في المشهد الفلسطيني، تتواصل الحرب الإسرائيليّة على الشعب الفلسطيني، ويحاول العدوّ معها الدخول إلى مرحلة جديدة، يعمل من خلالها على التهويد الكامل للقُدس، وتهجير ما تبقّى من الفلسطينيّين، فضلا عن ضرب حقّ العودة.
وفي نفس الخطّ الذي لعب فيه العدوّ على ذهنيّة العرب والمسلمين، عن طريق إجراء مصافحات مع رجال دين مسلمين، من أجل الانحراف بقضيّة فلسطين عن مبدئها، يتحرّك العدوّ من جديد، لتدنيس المسجد الأقصى من خلال إفساح المجال لاقتحامه من قبل المستوطنين المحتلّين، في محاولةٍ لإسقاط هيبته من نفوس المسلمين؛ ولإنهاء حصريّة الوجود الإسلاميّ فيه، وتمهيد السبيل لإدخاله في دائرة التهويد الكلّي. وإنّنا نرى في هذه الحركة الأخيرة تجاه تدنيس المسجد الأقصى، إضافة إلى عمليّة الاعتقال التي طالت أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين المقدسيين بحجة منعهم من التحضير لانتفاضة جديدة، إضافة إلى التحقيق مع رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس (الشيخ عكرمة صبري)، محاولة لفرض أمرٍ واقع على الفلسطينيّين والعرب والمسلمين، أنّ القدس، والمسجد الأقصى ضمنا، باتت شأنا إسرائيليّا، وأنّ عليهم أن يتقبّلوا - من الآن وصاعدا - عمليات الاقتحام القادمة، الهادفة للاستيلاء على الأقصى، لأن العدوّ لا يعمل لمصادرة المستقبل فحسب فيما يتصل بالوجود الفلسطيني في القدس وغيرها، بل يسعى أيضا لمحو آثار التاريخ، ولذلك فهو يتحرك لشطب الآثار الإسلامية والمسيحية من كل المواقع الفلسطينية التاريخية.
إننا نعرف تماما أن العدوّ ما كان ليصل إلى هذا المستوى في عدوانه وفي تدنيسه لأولى القبلتين، لولا التفويض الذي أُعطي له دوليا، وخصوصا من الإدارة الأميركية، التي لا تختلف حركتها الاحتلاليّة تجاه العالم الإسلامي عن الحركة الصهيونيّة في فلسطين... كما نعرف أنّ العدوّ ما كان ليتمادى إلى هذا الحد لو أن العالم العربي والإسلامي قام بخطوةٍ عمليةٍ واحدةٍ لوقف الزحف الصهيوني على قلب القدس والأقصى وعلى فلسطين كلها، لا بل كل نقطة يحسب أن له مطمعا فيها، في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه، ممّا يُمكن أن تنفتح عليه حركة التنازل العربي والإسلامي.
ولذلك، فإننا في الوقت الذي نشدّ فيه على أيدي الشعب الفلسطيني المجاهد، الذي لم يترك فرصة للدفاع عن المسجد الأقصى إلا وعمل على استغلالها وتفعيل حركته فيها... ندرك بأن هذا الشعب الصابر والصامد قد حُمّل ما تنوء بحمله الجبال، وقد استهلكته النداءات والمطالب بما أثقل كاهله، ولذلك فنحن نتوجّه إلى الشعوب العربية والإسلامية لكي تعين هذا الشعب على صموده، ونقول لها: إذا كانت الأنظمة تتحيّن الفرص للتطبيع مع العدوّ، وتسعى - بمناسبة وبدون مناسبة - لتقديم المزيد من التنازلات المذلّة في سعيها المستمرّ للتحرّر من القضيّة كلّها، فإن على الطاقات الحيّة في الأمة، أن تسعى لإيجاد الخطوات العملية الضرورية التي من شأنها دعم صمود الفلسطينيين وخصوصا في القدس.
وإن المرجعيات الدينية والسياسية معنية بالسعي لرفد حركة المقاومة الفلسطينية، ولتهيئة الأجواء لولادة انتفاضة فلسطينية جديدة تتحرك فيها الأوساط الشعبية إلى جانب الحركة الأمنية بما يؤدي إلى تخفيف الضغط عن الفلسطينيين، ومنع العدوّ من إحكام قبضته على القضية الفلسطينية، واحتلال الذاكرة بعد احتلال الأرض والمقدّسات.
وفي المشهد العربي، حيث تنظر الدول العربية إلى التجارب الصاروخية الإيرانية نظرة عداوة، وتعتبرها حركة استفزاز لا حركة دفاعية من دولة يهددها عدوّ يملك أنيابا نووية... فهي لا ترى في الغواصات الألمانية المهداة إلى «إسرائيل» استفزازا، مع كونها مهيأة لإطلاق صواريخ برؤوس نووية، ومع أن هذه الغواصات تتمركز بشكل دائم في الخليج والبحر المتوسط وقبالة السواحل الفلسطينية المحتلة، كما أن هذه الدول لا تنظر إلى الاتفاقات الإسرائيلية - الأميركية التي تقدّم فيها أميركا كل المعلومات النووية السريّة، بأنها تمثل استفزازا للأمن العالمي، وكذلك المناورات الأميركية - الإسرائيلية المشتركة، أو المظلة التكنولوجية والصاروخية التي تؤمّنها الإدارة الأميركية لكيان العدوّ... وكأن الأمن بات جائزة غربية في المنطقة لا يحظى بها إلا الاحتلال الصهيوني المجرم.
إنّ أبسط قواعد المنطق السياسي، تقتضي أن تحذو الدول العربيّة والإسلاميّة حذو إيران في تأكيد منطق العزّة في سياساتها، وفي العمل على بناء القوّة الذاتيّة التي تمكّنها من الوقوف في مواجهة الخطط المذلّة التي يُراد فرضها على الواقع كلّه، وأن تعمل على إيجاد نظام تعاون عربيّ إسلاميّ جدّي، يستفيد من نقاط القوّة التي توصّلت إليها إيران وغيرها، ويعمل على تطويرها في سبيل تحصين الواقع العربيّ والإسلاميّ كلّه ممّا يُحاك له، وخصوصا بعدما جرّب العرب والمسلمون كلّ شيء في التعويل على القوى المستكبرة في حلّ مشاكلهم وقضاياهم.
أما لبنان الذي ينتظر هديّة عربية تنزل عليه من فضاءات اللقاءات العربية المتجددة، فقد بات رهينة للتنسيق العربي المفاجئ، بعدما كان رهينة للخلافات العربية - العربية المتصاعدة، وبات في أتمّ استعداد لاستقبال الأخبار السارّة التي تأتيه من خلف البحار، والتي تفيد بأن الإدارة الأميركية الجديدة، ولأسباب قاهرة أو لمعطيات مستجدة، قررت فعلا أن تدخل في مرحلة تهدئة مع هذا الموقع العربي أو ذاك، وأن تنتقل من طور التهديد والوعيد إلى مرحلة الحوار التي غالبا ما تنعكس آثارها في البلد الصغير، المتطلّع دائما إلى من يصنع له سلامه واستقراره، وحتى حكومته، من خارج الحدود...
فهنيئا للبنانيين تفاهم الخارج على داخلهم، وتفاعل الداخل مع أخبار التوافق القادمة إليهم من المحيط... وإلى جولة جديدة من جولات السجال الداخلي المحكوم بسقف العلاقات العربية - العربية، والمناخات الدولية، وكل جولة ولبنان بخير.
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 2584 - الجمعة 02 أكتوبر 2009م الموافق 13 شوال 1430هـ
حفظكم الله ياسيدنا
اتمنى ان يقرأ هذا المقال السيد انويهض ليتعض من كلام سماحة السيد وليس لقلب الحقائق