العدد 2580 - الإثنين 28 سبتمبر 2009م الموافق 09 شوال 1430هـ

دوامة معركة فك الارتباط بالدولار

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أكدت الكويت مرة أخرى عدم جدوى ربط عملتها بالدولار الأميركي. جاء ذلك على لسان محافظ البنك المركزي سالم عبدالعزيز الصباح لصحيفة «أوان» الكويتية موضحا، أيضا، بأنه ليس هناك داع «أو فائدة خلال هذه المرحلة يمكن تحقيقها بالتخلي عن السياسة الحالية لربط سعر صرف الدينار الكويتي بسلة خاصة من عملات أهم الشركاء التجاريين والماليين لدولة الكويت».

وكانت الكويت والتي تعد رابع أكبر دول العالم مصدرة للنفط والتي تسدد ثلث قيمة وارداتها باليورو الأوروبي، قد فكت ارتباط عملتها بالدولار الأميركي في العام 2007، كي تصبح هي وسلطنة عمان الدولتان الوحيدتان من بين دول مجلس التعاون الخليجي غير المرتبطتين بالدولار كعملة دولية.

ليست الكويت هي الدولة، أو حتى المؤسسة الوحيدة التي باتت تدعو لفتح النار على استمرار ربط العملات المحلية بالدولار، ومن ثم ضرورة البحث عن بديل عالمي لعملة وطنية واحدة مثل الدولار، تسيطر على العلاقات المالية في الأسواق العالمية، فمؤخرا نادت لجنة متخصصة تابعة للأمم المتحدة، وشاركتها في تلك الدعوة دول مثل الصين وروسيا ذات الموقف.

في الوقت ذاته لا يمكن لأحد أن يلوم الكويت على هذا القرار، فوفقا لتقرير اقتصادي نشرته وسائل الإعلام السعودية في مطلع العام 2008، «تكبدت اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي خسائر بنحو 60 مليار دولار خلال العام 2007 جراء ارتباط قيمة عملاتها بالدولار الأميركي الذي انخفضت قيمته في العام 2007 بنحو 10 فى المئة، وقدرت الخسائر التي لحقت بدول الخليج تشمل مبلغ 37 مليار دولار بسبب انخفاض قيمة صادراتها الفعلية و23 مليار دولار على هيئة ارتفاع قيمة وارداتها الفعلية».

مقابل ذلك تواصل واشنطن جهودها من أجل استمرار بقاء الدولار متفردا بدور العملة العالمية، وبقدر ما تعتمد الولايات المتحدة على قوتها العسكرية في فرض سيطرتها على العالم، كذلك تحاول أن تستخدم الدولار في بسط نفوذها على حركة المال العالمية.

وتعود جذور هذه السياسة إلى نهايات العقد الرابع من القرن الماضي، وفيما كانت الحرب الكونية تقارب على نهاياتها، التقى في العام 1944، في مدينة بريتون أند وودز الأميركية، ممثلو 44 دولة من بينهم دول صناعية مثل بريطانيا وفرنسا، وكذلك بعض الدول النامية مثل مصر والهند، ومعهم جميعا الكتلة السوفياتية، كي يضعوا حينها أسس نظام الاقتصاد العالمي الجديد. كانت الولايات المتحدة، وقتها الدولة الوحيدة التي خرجت من الحرب سليمة من عمليات الدمار التي سببتها المعارك الحربية وقادت إلى تدمير البنية التحتية للدول الصناعية، بمن فيها تلك المنتصرة مثل فرنسا وبريطانيا. بل ولربما قادت تلك الحرب، بخلاف ما قد يتصوره البعض، إلى تقوية الاقتصاد الأميركي، الذي كان وقتها في قمة ازدهاره.

أدت الظروف التي ولدتها الحرب، إلى انتصار مشروع النظام الاقتصادي العالمي الذي قدمه «وايت» الأميركي، على ذلك الذي تقدم به «اللورد كينز» البريطاني، رغم أن كلاهما كان يسعى لإصلاح النظام الاقتصادي العالمي، وانتشاله من أزمته التي ولدتها الحرب الكونية الثانية. وهكذا أقام مؤتمر بريتون أند وودز النظام الاقتصادي العالمي على ركائز ثلاث أساسية هي: مؤسستان عالميتان هما صندوق النقد والبنك الدوليين، والركيزة الثالثة كانت الموافقة على الدولار كعملة احتياط دولية. وأصبح الدولار، وبحكم كميات الذهب الضخمة المتوافرة في خزينة الدولة الأميركية حينها العملة العالمية، أدى ذلك لأن تصبح قيمة الدولار محكومة بمعادلة تجعل من كل 35 دولارا مساويا لأوقية ذهب.

استمر العمل بهذه المعادلة حتى العام 1971، عندما أعلن الرئيس ريتشارد أن قيمة الدولار لم تعد بعد الان مرتبطة بالذهب، متباهيا بأن «قيمة الدولار تحددها قوة الاقتصاد الأميركي نفسه».

من ذلك التاريخ واجه الدولار تحديا حقيقيا تمثل في خروج عملات قوية جديدة من مستوى اليورو الأوروبي، واليوان الصيني، وكلاهما، وخاصة اليوان يرتكز على اقتصاد ديناميكي ويحمل مقومات النمو والتطور، تضافر ذلك سوية مع تراجع قيمة الدولار، وخصوصا منذ مطلع هذا القرن التام. فالصين واليابان ودول جنوب شرق آسيا تحاول ان تبقيه على قيد الحياة طالما انها تواصل تصدير سلعها وخدماتها إلى الولايات المتحدة بديون أو بدولارات مغطاة بسندات خزانة تدفع هي ثمنها.

مقابل هذه الحالة المتردية التي يتخبط فيها الدولار، هناك إدراك دول مثل الصين ومعها اليابان أيضا وسواها من الدول الدائنة للولايات المتحدة ان التخلي عن الدولار، قد يقود إلى انهيار الدولار ومعه الاقتصاد الأميركي، ومعهما سوية تذرو الرياح ديون تلك الدول. هذا يجعل هذه الدول ومن أمام معضلة حقيقية بين الاستمرار في ربط عملاتها بالدولار، أو عتقها منه.

من الطبيعي أن تعيد هذه الدول حساباتها، تماما مثلما عملت الكويت، من أجل التوصل إلى قرار سليم بشأن العلاقة بين عملاتها وبين الدولار، وإلى أن يتم ذلك يبقى الدولار طريح الفراش بانتظار من ينقذه من أزمته التي قد تقوده إلى الهاوية. ومن الصعوبة بمكان الحديث عن علاج جذري للدولار بعيدا عن مشروع عالمي يطمح إلى إصلاح النظام المالي الدولي، يأخذ في الحسبان تحقيق علاقة عادلة وشاملة وقادرة على الحياة والاستمرار.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2580 - الإثنين 28 سبتمبر 2009م الموافق 09 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً