ما أعذب الكلام في رثاء العظام... لا تتعثر به الأفواه، ولا يتلعثم به اللسان... دقيقة صمت تتسابق خلالها إلى الذاكرة مآثر رجل كان علَما في عظمته، ومدرسة في التزامه... فتلهج القلوب بالدعاء له بالرحمة... إنه المغفور له بإذن الله الأب والصديق والمعلم والقدوة الصالحة محمد بن عبدالله الزامل.
لقد كان المغفور له معلما حازما وحليما متسامحا تحركه مشاعر الأب العطوف التي قيّضها الله له بعد انتقال أبيه إلى رحمة الله في أوائل الستينيات، تاركا لابنه الأكبر الشاب محمد مسئولية العناية بأحد عشر أخا وثلاث أخوات كانوا جميعا دون سن الرشد. وكان الزامل بهمّته الصلبة وعزيمته الصادقة على قدر تلك المسئولية. فقد بنى مجموعة شركات غنية عن التعريف، وصل عدد العاملين فيها إلى أكثر من 12.000 موظف، تشمل أنشطتها عشرات القطاعات الصناعية والتجارية في الخليج العربي والعالم، وحرص على تلقي إخوانه أعلى درجات التحصيل العلمي في أرقى الجامعات ليعودوا إليه ويكونوا له خير عون وسند. وأغدق على الناس عطاء بلا حدود في دعم الأنشطة الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والإنسانية، في منطقة الخليج والعالم أجمع.
أحمد الله أن قيّض لي شرف صحبة الزامل وسعادة العمل معه في بنك آركابيتا حيث شغل منصب عضو مجلس الإدارة، وعضو اللجنة التنفيذية لشؤون الاستثمار، وعضو اللجنة التنفيذية للشئون الإدارية. لقد كان مدرسة نستقي منها المعرفة، جمع بين علمين نافعين، علم أسهم به في تعزيز اقتصادات وطنين كان يفخر بالانتماء إليهما، المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، وعلم البر والإحسان والبذل في طاعة الرحمن.
دقيقة صمت... لقد كان الصمت للزامل ديدنا... كان يحب من الكلام أقله، ومن العمل أنفعه، يعطي بصمت، ويبذل بصمت، ويستعين على الخير بالكتمان... يعمل لآخرته كمن يموت غدا، ويعمل لدنياه كمن يعيش أبدا... يكن احتراما خاصا للوقت، ويلتزم التزاما تاما بالدقة في المواعيد، ويسعى بمن حوله إلى إنجاز أقصى ما يمكن في أقصر وقت ممكن بإصرار ورفقٍ في آن واحد، مدركا قدراتهم وحدودهم... شعرةٌ يأبى برأفته أن تنقطع وبحزمه أن تتراخى.
دقيقة صمت غمرت نفسي بحزن امتزج بدعاء... لقد آن لهذا الرجل المعطاء أن ينال قسطه من عطاء أكرم الأكرمين، وأن يواصل مسيرة الخير إلى دار أفضل ينهل فيها من رحمة الله ورضوانه... اللهم إنا نشهد للزامل صدق الإيمان والثبات في الحق، والسعي في طاعتك، والرأفة بعبادك، والرحمة بالضعفاء، والعطف على الفقراء... فأحسن إليه بعطفك وارحمه برحمتك، نفسا راضية مرضية... وإنا لله وإنا إليه راجعون.
إقرأ أيضا لـ "عاطف أحمد عبدالملك"العدد 2588 - الثلثاء 06 أكتوبر 2009م الموافق 17 شوال 1430هـ