ليس من الثقافة في شيء التكبر على المجتمع. ذلك على الأقل ما يلمسه المتابع لفعاليات «مهرجان بوري الثقافي» هذه الأيام. فتخيل أنك أمام نحو 200 من مبدعي مجتمعك الصغير بمختلف تخصصاتهم (الفنية والأدبية والإعلامية والمهنية وحتى الرسمية والأهلية والتجارية وغيرها...) تركوا الأنانية وراءهم واجتمعوا تحت سقف واحد ليرسموا لوحة إبداعية مشتركة تعبر عن ملامح محيطهم الصغير الثقافية والإبداعية وأبعد من ذلك إلى الغوص في تراثهم المنسي... مشهد ولا أروع.
أبرز ما يميز المهرجان هذه المرة هو حجم المواهب التي استطاع استقطابها والاستفادة من خبراتها وتنشيطها بصورة فاعلة. فالجميل أن ترى كلا يعمل بروح تنافسية في مجاله، من أجل أن يخرج المهرجان بمنظر تلاحمي لطاقات المجتمع ومواهبه، وذلك أهم ما يُسجل إلى منظمي مهرجان بوري؛ القرية التي ما فتئت تقدم أطباقا إبداعية جديرة باستنساخها على مستوى المناطق البحرينية، فلا تكاد تنتهي من مشهد ثقافي جذاب ولافت حتى تراها تدشن عملا إبداعيا آخر، كما أنها انتهت للتو من عرسين رياضيين حققت خلالهما الفوز ببطولتي «التعارف» و «بتلكو» خلال أقل من 3 أشهر.
يحدث هذا العرس الثقافي الكبير الذي يحتضن مبدعي الداخل، في وقت بتنا نجد غالبية مهرجانات البحرين المتعلقة بالثقافة تعتمد في الترويج لنفسها على الكوادر والمواهب الخارجية، ولا تجد اهتمامها منصبا على المخرجات النوعية والنتائج الملموسة لهذه المهرجانات، سوى الاهتمام بالتعريف بثقافة الآخر، بينما تقبع مئات العقول البحرينية الخلاقة في زنازين التجاهل بانتظار فرج الاحتضان.
من يتحمل وزر تحجيم نشاط المثقفين هم المثقفون (المسئولون) أنفسهم، وخصوصا أولئك الذين يأخذون على عاتقهم تبني وتنظيم الفعاليات الثقافية، ثم يتراكضون بحثا عن الكوادر الخارجية بحثا عن الطريق الأسهل للنجاح. وهنا تكمن المشكلة.
تحريك الوعي الثقافي في المجتمع يحتاج في حد ذاته إلى ثقافة، كما أن التعامل مع النخب أيضا يحتاج إلى «ثقافة الثقافة». وإذا كان منظمو فعالياتنا من النخب المثقفة التي لا يشبع نهمها سوى الانصهار في ثقافة الآخر فتلك معضلة، لأن ثقافتهم تحتاج أصلا إلى ثقافة.
من حق القائمين على مهرجان بوري الثقافي والعاملين على إنجاحه أن نشد على أيديهم، ومن حقهم معرفة أنهم بخلايا العمل المتكاتفة تلك قدموا على رغم كل التحديات وبساطة الإمكانات نموذجا رائعا وراقيا للحراك البحريني الواعي الذي يتطلبه عصر الانحسار الثقافي، ويحق لهم كذلك أن يكافئهم المجتمع باحترام جهودهم وتقديم الشكر والنصح والاقتراحات والنقد لتجربتهم الرائدة من أجل تقويمها وتطويرها إلى الأفضل.
كما من حقهم أن يطالبوا وزارة الثقافة والإعلام باستحداث «درع الثقافة» لينالوه أولا، وليشجع غيرهم على الحذو حذوهم ثانيا، وتشرع القرى والمدن البحرينية في منافستهم بتدشين أعمال وفعاليات مشابهة تصب في تنوير مجتمعنا البحرين بعيدا عن التغريب الثقافي والتمييع الأخلاقي والدوس على ثوابت وتقاليد المجتمع.
لنا أن نتصور في كل قرية مهرجانأ ثقافياَ محترما، وفي كل مدينة حراكا توعويا راقيا بهذا الحجم أو أكبر... حينها ستستحق البحرين أن تكون «عاصمة الثقافة» من دون نفخ أو تطبيل، وهو ما تسعى إليه وزارة الثقافة والإعلام هذه الأيام.
لذلك فإن احتضان الوزيرة (المشكور) للمهرجان بادرة تحسب على طريق احتضان النخب البحرينية، أملا في استمرار مد يد العون المادي والمعنوي من قبلها لكل الفعاليات (القروية خصوصا) التي تشرّف المجتمع البحريني في مبادئه وثقافته وتراثه.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 2589 - الأربعاء 07 أكتوبر 2009م الموافق 18 شوال 1430هـ
جعفر
تُشمّ من مقالك رائحة الأدلجة ياصديق
فكرة الثقافة هي التعرف على الآخر وبالتالي
التعامل معه باحترام وود .. وليس إطلاق احكام
القيمة المسبقة لدينا على كل شيء ..
كررت كلمة محترم .. وتشرِّف .. ومباديء
وتميييع أخلاقي, وتغريب ثقافي, و ثوابت وتقاليد ..
لم يبقَ إلا أن تقول نحتاج مهرجان ثقافي إسلامي
وهذا مالا تقوم له السماوات والأرض ..
أتفق معك في القول بضرورة الالتفات لمشاريعنا الثقافية المحلية وتنميتها وتطويرها, وهذا لايجيء لقمة سائغة بأفواهنا دون عمل جدي من كل مؤسساتنا الثقافية.
مريم البيرمي
الأستاذ العزيز عبدالله الميرزا..
تستحق أن ترفع لك القبعة على هذه الكلمات الرائعة..
كنت جزءا مهما من نجاح مهرجان بوري بدعمك المعنوي وتواصلك المستمرين..
وأثني على كل كلمة ذكرتها في هذه المقالة وعسى أن يوفق الله الجميع فيما يحبه ويرضاه :)