العدد 2582 - الأربعاء 30 سبتمبر 2009م الموافق 11 شوال 1430هـ

مجالس ومحابس!

مريم الشروقي maryam.alsherooqi [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

الكل يعلم بقِدم عادة المجالس في المجتمع البحريني، وكلنا نهتم بوضع المجالس البحرينية في الآونة الأخيرة، ولكن ليس الكل على علم بقِدم بعض المجالس وما تحويه من تكتّل اجتماعي مهم في حياتنا العامة.

وإنني اليوم سأتكلّم عن مجلس صغير في مدينة الحد، استقطب الكثير من الشخصيات والتجمّعات والتكتّلات الاجتماعية والسياسية والأيدلوجية، منذ بكورة الصباح - بعد صلاة الفجر - حتى انتهاء المساء، وشهد أحداثا بحرينية وخليجية وعالمية، وعاصر ثورات وانتصارات وانهزامات.

للأسف الشديد أصبح هذا المجلس كهلا إلا على داخليه، وأصبح منبوذا إلا على محبّيه، ومازالت عادة - فنجان القهوة وشاي الحليب - بعد صلاة الفجر، واستعراض الأحاديث حيّة إلى يومنا هذا.

ولكن عادة فنجان القهوة وشاي الحليب وتبادل الأحاديث لم تكن سهلة في يوم من الأيام، إذ إنّ راعية المنزل هي من تقوم على إكمال ما قامت به أم زوجها وجدة زوجها وهكذا دواليك، فهي تقوم قبل أذان الفجر، وتصلّي ركعتيها وتنتهي بصبّ شاي الحليب وقهوة الصباح الطازجة، حتى إذا جاء رفاق المسجد انشرح صدرهم برفاق المجلس.

عادة جميلة من مجلس لا يدخل به إلا أهل الخير، فلقد انشغل من يدخله بالتحدّث عن ظروف المجتمع وحاجات الناس، وفي بعض الأحيان يتجادل الإخوة فيما بينهم إلى أن ينتهوا بود من مجادلة شرسة وجارحة فيما بينهم.

ناهيك عن دروس الذكْر التي تنوّر المكان، وتجعل صاحبها دوما مرتبطا بالله، ولا يخرج من هذا المجلس إلا معطّرا بالحسنات، ولا يكسي جسده إلا ثوابا وخيرا ومكرمات.

حتى إنّه من كثر تعلّق صاحبة الدار بمرتادي مجلس زوجها، بكت بكاء مريرا عندما توفي أحد رجالات الحد الأوفياء المسمّى حسن عبدالله غلوم - رحمه الله -، الذي كان وفيّا قبل أي شيء لهذا المجلس الصغير.

هذه الكيمياء لم نجدها إلا في هذا المجلس الصغير، فالأم تجد سعادتها بازدياد عدد النعل والأحذية، وطارت من الفرح في يوم من الأيام بسبب دخول إمام المسجد النبوي لمجلس راعي بيتها، وحظيت بالدعاء الطيّب من قبله ومن قبل مرتادي الدار.

ولكن قبله كان ذلك الدعاء من رفيقة عمرها قبل وفاتها، عندما دعت لها بعدم انقطاع هذه العادة الجميلة النادرة في مجالس البحرين، والتي لا يستطيع البعض أن يفهم ماهيتها أو معناها لأهل البيت.

فلقد سمعنا الكثيرين ممن ينتقدون هذه العادة، ويخبرون العجوز الكريمة بأنّ ما تقوم به ما هو إلا تبذير وزيادة مصاريف، وبعضهم يقول «من له بارض في استقبال الناس في هذا الوقت من اليوم بالذات»، وآخرون انصرفوا إلى أن هذه العادة ستندثر في يوم من الأيام.

أوَتعلمون ما علّمنا هذا المجلس؟

لقد علّمنا مباشرة الناس وحسن استقبالهم وكيفية التعامل معهم، ومعرفة الخبيث والطيب منهم، بل وطرح البركة على أهل الدار ومرتاديه، وعلّم أهله ما لم يستطيعوا أن يتعلّموه من الكتب، لقد تعلّموا الكرم وحسن الخلق الذي هو من مكارم الأخلاق.

هل يلقي الإعلام الضوء على هذه المجالس التي يرتادها الناس في الصباح الباكر؟

وهل يعزّز الدور الذي يقوم به هذا النوع من المجالس في طمأنة الناس وفضفضة الهموم وسماع الشكاوى؟!

أم إنّ مجالس المحابس والمباخر والفشخرة الكذّابة هي التي تلقى صداها هذه الأيام، فالغريب والعجيب أنّ مجالس المحابس هي في الصورة دوما، أما مجالس الرجال فهي خلف الكواليس ولا يعرفها إلا فئة قليلة ممن عرف عنهم الرجولة الحقيقية في يوم من الأيام.

إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"

العدد 2582 - الأربعاء 30 سبتمبر 2009م الموافق 11 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 7:39 ص

      آل الشروقي اهل الكرم مذو الدم

      شكراً لإجدك عبدالله ومن بعده ابوكي محمد على هذا المجلس العامر الذي ينبع منه الكرم وحسن الضيافه لأهل المنطقه والخايج.
      وامكي تفرح عندما يزور المجلس الشيخ محمد ايوب.

    • زائر 4 | 7:54 م

      أ.مريم

      شكرا على مقالاتك التي تفوق الروعة وأنا احدى معجبيكي في المدرسة

    • زائر 3 | 11:56 ص

      إهداء للشيخ جاسم السعيدي

      (أحد رجالات الحد الأوفياء المسمّى حسن عبدالله غلوم - رحمه الله -، الذي كان وفيّا قبل أي شيء لهذا المجلس الصغير.)
      ألأستاذة مريم: أشكرك على المقال الذي يبعث على الحنين لعادات وأخلاق الطيبين من مواطني البحرين الأصليين. وأهدي الفقرة اعلاه من المقال إلى النائب (الشيخ) جاسم السعيدي وغيره ممن يستهزئون بإسم (غلوم) ويعتبرون صاحبه إيرانياً مجنساً، وهذا خطأ فادح بحق شريحة كبيرة من المواطنين- وأنا منهم ولي الفخر- ولدوا وآباؤُهم على هذه الأرض الطيبة التي أخلصوا لها ولم يعرفوا وطناً ولا امّاً غيرها.

    • زائر 2 | 5:03 ص

      مجالس لوول

      الله على مجالس لوول انسة مريم ، كانت تربي الأجيال أما مجالس الساعات و محابس اليد ما تربي بل تخرب الصغار و الأجيال .... أحسنت

    • زائر 1 | 5:01 ص

      أم علي

      أختي الحبيبة مريم ، مشكورةعلى المقال ، ويا ليت وزارة الاعلام تحط بالها على هذه المجالس القليلة ، أعرف هذه العادة التي كانت تربي الصفار قبل الكبار ، تعلمهم احترام الوقت وتأدية صلاة الفجر و التحدث في امور الدنيا ، فيخرج الصغير واععي وعلى عقلية جميلة ، أما الآن فيا حسرة على الصغار و الكبار !!!!

    • البدر البحريني | 4:22 ص

      شكر وتقدير لكاتبة المقال

      السلام عليكم
      ان اطر التواصل فى الماضي والحاضر هو المجلس الذي يكون فى البيت وهذه الظاهر للأسف الشديد بدأت فى التقلص شيئا فشيئا فيا حبذا تعود ايام
      هذه المجالس العامره بالناس اصبح التسكع فى الطرقات هو الحل فى نظركم !!!!!
      ونسيينا مجالسنا الجميله وما تحمله من كلام طيب بين اصحابها اتمنى ان نتدارك ما بقي منها
      ولكم كل التحايا
      الشكر الجزيل لك اختي الفاضله الأستاذه مريم الشروقي على هذا المقال الممتاز .
      اخاااك البدر البحريني

اقرأ ايضاً