خطوة جريئة تلك التي أقدمت عليها جامعة البحرين بإرجاع فصل دراسي إلى السجل الأكاديمي للطالبة نور حسين، وتقدم ملحوظ لمسناه في تعاطي إدارتها الحضاري مع هذه القضية النقابية التي شغلت الرأي العام على مدى أسابيع.
وما انتهت إليه من قرار ينم عن وعي عالٍ وحسٍّ بالمسئولية تسبب في تعكير صفو مثيري النعرات ومحفزي الشقاق والفتنة، غير أن المأمول يتجاوز سقف ما تحقق، إذ كان لهذا القرار أن يأخذ مداه الواسع وصداه المؤثر على المستوى المحلي وحتى الدولي، وخصوصا بعد أن تحركت هيئات ومنظمات حقوقية معروفة على مستوى العالم للدفاع عن نور حسين وحقها في التعبير عن رأيها ومواقفها من دون حجر أو تقييد، إلا أن تمسك الجامعة بالإنذار النهائي أفقد الفرحة عنفوانها وسلب من النص الدستوري جوهره، فالمادة (23) من دستور مملكة البحرين الصادر بمرسوم أميري بتاريخ 14 فبراير/ شباط 2002، تنص على أن «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبيّنها القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب، وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية».
وما قامت به نور لا يتعدى توزيع بيان يحمل اسم وشعار جمعية شبابية، وينتقد بعض السياسات في الجامعة، ويطالب بإصلاحات جذرية تكفل عدم هجرة الطلبة منها إلى الجامعات الخاصة التي ثار بشأنها الكثير من اللغط في الآونة الأخيرة، بسبب مخالفتها لاشتراطات مجلس التعليم العالي.
أي أنها لم تنتقص من ثوابت الدين الإسلامي، ولم تتدخل في معتقدات وانتماءات أي مذهب، ولم تتطاول على رموز البلاد، وبالتالي فإن توزيعها البيان يأتي ضمن إيمانها فيما احتواه من أفكار ورؤى وآراء، ولم يتطور إلى التأثير على السلم الأهلي والاجتماعي والتدخل في شئون الدول المجاورة، على رغم أن هناك نوابا معروفين بزرع بذور الفرقة والشتات بين أبناء هذا الوطن ببياناتهم التحريضية التي يرسلونها بصورة شبه يومية إلى الصحف المحلية، ولا يوجد من يجرؤ على لجمهم أو وضع حدٍّ لمهاتراتهم العقيمة، فهل أصبحت اللوائح والقوانين تطبق وفق مقاييس محددة وعلى فئة من الناس دون غيرها؟
على النطاق العام نرتجي ممارسة ديمقراطية واعية يتم من خلالها إعداد صفوف من الكفاءات والقواعد الشابة للمشاركة في عملية التشريع وصنع القرار، والمساهمة في تعزيز مفهوم المملكة الدستورية التي أتت كإحدى ثمار المشروع الإصلاحي لعاهل البلاد، ولكن على المستوى الضمني لا توجد لدينا المحفزات والمقومات التي تجعلنا مؤهلين لبلوغ هذا الهدف، فأنظمتنا المعمول بها في منارات العلم لا تزال غير قادرة على تحمل النقد والإفصاح عن السلبيات، فكيف لها أن تعد جيلا من قادة الرأي والأدباء والمفكرين؟
نترقب من جامعة البحرين أن تعترف بالنواقص والعيوب، وأن تعمل على معالجتها من خلال تطوير لائحة المخالفات المسلكية وتوسيع دائرة التعبير عن الرأي، وإطلاق صلاحيات مجلس الطلبة للتعبير عن هموم الشرائح الطلابية الصامتة، لا أن تسعى لتحقيق شيء من الانتصار بإصدار إنذار نهائي للطالبة التي طالبت بإصلاح القصور، فليس هناك رابح أو خاسر في هذه المسألة، فكلنا فائزون إذا استطعنا أن نوصل جامعتنا الوطنية إلى مصاف المؤسسات التعليمية العريقة على مستوى العالم.
ونؤكد أننا لسنا من هواة التطبيل وتحوير قضية نقابية طلابية ولصقها بأجندات سياسية خاصة، فهذا الشأن ينشغل به محترفو المشاكسات الإعلامية والمتخصصون في اللعب بالجمر لتأجيج النيران، والذين لا يهنأون إلا على وقع الخلافات والمشكلات، وإذا ما أرادت جامعة البحرين اعتلاء سلم الريادة فعليها إلا أن تدير ظهرها لهم وتدرك أنه ليس من العيب إرجاع الحق لأصحابه.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2587 - الإثنين 05 أكتوبر 2009م الموافق 16 شوال 1430هـ