إن الكتابة الأدبية التي تسجل مشاهد من التاريخ، من أنجح السبل لإحياء الذاكرة أو على الأقل «ترميمها»، حسب حسن مدن، وهي كفيلةٌ بتسجيل الكثير من القضايا والأحداث وحفظها من الضياع.
من المثير أن «سيرة» مدن، في مجملها تبدو إحساسا عميقا وحادا بما يفعله الزمن في أرواحنا، بما يتجاوز كثيرا ما يفعله بالأجسام... فهذه الوقفة التي يتأمل فيها المرء ما انقضى من عمره أشبه بـ «الوقوف على شرفةٍ تطل على وادٍ بعيد».
تجربة الكتابة الأدبية تكتسب أهميتها المضافة في حالة المجتمع المهووس بالسياسة العقيم، والمصاب بمرض فقدان الذاكرة، أو قصر رؤيتها، فتعيد الأجيال السير على الدروب المطروقة نفسها، دون أن تراكم خبراتها أو تختصر معاناتها بعدم تكرار العثرات والأخطاء والدروس المرة. وهو من أخطر الأمراض التي تصيب الشعوب فتعمّق من ظاهرة عدم تواصل الأجيال، فكل جيل عليه أن يحمل على ظهره صخرة سيزيف.
الكتاب يثير شجنا إضافيا، وهو الانشغال باليومي والطارئ والمستعجل، والغرق الجماعي في لجة السياسة، التي لا تترك لك مجالا للتفكير أو التفرّغ لإنجاز المشروعات الكبرى التي تأخذ طريقها نحو التأجيل سنة بعد أخرى.
البحرين من بين دول الخليج كانت تمثل حالة سياسية متوهجة من قديم، والحركات السياسية الحديثة الناشطة، بشقيها الوطني والإسلامي، التي حملت على عاتقها أعباء النضال من أجل غدٍ أفضل، خلال عقود طويلة تناهز الخمسين عاما، تبدو مُقِلّة في تسجيل تجاربها وحفظ تراثها ونقل دروسها لمن يأتي من أجيال. فرغم هذه الطوابير الطويلة التي استضافتها المنافي والسجون، من مختلف الأطياف البحرينية الساعية لغدٍ أفضل، إلاّ أن ذلك لم ينتج أدبا كبيرا يضعه على خريطة الأدب العربي، بحيث يستجلب الاهتمام.
الأدب الحيّ عادة ما يتغذّى على الألم والعذابات، ولدى التيارات السياسية البحرينية من ذلك الكثير، فما الذي يمنع من أن تأخذ القصة البحرينية مكانها تحت الشمس؟
ربما التجربة الشعرية أخذت مداها وحقها من الظهور، خصوصا لجهة بروز أسماء كبيرة على مستوى الوطن العربي، إلا أن القصة والرواية مازالت تمشي على استحياء... وأرجو ألا أكون مخطئا في هذا التقدير.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2582 - الأربعاء 30 سبتمبر 2009م الموافق 11 شوال 1430هـ
هذا اذاكان الهدف نبيل
بالطبع هذا هدف نبيل اذا كان المقصود منه احياء الذاكرة الوطنية والتي يجب ان يستمد منها الجيل الحالي المنقسم على حاله بين الماديات وزيف الدنيا الزائل وبين السياسة العقيمة التي لاتريد خير لهذا الوطن وانتم ككتاب تتحملون جزء من هذه المسئولية لكن ليست أي مسئولية فالحيادية والموضوعية مطلوبة لكي تصل الكلمة الى العقول فتنيرها بدل أن يتقيء البعض على أنجازات الوطن وذم طائفة بحالها دون الأخرى وهنا يكمن الخطر الذي يجب أن يتوخها كل ذي بصيرة وبعده كلنا نبكي على اللبن المسكوب.