دار حوار بيني وبين وكيل وزارة خدمية من وزارات الدولة، وكانت جملتاه اللتان قالهما لي عندما ذكر تَوقُف أحد أقاربه عن الكتابة قد أثارتا ملاحظات لديّ، أحببت أن يشاركني فيها جمهوري من قراء الوسط الكرام.
إذ قال لي بأن قريبه اكتشف أخيرا عدم جدوى العمل الصحافي، وأن الصحافة «ما توكل عيش»! أما جملته الثانية فهو عندما تكلم عن حرفنة الصحافة والصحافي المسئول عن كتابة الكلمة!
لقد أساء هذا الوكيل إلى قريبه الذي نعده مثلا في الكتابة الصحافية والنزاهة الفكرية، فهذا الأخ كان من أولئك الذين لا يعرفون تسويف الكلام وتحريفه، أو المغالاة في المدح وحب الخشوم، وإنما عُهد عنه الكثير من المواقف والكتابات التي لا تنسى في التاريخ الإصلاحي الجديد لمملكة البحرين.
فماذا كان يعني ذلك الوكيل عندما قال بأن الصحافة «لا توكل عيش»؟ هل كان يعني بأن الصحافة تسبب المشكلات وتضر بكاتبها، أم أنه يعني كلمة الحق ثقيلة ولا أحد يريد أن يسمعها.
قد لا تكون الصحافة في مفهوم الوكيل بالمنظور الإنساني الذي ينظر لها أي صحافي شريف وذي مبدأ، فهي قد لا توكل عيش ولكنها توصل كلمة الحق إلى أصحابها، وتساعد المساكين في الالتفات إلى مشكلاتهم، في يوم أصبحنا فيه لا نثق بالجمعيات السياسية المتأسلمة، لإيصال صوتنا ومطالبنا إلى حكومتنا الرشيدة.
أودّ أن أُذكّرك يا سعادة الوكيل أن الصحافة أسقطت العديد من المسئولين الخاوين والمرتشين، وثبتت من هم أهل لذلك، ولم تقف عند هذا الحد بل أوصلت الحقوق لأصحابها، وأطلعت الشارع بما يدور من تحت الطاولات.
إن الصحافة توكل الرضا والسعادة عندما تحل المشكلات، وعندما ترجع الحقوق لأصحابها، وعندما تصبح هي اللسان الناطق عن كل صاحب حق صمت حقه عند بعض المرتزقة والمرتشين.
وأما قولك عن أهمية الحرفنة الصحافية، فإني معك في هذه الجملة ذات السهل الممتنع، ولكني أخالفك الرأي في معناها، فمعناها عندي بأن الحرفنة الصحافية ليست في اختيار الكلمات الكبيرة التي تخاطب فئة معينة من الناس، وإنما الحرفنة في إسعاد الآخرين والأخذ بمشكلاتهم على محمل الجد وتبسيطها ليفهمها البعض، ولا نريد الحرفنة التي تغالي هذا وتتبع ذاك، فنحن أحرار في قول كلمة الحق التي تصعب عند البعض وخاصة المرتزقة منهم.
أتمنى يا سعادة الوكيل أن أكون قد أوضحت الصورة عن هاتين الجملتين، في أكل العيش والحرفنة، فنحن نريد أن نأكل العيش بمشاركة الآخرين، ونريد أن نصبح في يوم من الأيام ذوو حرفنة!، ولكن في إيصال صوت الناس وليس بالكلمات التي قد تلقى في القمامة، فالكلمة التي تنبع من أحاسيسنا ومشاعرنا وصدقنا تحفر في القلب ولا تخرج منه، واسمح لي يا سعادة الوكيل!
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2310 - الخميس 01 يناير 2009م الموافق 04 محرم 1430هـ