العدد 2584 - الجمعة 02 أكتوبر 2009م الموافق 13 شوال 1430هـ

ما بعد «لقاء جنيف»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

انتهى «لقاء جنيف» بين الدول الكبرى الست وإيران إلى اتفاق على عقد لقاء آخر في الشهر الجاري لمواصلة البحث في تطوير تلك الخطوات الإيجابية التي ظهرت أمس الأول في المدينة السويسرية. فاللقاء الذي وصف بالبناء أسفر عمليا عن موافقة إيران على وضع «المنشأة النووية السرية» بالقرب من مدينة قم تحت إشراف ورقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كذلك أبدت طهران موافقة مبدئية على تكليف «طرف ثالث» بإعادة تخصيب اليورانيوم بالنسبة المطلوبة خارج الأراضي الإيرانية لإعادة استخدامها في الصناعة والحقول الطبية.

استعداد القيادة السياسية في إيران للتفاوض والمساومة والانفتاح ووصف الدول الست اللقاء بالإيجابي ويمكن التأسيس عليه لتجاوز الأزمة كلها إشارات على ظهور منعطف في العلاقات. وبما أن الأزمة لا تزال في طور التفكيك اعتبر «لقاء جنيف» خطوة أولى ولابد أن ينفتح على جلسات متعددة حتى تتوصل الأطراف إلى صوغ آليات قادرة على احتواء «فائض القوة» وما تولده من تداعيات اقليمية تتجاوز حدود إيران الوطنية.

المشكلة إذا ليست في برنامج إيران لإنتاج الطاقة السلمية ولا في منظومتها الصاروخية وانما في ذاك الكم الفائض من «القوة» الذي يمتد إلى الجغرافيا السياسية ويمكن أن يؤثر على التوازن الاقليمي واستقرار منطقة «الشرق الأوسط». وهذا الفائض من القوة تطلق عليه بعض مراكز الابحاث والمعاهد توصيفات كثيرة منها «تعدد الأذرع». وتعدد الأذرع مسألة نظرية وهي تعني تلك القوى السياسية المؤيدة أو المتحالفة معنويا وماديا مع طهران والمنتشرة بنسب متفاوتة في باكستان وافغانستان والعراق ولبنان وفلسطين.

الملف النووي - الصاروخي لا يمكن فصله في الجوهر عن ملف «تعدد الأذرع». فالجانب الأول تقني يتصل بالسيادة وحق إيران في إنتاج طاقتها السلمية وصواريخها الدفاعية. اما الجانب الثاني يتصل بالسياسة ومدى تأثير إيران الاقليمي على موازين القوى وتفاعلاتها وامتدادتها.

الجانب الأول من الملف يعتبر الأسهل في المعادلة الاقليمية وخصوصا اذا وافقت طهران على وضع مؤسساتها بتصرف الوكالة الدولية ورقابتها وأعطت «الطرف الثالث» حق تخصيب حاجاتها من مادة اليورانيوم.

الجانب الثاني من الملف يعتبر الأصعب لأنه يتجاوز حدود الحق السيادي ويتجه نحو المجال الحيوي لموقع إيران ودورها الاقليمي. وهذا الجانب يتصل بالجغرافيا السياسية ومدى استعداد الدول الست على تقبل «فائض القوة» وتأثيرها على التوازن الاقليمي.

«تعدد الأذرع» يشكل صفة سياسية لمنطق «فائض القوة» وهي وصفة اعطيت لمراكز قوة محلية يمكن ان تتحرك في إطارات جغرافية (العراق، لبنان، وفلسطين مثلا) لتتشكل من خلالها تلك البؤرة العنيفة.

برأي الدول الست الكبرى أن المشكلة مع إيران تبدأ من احتمال توظيف «تعدد الأذرع» في سياسات تقلق مصالح القوى الإقليمية الاخرى وليست في برنامج الطاقة السلمي أو منظومة الصواريخ. واحتمال استثمار طهران لذاك «الفائض» من القوة مسألة مفتوحة على مدى نجاح الدول الست في ضبط حقوق وطموحات إيران في إطار السيادة داخل الحدود الوطنية وليس في محيط الجغرافيا السياسية.


أين المشكلة؟

هذه المشكلة يبدو أنها قابلة للتطور أو التطويع. لذلك قررت الدول الست تمديد «لقاء جنيف» وفتح أبوابه على جلسات أخرى تعقد في الشهر الجاري ويمكن ان تتواصل إلى نهاية السنة، حتى تستطيع الأطراف المعنية أوالمشاركة في المفاوضات وضع تصورات تقوم على آليات تضبط حدود القطع أو الوصل بين الحق السيادي وطموحات الجغرافيا السياسية (المجال الحيوي). ومثل هذه المهمة الشاقة تتطلب فعلا توسيع الشراكة الاقليمية وادخال أطراف اخرى لها مصلحة بالاطلاع على مجرى الأمور «وكيف تدار وإلى أين تتجه؟».

إشراك القوى الإقليمية المعنية والمجاورة (باكستان، السعودية، مصر، تركيا، وسورية) مسألة ذات قيمة لأنها تنقل التفاوض من «السرية» و«الثنائية» إلى دائرة مفتوحة على تعددية يمكن البناء عليها لتأمين التوازن والاستقرار. وهذا الأمر بحث مرارا في الأمم المتحدة وحتى الآن لم تتبلور قواعده وشروطه بسبب تدخل «إسرائيل» وضغوطها للمشاركة في الإطار العام للقوى الاقليمية. ومشكلة حكومة تل أبيب أنها تطالب بالشراكة والتطبيع والتفاوض ولكنها غير مستعدة للتجاوب مع دعوات السلم والقرارات الدولية. وهذه المشكلة التي عجز الرئيس الأميركي باراك أوباما على تذليلها (موضوع تجميد المستوطنات) عطلت عليه إمكانات التقدم الميداني لمعالجة القضايا الاقليمية الأخرى في إطار دعواته المتكررة لفتح باب التفاوض «وجها لوجه» من دون تحايل أو مراوغة.

تمنع «إسرائيل» وعنادها ورفضها تقبل فكرة «اليد الممدودة» عطل مبدئيا إمكانات توسيع دائرة التفاوض وإدخال قوى اقليمية اخرى للمشاركة في «لقاء جنيف» الذي يرجح أن يبحث الكثير من الأمور ولن تقتصر مناقشاته على الملف النووي - الصاروخي الإيراني. وبسبب هذا العطل الإسرائيلي يرجح ان تتوصل الدول الست إلى تفاهمات جزئية أو نصفية للملفات في اعتبار ان القضايا المطروحة في إطار الجغرافيا السياسية تشتمل على نقاط ساخنة وممتدة تاريخيا وتتجاوز نطاق المجال الحيوي لإيران.

التوصل إلى تفاهمات جزئية واتفاقات نصفية في لقاءات جنيف المقبلة يقفل فتحات في الجدار ويخفف قليلا من التوترات ولكنه لن يكون في مقدوره ضبط الاستقرار بسبب انغلاق «اسرائيل» وعدم جاهزيتها النفسية والثقافية على التكيف مع محيطها الجغرافي وتاريخ المنطقة العربية - الإسلامية. وهذا الأمر يعني سياسيا أن الأزمة لن تغلق وستبقى مفتوحة على احتمالات وتطورات وسيناريوهات.

«لقاء جنيف» الأول وصف بالبناء والإيجابي. وجرت على ضفافه مفاوضات ثنائية أميركية - إيرانية علنية. وتم التوافق على هوامش يمكن التأسيس عليها لإعادة بناء جسور الثقة (إعطاء ترخيص لوزير الخارجية الإيراني بالتوجه إلى واشنطن مثالا). واتفق على عقد لقاءات اخرى قبل نهاية الشهر الجاري. ودعا الرئيس الأميركي إيران إلى اتخاذ خطوات ملموسة فيما يتعلق ببرنامجها النووي... وغيرها وغيرها من أمور وقضايا وملفات. لكن جوهر الموضوع ليس هناك. المشكلة في فلسطين وغير ذلك يمكن اعتباره مضيعة للوقت.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2584 - الجمعة 02 أكتوبر 2009م الموافق 13 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:39 م

      الكتابة المغايرة

      لكم وكم تنتقد الجمهورية وتجنيت عليها بسبب وبدون سبب ولما جاء الدور على اسرائيل ولما جئت لتنتقدعن( اسرائيل) ومواقفها من القضية شبهتك ياكاتبنا العزيز بالدول الغربية المنافقة في موقفها من (اسرائيل9 قضايانا ومن لم يصدق كلامي فاليرجعالى مقالات الكاتب السابقة عن ايران والا لماذا هذه العبارات وكانك تحاور صديق وتعتب عليه وكانه من دول الجوار وليس مغتصب في حين لما تتكلم عن ايران تتكلم باسلوب شديد مغاير

    • زائر 1 | 12:20 ص

      تنوع الاذرع

      ليست تعدد الاذرع فقط وانما تنوعها ايضا فايران لا تساند حزب الله لانه شيعي ولا تساعد حماس لانه سني ولاكن لانهما على نفس النغم عدواً لاسرائيل .والسؤال الموجه للاخ الكاتب وليد . ما مستقبل الوضع الاقليمي عند تآلف العدوان اللذوذان ايران والغرب؟وماهو مستقبل الحكومات العربيه ؟ تحت تنبأ وزير الخارجيه المصري (سيصبح العرب ..... بين ايران والكيان الصهيوني )وهل ستتخلى ايران عن العداء مع اسرائيل لو ان الفلسطينيين اقامو الدوله العربيه في الكيان الصهيوني هل ستتخلى عن تحرير القدس.وكم ستكون قوه ايران اذا رفع

اقرأ ايضاً