارج المملكة وشركات عالمية منفذة للمشروع.
إن منظمة الصحة العالمية ذكرت في تقريرها بخصوص الأبراج أنه لا يوجد أي ضرر من هذه الأبراج، وهناك ترددات مسموحة عالميا، كما مدير هيئة الاتصال صرح بأن التردد في البحرين أقل بعشرة آلاف مرة من المسموح به، يعني سلامة هذه الأبراج. وتنصح المنظمة بأن تقوم المجالس المحلية، تعني البلدية والهيئات الحكومية وشركات الاتصالات المعنية، بحملة توعية وتوزيع الكتيبات المعدة على الناس وإزالت الخوف من تأثير الأبراج على صحتهم قبل الشروع في التركيب.
وبصفتي من المحافظة الوسطى لم أسمع أو اقرأ عن موقع وزارة الاعلام والتي يحيطها من الشمال والجنوب مناطق سكنية ومن الغرب كليات ومدارس خاصة، ومن الشرق خدمات التي تبث موجات كهرومغناطيسية صورية ذات ترددات عالية، وكم برج وكم الهائل من الصحون المستقبلة للأقمار الصناعية أي ضرر.
وهناك آلاف الكيلو مترات من الكيابل المدفعونة تحت الأرض والناقلة للكهرباء ويصدر منه ترددات ونحن في مجالها تقريبا على مدار الساعة، ولم نجد أي تغيير أو أضرار نتجت عنه.
في الختام... أشكر رئيس المجلس البلدي الاستاذ عبدالرحمن الحسن وهو أخ عزيز على ما يقوم به من خدمات جبارة لخدمة الناس قبل دخوله إلى المجلس البلدي على الأعمال التي يقوم بها.
أتمنى أن يكون تحرك بعض الأعضاء من المجالس البلدية من باب الاطمئنان والتأكد من سلامة هذه الأبراج وليس من باب قرب الانتخابات.
أحمد يوسف
هكذا تخلو حياتي
في الليالي الهانية
عذبها صار فرات
في مياه جارية
في بساتين تباهت
بجمال هاهية
وتغاريد مساء
في طيور شاذية
وزهور زاكيات
نفحات باقية
ومصابيح ضياء
كنجوم باهية
تعرس الأشواق غرسا
وبذكر تالية
بليالي النور تبقى
في أصول نامية
أصلها كل وئام
للشرور ناهية
ليلة الجمعة هذي
للأنام هادية
في صراط مستقيم
للضلال نافية
بدعاء وابتهال
بالنجاة آتية
بنجاة من عذاب
وستبقى كافية
عبدالله جمعة
استيقظت من نومها مذعورة... على أنغام الألم الصاخبة...
كان منظرها مؤلم كأنها برعم متفتح أهلكه المطر...
وصرخاتها كفيلة بأن تخر الجبال...
كيف لا وهي طفلة في السابعة ومن يراها يظنها في السبعين...
لأنها لا تقوى على القيام أو على فعل أي شيء...
آلامها كانت أقوى من أن تتحملها الجبال!
فكيف تتحملها طفلة بريئة؟
كانت تصرخ من دون وعي...
تطلب من أمها التي أنهكتها الهموم أن تمسح بيدها الحنونة مكان الألم...
علها تتشافى وتخف آلامها...
لكن لم يكن هناك شيء قادر على تخفيف آلام تلك الطفلة...
لم تكن آلام الأم أخف من آلام طفلتها فهي التي لم تستطع حبس دموعها...
وكان لسانها يلهج بالدعاء إلى ابنتها لتنال الشفاء من الله...
فجأة... أتى سؤال كالصاعقة على الأم التي لم تكن تحتمل المزيد من طفلتها...
أماه, لماذا أنا مريضة؟
احتارت الأم بما تجيب طفلتها
قالت لها إن الله يمتحنك ويختبر صبرك على البلاء والمرض, فجميع الناس يمرضون ويجب أن يسألوا الله الشفاء...
لكن يا أمي أنا أمرض أكثر من الآخرين, أنا دائما مريضة!
أجابتها الأم بأن تصبر وتحتسب الأجر من الله... فالمرض نعمة من نعم الله على الإنسان... وعليه أن يشكر الله ويصبر على ما أصابه... فإن ذلك من عزم الأمور...
تلك الأم التي عجزت عن إجابة ابنتها كان قلبها يحترق ألما على مايصيب فلذة كبدها... كانت تقول لو كُنتُ أعلمُ بما سيصيب أبنائي ما تزوجت...
تلك الأم لم يكن في أيام زواجها وعي بهذا المرض... ولا فحص للأمراض الوراثية... لتعلم ما يُحتمل حُدوثه وتمنعه...
تلك الأم لم تعرف حقيقة السكلر إلا بعد أن داهم فلذات كبدها كوحشٍ مفترسٍ...
ولها العُذرُ كُلَ العُذر... إن بكت أو تألمت... أو تمنت أن تحمل تلكَ الآلام عن أبنائها...
لكن... لا عُذر لأمهات وآباء اليوم... اللواتي يعرفن بما سيصيب أبناءهن ويُصرون على إتمام الزواج... ويأبون إلا أن تُتَوج قصة حبهم بالزواج... لتُثمر دموع أطفال لا ذنبَ لهم في حماقة آبائهم...
نعم؛ لا عُذرَ لهم... يعللون لك حماقتهم بأنهم سيتحملون مسئولية الأطفال إن كانوا مصابين... وتراهم يتراجعون من أول خطوة... أعني أول طفلٍ مَصاب... فهم لا يقدرون على تحمل مسئوليته، فيلقي كل منهما اللوم على الآخر, و قد تصل بعض الحالات إلى الإنفصال، فلا يكفيهم ظلمهم لأطفالهم بهذا الزواج... يظلمونهم بالشتات أيضا... فيبقى ذلك الطفل يعاني آلام المرض وآلام الشتات بين أمه وأبيه...
رسالة اتخذناها شعارا في إحدى المحاضرات, ألا وهي, «سعادتكم لن تكتمل بدموع طفلٍ يتألم»...
نعم لن تكتمل سعادتكم وأنتم تنظرون إلى طفل قتلت آلامه براءته... وافترسه وحش السكلر.
أتساءل دائما: كيف سيردُ هؤلاء على أبنائهم حينما يوجهون لهم السؤال ذاته: أمــاه... أبي... لماذا أنا مريض؟
هل ستكون لديهم الجرأة ليقولوا لهم وليعترفوا بأنهم السبب في ذلك؟ حتما سيرمون بالأسباب على كف القدر!
عضو جمعية البحرين لرعاية مرضى السكلر
إيمان سبت
أقبل العيد علينا ورحل، وشعت أنواره الساطعة مبشرا بالخير واليمن والبركات للذين كانوا خير أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، للذين دأبوا في صيامهم وأنابوا إلى الله سبحانه وتعالى في قيامهم وتهجدهم.
جاء ذلك العيد بإيحاء وإذن وهدية من رب العزة والجلال لهذه الأمة المسلمة وأمرنا أيضا أن نتخذ ذلك العيد حبا وودا ووئاما وتزاورا وانفتاح القلب للقلب ونبذ الخلافات والتشاحن والضغائن المقيتة، واندماج المجتمع المسلم بعضه بعضا في هذا اليوم المجيد.
وفي مجتمعنا المسالم هذا لا يخلو من أشخاص مَنّ الله عليهم بالسعة المالية والجاه والاقتدار والقوام المعيشي، حبذا لو يلتفتوا ويتحسسوا حال الفقير المعدم الذي لا يجد قوت يومه ومن الذين يعانون من العالة والحاجة وذوي العوائل الكبيرة، أن يكونوا سندا وجدارا حصينا لهم ولعوائلهم في ليلة العيد المباركة، أو في الليالي والأيام ما بعد العيد قبل أن يمد يده ويسأل حاجته على خجل واستحياء وألم.
هذه سمة طبعها الله وأنزلها على من أعطاهم الأمانة المالية وعززها ليؤدوها لمستحقيها وأصحاب الحاجة.
يوجد في مجتمعنا المسلم الكثير ممن يتستر على فقره وعازته والظروف المأساوية القاسية التي تعتريه، ولا يبدي ذلك لأحد أبدا حتى لأقرب المقربين له ويرضى بالذي كتبه الله له من دون مناشدة أو إلحاح للناس، وباب الخير مفتوح مابقي الإنسان على وجه هذه البسيطة ولكن يتوجب على الإنسان الاندفاع والسعي لفتحه والاتجار به مع الغني الكريم، كالمرحوم الحاج أحمد عباس الذي خسره مجتمعنا كان لا يهدأ له بال ولا تغمض له عين قبل إيصال المعونة لأصحابها في ظلم الليالي وأحلك الظروف وقساوة الأيام قبل حلول العيد السعيد علينا، تراه يجوب الشوارع بسيارته في الظُلم ويقطع الزقاق والطرقات في ساعة متأخرة من الليل ويتوارى عن أعين الناس ولا يحبذ أبدا أن يراه أحد في توصيل هذه الأمانة الإلهية.
ومن جهة ثانية نذكر المرحومة مريم السعد التي حملت على عاتقها أداء الأمانة وتوصيلها للقاصي والداني برغم ضعفها وتفشي المرض في صحتها، إلا أنها كانت تثابر وتتحسس المحتاج في مثل هذه الأيام وتشرف على العطاء بنفسها.
كم هو بحاجة مجتمعنا لمثل هاتين الشخصيتين ليتلاشى ويضمحل الفقر والعالة، رحمهما الله جميعا وأسكنهما الفسيح من جناته ونعيمها الخالد مع محمد (ص) وآله وصحبه المنتجبين.
مصطفى الخوخي
هذا مقطع من حديث الحبيب رسول الله (ص) الذي نصه كالآتي: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقالوا: عرفنا كيف ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما، فقال (ص): ردوه إلى طريق الحق».
لماذا لا يتم تطبيق هذا الحديث بين الأوساط الإسلامية والعربية وعلى مختلف الأصعدة سواء داخل البيت أو المجتمع الصغير وهو العائلة أو المجتمع الكبير أو على مستوى الدول والعلاقات التي تربطها؟
نحن اليوم نعاني من عداوات بين الأفراد سببها عدم تطبيق هذا الحديث جيدا وذلك عندما ينصب البعض نفسه حكما وقاضيا للفصل بين طرفين بينهم قضية واضحة وضوح الشمس، إذ تراه يدور ويلف ويحور المحاور وذلك لأنه لا يريد الهزيمة النفسية لأحد الأطراف المتنازعة التي لجأت إليه لإصدار حكم وذلك لان احد أطراف القضية له علاقة نسبيه أو حزبية أو صديق له، مع العلم أن هؤلاء الأفراد عندما حكموا وفصلوا في قضية سابقة كان احد أطرافها صديق لهم كشروا عن أنيابهم لأن الحق كان لصاحبهم ولكن عندما انعكست الآية تراهم يضعون التبريرات الواهية لان صاحبهم هو المعتدى والمخطئ والعجيب انك تسمع من هؤلاء أحكاما تضحك.
لهؤلاء نقول تذكروا حديث الرسول (ص) السابق جيد وهو أن الحق سواء كان على صاحبك أو مع صاحبك فأنت في كل الأحوال نصرته على نفسه الأمارة بالسوء، وبالتالي كسبت فضيلة الصدق مع نفسك أولا ومع المجتمع ثانيا.
مجدي النشيط
هو حفيد تلك الأسرة الكريمة التي عاشت في منطقة الخارجية بسترة، وعرفت بأبرز علمائها... المحدث الشيخ عبدالله الستري، صاحب كتاب «الكنز».
ولد الشيخ علي بن عبدالله الستري في الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام من سنة 1936 في قرية الخارجية. عاش مع أبيه عشر سنوات. وكان أبوه يعمل بالزراعة في بعض البساتين المحيطة بعين الرحى. وكانت أسرته تعيش في حالة من الفقر. وكان أبوه يعيل بعض أرحامه، ومنهم سماحة المرحوم الشيخ منصور الستري.
لقد ترك هذا الفقر بصماته على حياة شيخنا الجليل، فلم يستطع الالتحاق بالمدرسة لضيق ذات اليد، ولذلك اقتصر في تعلمه على القرآن والمنتخب. أما تعلمه للقراءة فكان على بعض أقرانه الذين كانوا يتعلمون في المدرسة صباحا، وكان يجلس معهم عصرا ليتعلم منهم القراءة ومبادئ الحساب.
تعلم الشيخ القرآن على يد ابن عمه الحاج يوسف بن عباس، وكان منذ صباه مولعا بالقراءة الحسينية، فقد كان حينها يحضر في مآتم الخارجية وواديان ويقرأ الفخري وقصائده، كما عمد إلى حفظ القصائد وإلقائها.
بعد رحيل والده ازدادت حياة الشيخ شظفا، فذاق مرارة اليتم من جهة، ومن جهة أخرى حمله على العمل مبكرا من أجل أن يؤمن لقمة العيش له ولأسرته، فعمل في صناعة المديد، وكانت حينها صناعة رائجة في قريته. خلال هذه الفترة كان يكثر من قراءة ما يقع في يده من كتب، ويستنسخ له ما يمكن نسخه من كراريس.
خلال مرحلة الشباب بدأ يرتقي أعواد المنابر يقرأ القصائد الحسينية، كما كان يقضي ليله بدراسة المقدمات على يد المرحوم الشيخ منصور الستري، ولازم الشيخ فترة من الزمان بمعية مجموعة من أقرانه منهم سماحة الشيخ عبدالحسين الستري والسيدحسن السيدماجد ومجموعة من المؤمنين، درس الأجرومية والمعتمد.
في شهر ربيع الأول من سنة 1383هـ سافر إلى النجف الأشرف - دار العلم والفضيلة، بمعية الشيخ عبدالشيخ عبدالحسين الستري، والتحقا بحوزاتها، وتحملا المشاق في سبيل ذلك. ويذكر الشيخ علي أن أول رحلة إلى العراق ذهبوا فيها، شقوا عباب البحر أياما وليالي حتى وصلوا إلى البصرة، وأقاموا فيها أياما، ثم غادروها إلى النجف الأشرف، ولم يكن يحمل معه في تلك الرحلة سوى دنانير معدودة، أمده بها أحد المؤمنين ليستعين بها في حياته.
أقام الشيخ علي في النجف الأشرف 17 سنة، بدأها بدراسة المقدمات في جامع الهندي ومسجد الشيخ الطوسي على يد مجموعة من العلماء منهم: الشيخ عبدالله أبومرة (من الإحساء) والشيخ محسن الغراوي والسيدمسلم الحلي، كما درس على يد السيدعلي الناصر (إمام جامع العنود بالدمام)، ودرس اللمعة على يد الشيخ بشير النجفي والسيدحسين بحر العلوم، ودرس المكاسب على يد السيدمحيي الدين الغريفي والسيد يوسف الحلو... وغيرهم من أعلام النجف آنذاك.
وحينما أكمل دراسة السطوح حضر أبحاث السيد الخوئي والسيد الصدر والشيخ محمد تقي الجواهري والسيدعبدالله الشيرازي رحمهم الله. كانت الدراسة في النجف الأشرف آنذاك قد بلغت أوجها في العطاء والازدهار، ولذلك كان طلبة العلوم الدينية يواصلون دراستهم بلا انقطاع سنة تلو سنة، حتى كانوا لا يرجعون إلى أوطانهم إلا نزرا يسيرا من الأيام.
بعد شهادة السيدمحمدباقر الصدر على يد طاغية العراق سنة 1980، اشتدت الأزمات في هذا البلد، وكثرت الاضطرابات، فصارت الحياة في النجف لا تطاق، وخاصة بعد العدوان الذي شنه على الجمهورية الإسلامية، مما اضطر سماحته وكثير من طلاب العلوم الدينية إلى العودة إلى البحرين، وحينها قام سماحته بأداء الوظائف الشرعية، فكان يقيم صلاة الجماعة في عدة مناطق بالبحرين، كما كان يقوم بتدريس العلوم الشرعية لمبتغيها، وفي هذه السنة نفسها استدعاه سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم للتدريس في جمعية التوعية الإسلامية، التي كانت في تلك الفترة رائدة التعليم الديني في البحرين، فكان سماحته مدرسا للفقه والبلاغة وغيرهما من العلوم، واستمر في التعليم حتى أغلقت الجمعية سنة 1984م، وكثير من النخب المؤمنة في البحرين اليوم كانت حينها قد تعلمت في تلك الرحاب الطاهرة، ويحتفظ الكثير منهم بذكريات مع الشيخ ودروسه.
كما فتح الشيخ علي منزله لطلاب العلوم الشرعية، وكثير من المؤمنين في منطقة سترة قد تعلموا على يديه، إذ كان سماحته شديد الإخلاص لدينه، معروفا بتواضعه وزهده وإقباله على المؤمنين. ولشدة حرصه على تعليم المؤمنين وتفقيههم، كان لا يزاحم نفسه بشيء يشغله عن الحضور وملازمة الدرس، فكان لا يشغل نفسه حتى بالخطابة في أيام التدريس، بل يفرغ نفسه لطلابه.
عرف عن الشيخ علي بن عبدالله تضلعه في مسائل الحج، فلقد أكسبته دراسته وخبرته الطويلة لعقود الكثير من الدقائق واللطائف التي ظل الكثير من المرشدين الذين يرجعون إليه لمعرفة الكثير من القضايا فيها. ويذكر الشيخ علي أن أول رحلة له للحج كانت سنة 1964م برفقة السيدجواد الوداعي، فقد كان يساعده في تطويف الحجيج وتعليمهم الأحكام الشرعية. ويتحدث سماحته عن هذه الفترة بأن السيدجواد أكسبه وعلمه الحرص الدؤوب على تعليم الحجاج ورعاية أمورهم بأدق التفاصيل، حتى أنهم في حال التطويف يأخذون مجموعة صغيرة لا تزيد على خمسة، فإذا فرغ منهم قام بتطويف مجموعة أخرى، وكان هذا الأمر يستغرق منهم وقتا طويلا، فكانوا يلتزمون بهذا الأمر حرصا منهم على أداء المناسك على أحسن وجه، مع أن الحج في تلك السنوات لم يكن يشهد الأعداد الكبيرة التي يشهدها اليوم، وظل سماحة الشيخ علي ملازما للسيدالوداعي أربع سنوات.
بعد هذه الصحبة في الحج التحق سماحة الشيخ بحملة السيدعباس الستري، ثم بحملة السيدحميدان، فلازم أداء فريضة الحج 35 سنة بلا انقطاع، تبوأ فيها سماحته زعامة الإرشاد الديني في حملات البحرين، ولم يكن موئلا للحجاج والمعتمرين فحسب، بل كان يرجع إليه المرشدون والمطوفون الذين يستنيرون بآرائه، فكان يوقفهم على الكثير من القضايا المتصلة بهذه الفريضة وأحكامها وتاريخها.
أما فيما يتصل بممارسته للخطابة، التي كان مولعا بها منذ صباه، فكان حب الحسين (ع) قد استقر في قلبه، فكان يترنم بمراثيه ليل نهار، وقد شجعه في السير على هذا النهج الشيخ منصور الستري الذي كان يأخذه معه في مآتم سترة والنويدرات والمعامير والمحرق والمنامة، ليقرأ معه المقدمة، وبدأ بالاستقلال بالقراءة الحسينية وهو في العشرين من عمره، ويذكر سماحته أن السيدجواد الوداعي في السنة نفسها التي حج معه فيها أمره أن يأتي للمنامة ليقرأ شهر محرم، فكان أول مجلس قرأه في مأتم الحورة الحدادة بإيعاز من سماحته، حتى شق طريقه في خدمة الحسين (ع)، وكان سماحته يتميز بصوت جياش ونبرة حزينة في الأداء، يجهش سامعيه بالبكاء، ويستدر الدموع من مآقيهم.
في ليالي شهر رمضان كان سماحته يولي المنبر الفقهي اهتمامه، فلقد كان يرى أن الناس في هذا الشهر في أمس الحاجة إلى تعلم مسائل دينهم، إذ لا يتاح لهم ذلك في سائر أيام السنة أو سائر المواقيت، ولذلك كان سماحته من أوائل من شق هذا النوع من الطرح في البحرين، ولاسيما في الشهر الفضيل، ولذلك اكتسبت شهرته الخطابية سمعة طيبة في مختلف مناطق البحرين.
زهده وتقواه
عاش الشيخ علي بن عبدالله حياة ملؤها الزهد، ولم يكن زهده فيها لقصر يده في النيل من زخارف الدنيا وزينتها، فلقد كانت الدنيا تقبل عليه، فينأى بنفسه عنها، ويفضل حياة التقشف على الاستعلاء، وظل هكذا يعيش حياته، وقد عرضت عليه مرارا عديدة أن يتولى وظائف في الدولة، فتأنف نفسه عن ذلك، وحتى في السنوات الأخيرة من حياته ظل هذا الإلحاح عليه، ولكن نفسه الشريفة تأبى الدخول في هذه الأمور، وتؤثر حياة الزهد على الغنى.
إن حياة هذا العالم الجليل مليئة بالدروس والعبر التي تسطر لنا سيرة هذه الشخصيات الكبيرة من مدرسة أهل البيت (ع).
السيدأحمد الستري
العدد 2590 - الخميس 08 أكتوبر 2009م الموافق 19 شوال 1430هـ