لن تصدق أنك تستطيع أن تزور قرية «العبد الصالح» في دقائق معدودة، لكن المقام سيطول بك وأنت محاط بكرم أهلها ومجالسهم الكريمة... فقد تمتد تلك الجولة القصيرة السريعة الى ساعات... لا يهم إن كنت غريبا أو قريبا... بحرينيا أم مقيما... سائحا أم تائها... فهذه القرية الصغيرة التي يقارب تعداد سكانها 400 نسمة، لا تختلف عن سائر سمات القرى البحرينية العريقة... سمات الكرم والوفادة والسرور بمجيء الضيف.
يقال، وفقا لروايات متعددة، إن منشأ هذه القرية يعود الى واحد من رجال العلم والدين، وهو الشيخ عيسى بن إبراهيم، وضريحه لا يزال قائما بالقرب من المسجد المسمى باسمه الواقع على شارع النخيل.
بين الأزقة الضيقة التي تميز القرية وتلاحم منازلها، كان الطفل الصغير «علي» يسير متجها لشراء الخبز... لم ينسَ أن يسرّح شعره الناعم بطريقة جميلة. سار وهو يبتسم، وعندما سألته: «من أين أنت؟» قال: «من هنيه.. من الحلة».
الكثير من الناس يعرفون القرية اختصارا باسم «الحلة». وهناك تسميتان شهيرتان في العالم العربي، مدينة الحلة في العراق، وقرية «حلة محيش» وهي إحدى قرى محافظة القطيف بالمملكة العربية السعودية.
لم يمنع صغر حجم القرية وصغر تعداد سكانها، شبكة الحلة الثقافية من أن تخصص بابا مناسبا لتدوين تأريخ موجز للقرية، فالقرية التي تعد ثاني أصغر قرية في البحرين بعد قرية قلعة البحرين، تقع على شارع النخيل ضمن الدائرة الثانية من المحافظة الشمالية... شمال قرية المقشع وشرق قرية كرانة وجنوب قرية قلعة البحرين وجنوب غرب قرية كرباباد.
ويزيّن مدخل القرية الرئيسي نصب «النخلة»، والذي يعد من النصب التذكارية الكبيرة والمميزة على مستوى العالم، وقامت جمعية الإسكافي لتزيين البحرين بإنشائه بمناسبة زيارة جلالة العاهل لقلعة البحرين في مطلع العام 2005 ضمن احتفالات المملكة باليوبيل الذهبي على اكتشاف حضارة دلمون.
مساحة القرية محدودة أيضا، فهي تقدر بنحو 2 كم مربع، ويقارب عدد البيوت فيها 50 بيتا ولاتزال المساحة العظمى من القرية غير مسكونة، وفي انتظار مشروع إسكاني يشمل بناء 63 وحدة ضمن مشروع مشترك مع أهالي قرية القلعة.
كانت القرية في الماضي، كما هي حال القرى المجاورة، تحيطها البساتين والخضرة من كل مكان، وتنتشر بها العديد من الأنهار الصغيرة (السيبان)، التي كان العديد منها ينبع من قرية المقشع في اتجاه الشمال مرورا بالقرية، بالإضافة الى وجود عدد من عيون الماء في الماضي.
لصغر مساحة القرية، فإن مطالب الأهالي محدودة، لكن المشروع الأكبر الذي يعد أهم مشروع حيوي ينتظره الأهالي هو المشروع الإسكاني، ولهذا يقول ابن القرية عبدالله جاسم عبدالله الذي استضافنا في مكتبه العقاري إن من أبرز احتياجات القرية، بالإضافة الى المشروع الأول وهو المشروع الإسكاني... تطوير شبكة الطرق الصغيرة الداخلية، وكم نتمنى أن يتم تشجير شارع النخيل المار بالقرية ليصبح اسما على مسمى وخصوصا أن هناك مساحة على جانبي الشارع تستوعب زرع أشجار نخيل تحفظ للقرية أصالتها.
وبالنسبة إلى احتياجات القرية، فإن الأهالي اجتمعوا بمحافظ الشمالية جعفر بن رجب لمتابعة المشاريع الخدمية التي تنفذ على مستوى المحافظة ومنها ما هو مرتبط بالخدمات الإسكانية كمشروع المدينة الشمالية وبرامج إنشاء الوحدات السكنية عبر برنامج امتدادات القرى أو المشاريع الحضرية كالمتنزهات والمرافئ البحرية للصيادين وتحسين الطرقات وشبكات المجاري والإنارة، بالإضافة الى مشروع القلعة والحلة الإسكاني، وإن هناك متابعة مع الجهات المعنية للإسراع في تنفيذ المشروع وإشراك الأهالي في بحث المتطلبات والاحتياجات الرئيسية، والتواصل معهم ومع المسئولين في مختلف الأجهزة الحكومية في شأن الخدمات.
ويشير عبدالله مرة أخرى الى أن تسمية القرية كما سمعنا من روايات الآباء والأجداد تعود الى أحد علماء الدين القدامى، وهو رجل عالم من أهل القرآن، واشتهر بالصلاح والورع، وهو الشيخ عيسى بن إبراهيم، وضريحه موجود في مقبرة القرية، وهو يختلف عن قبر الشيخ ناصر بن عبدالله الموجود في أرض مفتوحة قريبة من ملعب كرة القدم والذي تم اكتشافه في فترة الثمانينيات من القرن الماضي ولا يزال ينتظر التشييد.
ويتذكر «عبدالله» أن «الحلة» كانت تمتاز في الماضي بأنها منطقة زراعية وبها عيون ماء تشترك في بعضها مع قرية «المقشع»... ويشير الى أنه في فترة الستينيات كان الطلبة يذهبون الى مدارس قرية جدحفص مشيا على الأقدام، أما اليوم، فهناك حافلات تنقل الطلبة الى مدارسهم ومنها مدرسة الرازي الابتدائية الإعدادية للبنين، والبنات في مدرسة كرانة، أما المرحلة الثانوية فالطلبة يتوزعون على المسارات في مختلف المدارس الثانوية.
هذا ضريح «الشيخ ناصر»
في كتابه (بعض فقهاء البحرين في الحاضر والماضي)، وفي الصفحة 194 من الجزء الثاني، يقول المؤرخ الشيخ محمد علي العصفور واصفا قرية حلة العبدالصالح: «هذه المنطقة مليئة بالمساجد التي أضحت أضرحة أثرية، تنبئ عن علماء البلاد الذين لهم الشهرة الوافية والمكانة الراقية في نفوس المؤمنين... تجدها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها جنينة رائعة، وتمشي قليلا، فتجد ساحة فيها شبه كوخ فتطل على ما في ذلك الكوخ فتجد ضريحا مبرقعا بألوان الزينة والورود والريحان، فتقف متسائلا (من صاحب الضريح؟)، فتجد الناس تشرّق وتغرّب في معرفة الرجل، واختصارا يقولون (هذا ضريح الشيخ ناصر)... لا غير.
ويمضي المؤرخ العصفور فيقول: «ذلك ضريح الشيخ ناصر بن الشيخ عبدالله آل ربيع (قدس سره)... هو صاحب بستان الزمبيان والكليعي، والأملاك الكثيرة التي جعلها وقفا لنفع المؤمنين، وله أملاك في الماحوز، وفي بوري له دولاب (مزرعة) تركه لأسرة من الأسر تنتفع بثمره وتقرأ القرآن في ثوابه عوض الثمرة، وهذا الشيخ كان من مشايخ القرن العاشر لم نقف له على ترجمة لأنه لم يكن له ظهور علمي من تصنيف أو تدريس، وقد حباه الله وأعطاه من خيرات الدنيا، وقفها كلها مقدما لنفسه زادا للآخرة.
وتنظر إلى جهة الشمال فترى البساتين والآثار والمساجد، وإذا سألت أجابوك: «هذه أملاك السيد علوي السيد جواد المتوفى منذ خمسة وثمانين عاما، وهو جد السادة الموجودين في المنامة (أسرة العلوي)... السيد موسى والسيد كاظم أبناء جعفر... هؤلاء السادة يمثلون جدهم المذكور في الأخلاق والكرم، وإذا جئت لتتساءل: «من هو السيد علوي السيد جواد؟»، يقال لك إنه كان تاجرا في اللؤلؤ ملاكا كبيرا، ذا ثروة وعفة ويد بيضاء... يحكى عنه أنه ذهب إليه فقير وهو منشغل الفكر فعبس في وجهه، وكان الحاج يوسف المخَرق والد الحاج محسن المخرق جالسا، فقال له: «إن شاء عزلك!»... فانتبه السيد من غفلته وأرسل إلى الفقير بالفور فأحضره وأكرمه، معنى كلام المخرق أن الأغنياء وكلاء الله وأمناؤه على الثروة، فيجب أن لا يغتر صاحب الثروة، وهناك كلمة مشهورة عن أمير المؤمنين (ع) أنه إذا جاءه المحتاج يقول (ع): «أهلا بمن جاء ليخفف عني حملي»، ويقابل الفقير بالأخلاق الطيبة.
ويواصل المؤرخ وصفه فيقول: «وإذا رمقت ما حول البساتين من المساجد يقال: «هذا مسجد الشيخ درويش، وذاك مسجد الشيخ حسن، وذاك مسجد الفتوات» فتقف متحيرا! وأنت في أمسّ الحاجة لمقابلة الطاعنين في السن لينبئوك عن قداسة البحرين وقداسة من كان على أرضها قبلنا، ولهذا جاءها أهل العلم وصارت منارا للعالم، وبلاد الإيمان، وروضة من رياض الجنة.
تزخر القرى البحرينية بالكثير من الحرف القديمة والتي لا تزال تتحدى الزوال، ومن نافلة القول أن الدولة ممثلة في وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الثقافة والإعلام، أولت اهتماما بالحفاظ على تراث القرية، وتم تنفيذ العديد من المشروعات المهمة في هذا الصدد لعل أولها (مركز الحرف) الذي يهدف الى إيجاد وسائل تساعد على تنفيذ مشاريع توفر مجالات عمل جديدة للحرفيين، وبدأت وزارة التنمية الاجتماعية بتنفيذ مشروع الصناعات الحرفية الحديثة منذ العام 1990، وبالتعاون مع الجمعيات والأندية المحلية نفذ المركز مشروعين، الأول هو مشروع صناعة الورق من سعف النخيل، وأشرفت عليه جمعية رعاية الطفل والأمومة، ويقوم على الاستفادة من سعف النخيل وتحويله بعد معالجته إلى ورق يستخدم في الرسم وبطاقات المناسبات والشهادات وغيرها، ويتم صرف مخصصات العاملات في المشروع بعد بيع المنتوج، أما المشروع الثاني فهو مشروع غزل ونسج الصوف، الذي أشرف عليه النادي العربي بقرية الدراز منذ العام 1990، وتعمل به مجموعة من الفتيات، وهن يقمن بفرز الصوف وتنظيفه وغسله وتنشيفه وتمشيطه وتحويله إلى خيوط لنسج سجاد من الصوف ومعلقات جدارية بأحجام وتصاميم مختلفة وبألوان طبيعية ومصبوغة، ويتم تسويق المنتج وتوزيع المردود على العاملات في المشغل. كما يوجد في مركز الحرف خمس ورش منها: الصناعات الخشبية، مشروع الزجاج المعشق، الجبس، الفخار، الحديد والخط العربي.
أما بالنسبة إلى مركز الجسرة للحرفيين، فقد تم إنشاؤه من أجل المحافظة على الحرف التقليدية، وتم توظيف بعض البحرينيين والبحرينيات لممارسة بعض الحرف كالفخار ومنتجات الخوص والنسيج والسدو والعرشان والصناعات الخشبية وتديره شركة المشاريع السياحية، ويتسلم هؤلاء الحرفيون مكافآت شهرية إضافة إلى تسويق منتجاتهم.
بهذا الشكل، نشاط الأسر المنتجة تعزز وأضحى أكثر تنظيما في مراكز التنمية الاجتماعية بفضل مشروع وزارة العمل والشئون الاجتماعية (سابقا في العام 1978)، فالمشروع يدعم الأسر محدودة الدخل لتحسين مواردها الذاتية وتحويلها من أسر معالة إلى أسر منتجة تسهم في تحسين دخلها، وتطوير الحرف والصناعات المنزلية والمصنعات التقليدية والتراثية مع المنتجات الأخرى المماثلة في السوق المحلية والخليجية. ومنح المشروع الفرصة للعديد من الأسر للتدرب على صناعات منزلية متعددة، وفرص الحصول على الخامات والمعدات اللازمة للإنتاج، وتسهيل حصول بعض الأسر على مواقع في المجمعات التجارية الكبيرة لتسويق منتجاتها، وكذلك المشاركة في المعارض والأنشطة الاحتفالية.
يستخدم الكثير من أهالي مختلف القرى البحرينية، مفردات ربما تكون خاصة بقرية أو بمجموعة من القرى، وعلى الرغم من أن الكثير من المفردات القروية اللسانية لم تعد مستخدمة، لكن هناك مجموعة من التراكيب والمفردات اللغوية لا تزال شائعة:
* هَلْنَمُونَة: بهذا الشكل أو بهذه الكيفية.
* شِنْقايِلْ: وهي تساؤل معناه: «ماذا تقول، أو ماذا تعني؟».
* ما أعَبِّرْ: بتشديد الباء وكسرها، ومعناها: لا أستطيع... لا أقدر.
* هاللونْ: وهي قريبة في معناها من كلمة «هلنمونة»، أو... هكذا.
* بانكَهْ: أصلها فارسي ويقال هندي ومعناها المروحة.
* أدْناة الدُّونْ: على الأقل.
* أدْناة حَزَّة: مرة من المرات.
* زَتَاتْ: بسرعة.
* عَكْسْ: صورة فوتوغرافية.
* عَمْبَلُوصْ: سيارة إسعاف
* اسْبَيْتَارْ: غير مستخدمة وتعني قديما المستشفى.
* هَاوَيْشْ - دَاوَيْشْ: ما هذا؟
* نَچَفْتْ: صرفت نظر.
* مِشْكَابْ: صحن.
* بَغْدِيْ: سأذهب.
تقع شمال المقشع وجنوب القلعة وشرق كرانة، على شارع النخيل.
تتكون من مجمع واحد هو 444.
2 كيلومتر مربع.
يبلغ عدد سكانها نحو 400 نسمة.
لا توجد بالقرية أية مرافق حكومية أو منشآت، وشهدت أول نشاط سياحي في صيف العام الجاري من خلال «خيمة نخول»، وفي القرية 5 مساجد، 3 مآتم، وصندوق خيري.
العدد 2590 - الخميس 08 أكتوبر 2009م الموافق 19 شوال 1430هـ
ردا على زائر رقم 1
اللي ما يدري لا يفتي بشي ولا تروج حق الفتن الداخليه وتسبب في الاقاويل الكاذبه.... في القريه ماتم واحد فقط للرجال وماتمين للنساء لانه لايكفي ماتم واحد لصغر الماتم الاول لانه يوجد في احد المنازل ويوجد به مسجدين صلاه الاول اقدم والثاني يوجد به الضريح يعني الاول موجود اساسا وبعده صار اللس فسه الضريح وبالعكس هالقريه اذا احتاج اي شي فالكل تراه في الخدمه
القرية المنسية
القرية تحتضن الكثير من الجامعيين والمثقفين على مستوى المنطقة والذين خدموا ويخدمون الدولة بكل اخلاص ونظرا لصغر القرية وللحفاظ على هويتها اصبح المشروع الاسكاني حاجة ملحة ولانه اذا تفرق اهلها في كل بقعة في البحرين لن يكون للقرية اثر مستقبلا
هل هو تسابق من أجل إثبات الوجود؟
نشر قبل سنة عدد المساجد المسجلة للوقفين السني والشيعي، ناهيك بالمآتم، وأصبت بذهول لعدد المساجد والمآتم لإحدى الطائفتين مما يدل على إن الهدف بذاته ليس التعبد بل إثبات الوجود، ويزداد عجبي وجود 5+3 مسجد ومأتم لحوالي 400 نسمة (رجال ونساء)، مما يدل على وجود مركز ديني لكل 50 شخص،وإذا سألت عن حجم المترددين سترى العجب العجاب، أليست هذه مبالغة لفرض الوجود أو التسابق؟ أو من المفترض أن توجه الأموال لأناس لايجدون لقمة عيش أو عمل أو مصدر للدراسة الجامعية،الجواب لا بد أن يكون لدى كل واحد فينا.