العدد 2583 - الخميس 01 أكتوبر 2009م الموافق 12 شوال 1430هـ

بين ترميم المقال وترميم الضمير

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لأول مرةٍ منذ ثمان سنوات، يتعرّض مقالٌ لعملية بترٍٍ غير مقصودة أمس، بسبب خطأ فني أطاح بثلثه وطوّح بفكرته بعيدا!

يحدث أحيانا أن يضطر بعض الزملاء أحيانا لإعادة نشر مقالاتٍ لهم بسبب أخطاء كبيرة، لغوية أو إملائية، تعيق إيصال الفكرة للمتلقي، ولكن ما حدث لمقال أمس، هو خطأٌ بشريٌ أتحمّله وحدي وأعتذر عنه، إذ أرسلت نسختين، ثانيتهما كانت ناقصة بسبب ضغط عامل الوقت الذي جعلني أستعجل إرساله دون تدقيق على خلاف العادة.

لا أريد إعادة نشر ما نشر، وإنما ترميم المقال بما يضمن إيصال الفكرة إلى من يهمه الأمر من شبابٍ طموح. وأؤكد أن الأدب الحيّ ذا المسحة الإنسانية الجامعة، عادة ما يتغذّى على الألم والعذابات الكبرى التي تطهّر النفس، من تشارلز ديكنز وفيكتور هوجو... إلى ديستوفسكي وليو تولستوي. وفي تجاربنا السياسية من هذا الألم الإنساني الكثير.

وفي الأوطان المأزومة سياسيا، يمكن أن يلعب الأدب الملتزم دورا تاريخيا في مواجهة الحملات الشرسة للتلاعب بمصير شعوبٍ عاشت مكوناتها المختلفة في تعايش وسلام لعدة قرون. ففي هذه الحقبة الكئيبة من تاريخنا الحديث، برزت نظرية عنصرية تقوم على الإقصاء والإلغاء وعدم الاعتراف بوجود الآخر، حتى وصل الأمر إلى تصوير أرض الخلود وكأنها أرضٌ خرافيةٌ، لم تطأها أقدام شعبٍ أصيل.

ميزة الرواية أن لها قابلية التحوّل إلى أدوات فنية أكثر جماهيرية وانتشارا، فالصحيفة التي يقرؤها الآلاف تفقد قيمتها في اليوم التالي، والكتاب مهما كان رائعا فإن نسخه محدودة، ونطاق تداوله يبقى نخبويا، بينما الروايات تطرق كل الأبواب وتأخذ طريقها نحو الشاشات في البيوت.

الزمن تغيّر، والدعم لم يعد معضلة كبرى لمن يريد أن يحافظ على تاريخ نضاله الوطني، وعدم دعم وزارات الثقافة لا يمنع الطاقات الشابة الطموحة من الإسهام في كتابة تاريخها وحفظ ذاكرتها، لتقدّم رؤية موازية للرواية الرسمية القائمة على معادلة المال والسيف، فبذلك تسهم في تقديم قراءةٍ متوازنةٍ لتاريخ بلد متعدّد الرؤى والأطياف.

اليوم، بإمكان ثلةٍ قليلةٍ من الشباب الموهوب، أن تنتج فيلما، بكاميرات ديجيتال صغيرة، وبإمكانات مادية محدودة. كما أن نادي السينما يمكن أن يلعب دورا في حفظ الذاكرة العامة لشعبٍ يحترم نفسه وتاريخه وتضحيات أجياله، في مواجهة هذه الحملة الشرسة لإضعاف النسيج الوطني ومحاولة التلاعب بجيناته الوراثية لصالح أجناس وجنسيات تُستقدم من وراء البحار.

انتهى ترميم المقال المبتور، علّ الرسالة تصل إلى من يعنيه الأمر من شبابٍ وطني طموح، ولابد من كلمة حقٍ في هذا اليوم المبارك، بشأن ما نشهده من انحدار أوصل البعض إلى استباحة القيم والفضيلة، بالاستيلاء على صورٍ عائليةٍ خاصةٍ لأحد الزملاء، ونشرها على شبكة الانترنت.

لا بأس بالخلاف والعراك والجدال، والأخذ والرد، فباحتكاك الآراء يُعرف الصواب، لكن مهما احتدمت الخلافات وتصادمت الرؤى الفكرية والمواقف السياسية، فيجب ألا يبيح أيّ طرفٍ في الساحة عرض طرف آخر، أو يستهين بكرامته، أو يهتك حرمة بيته وأسرته، فهذا ما لا يرضاه دينٌ ولا ضميرٌ ولا خلُقٌ كريم، ولا تقرّه شريعةٌ في الأرض ولا في السماء.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2583 - الخميس 01 أكتوبر 2009م الموافق 12 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:58 م

      أين تكريم الأدباء والكتاب المبدعين؟

      بامكان الأدباء أن يكتبوا عن مراحل مشرقة وفرحة من حياتهم بدل الحزن واللوعة وتذكر آهات الماضي. ترى القراء ينتقل لهم الألم والحزن والأسى وتنهدات الكاتب وأحياناً يبلغ بهم التأثر إلى حد البكاء وذرف الدموع. لماذا لا تكتب سيد قاسم عن الزلازل والأعاصير التي تعصف ببعض البلدان وتسونامي الجديد. أم محمود

    • زائر 3 | 1:51 م

      أين تكريم الكتاب والأدباء المبدعين؟

      الكاتب المعروف حسن مدن والذي تم تكريمه في دولة الامارات العربية لتميزه وابداعه ولتدشين كتابة "ترميم الذاكرة" الذي يروي عن فترات زمنية من حياته في عدة مدن عربية ومعاناته من آلام الغربة القسرية ولكننا لم نعرف هل هو متزوج ولديه أبناء ام لا؟ لأنك قلت انه يعيش في بيت الوالد بقرية الخميس. ولا أدري لماذا كررت نفس العبارة في مقالك بالأمس واليوم وهي( ان الأدب الحي يتغذى على الألم والعذابات الكبرى)

    • زائر 2 | 1:13 م

      التغريبة البحرينية

      بعد ان سرقوا الوطن والنور من العيون .. واحرقوا مراكبهم خلفهم .. اقتلعوا النخيل.. وقتلوا النوارس وخنقوا زرقة البحر.. وسلبوا من انسان دلمون انسانها .. سيذكر التاريخ ان شعبا طيبا كان يسكن هذه الأرض .. سيذكر ان هذه الأرض كانت جنة من نخيل واعناب .. وزرع وعيون ..وفاكهة مما يشتهون .. وبحر كانوا يأكلون منه لحما طريا ويستخرجون منه حليه يلبسونها .. كان يا ما كان جزيرة اسمها البحرين

    • زائر 1 | 3:13 ص

      منى فضل

      الأستاذ الفاضل قاسم
      كتابة التاريخ أو إعادة كتابته عبر الرواية وغيرها من خلال سردية التجارب الشخصية ولكي تكون شواهد ذات قيمة مضافة للوطن، تتطلب التوافر على عدة التواضع والتجرد من الولاءات الضيفة للنفس والنافية للآخر، الموضوعية والعقلانية والأهم الحقانية واجتناب المبالغة والحقد والحرص على توصيل رسالة تصب في مجرى إصلاح الوطن والارتقاء به وليس هدمه، فعملية الهدم سهلة، بيد إن البناء عمل مضني وشاق بحاجة لجهود تتمع بالمصداقية والنضج حتى في كتابة التجارب الشخصية. يعطيك العافية
      منى فضل

    • بريد الشوق | 9:16 م

      شكرًا على التوضيح

      شكرًا للكاتب على توضيح الخلل وفقد كان البتر واضحًا و عمومًا لكل جواد كيوة دمت بألف خير

اقرأ ايضاً