تنعقد الدورة الرابعة والستون في ظل ظروف دولية متسارعة، تشهد خلالها العلاقات الدولية مرحلة دقيقة مهمة، مرحلة أصبحت فيها التحديات التي تواجهنا كبشر، أكبر وأكثر من أي تحديات تواجهنا كشعوب وأعراق أو أتباع ديانات مختلفة، مرحلة يهددنا فيها المرض، والجوع، وتغير المناخ، فيما نجد عالمنا منشغل في خلافات وصراعات وحروب لا طائل لها.
إن إيماننا بالانفتاح والتسامح والتنوع ورفض العنف والتطرف، يتطلب منا أن نبدأ بتحرير الأفكار والتخلي عن الأنانية والتعصب، لتهيئة الأجواء المستقرة نحو استبدال الصراع بالحوار والخلافات بالتراضي والعنف بالإقناع، وذلك من أجل توسيع تحالفاتنا التي تتطلب المزيد من التواصل، وبذل جهود أكبر للتسامح مع من لا يشاركوننا قيمنا وأفكارنا. فهناك قضايا ذات طبيعة جدلية وفلسفية لا يمكن التعامل معها بأي حال من الأحوال، إلا من خلال استعداد كل طرف للانفتاح والتعايش مع الآخر وتحييد تأثير الأفكار والمفاهيم المسبقة، فوجود أرضية للتفاهم المشترك، تساعد على خلق عالم أكثر تقدما وابتكارا وأمنا، مبني على التسامح والحوار البناء والتعايش الإنساني.
وفي الوقت الذي يتحول فيه العالم إلى قرية صغيرة، تتقارب فيها الأبعاد والمسافات بسبب التقدم التكنولوجي وثورة الاتصالات التي أزالت الحواجز والحدود، نرى أن هذا الترابط العالمي يصطدم بتشتت سياسي، تضاربت فيه اتجاهات الدول سعيا وراء مصالحها الذاتية، وهو ما يتطلب منا جميعا وضع استراتيجيات عملية للمستقبل تضمن مصالح الجميع، وذلك من خلال عقلية قادرة على استيعاب هذه المتغيرات وتوظيفها لخدمة الإنسانية وضمان استقرار أمن العالم، إذ إن ضمان أمن العالم لا يمكن أن يتم من قبل القوى العظمى وحدها. ذلك لأن التهديدات التي نواجهها أضحت تهديدات أكبر وأعظم حجما وانتشارا عن ذي قبل، الأمر الذي يتطلب تحالفا أوسع بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ودعم المنظومة الدولية لتحقيق مصالح المجتمع الدولي ككل بالتوازي مع وضع سياسات وطنية لمواجهة هذه التهديدات والمشاكل والقضايا عن طريق التنسيق الثابت والمستمر بين الدول لأن المهمة الملقاة على عاتقنا اليوم، تتطلب مناقشة مختلف التهديدات والمشاكل والقضايا المحيطة بعالمنا، في إطار مراعاة الظروف التاريخية وقيم وأفكار مجتمعاتنا واستعداد كل طرف للتبصر وتفهم واستيعاب ظروف الآخر وخصائصه، والعمل على مكافحة الكراهية والتعصب.
إن مملكة البحرين التي كانت ومازالت، ملتقى لمختلف الحضارات والثقافات والديانات والأعراق والتي انتهجت مفاهيم التسامح والتعايش والانفتاح على الآخر عبر العصور، لتؤمن بضرورة إيجاد وسائل لتقريب وجهات النظر بين الثقافات والحضارات وبناء ثقافة السلام بين الشعوب.
ومن هذا المنطلق. فإن تسوية الصراعات بنهج السلم هو من صلب قيمنا وأخلاقنا، القائمة على مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف. وليس هناك خلاف عانينا منه ومن طول مدته على أجيالنا الحالية، كالصراع العربي الإسرائيلي بكل تداعياته الذي ما يزال مستمرا لأكثر من ستين عاما. وما خلفه حتى الآن من بؤس ومعاناة إنسانية كبيرة، سممت العلاقات الإقليمية والدولية، وأصبحت تزيد بين وقت وآخر من حدة التوتر والعنف والمواجهات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط. وكم حاولنا... وحاولنا لحل هذا الخلاف المزمن وفشلنا. نعم عقدت المؤتمرات تلو المؤتمرات وقدمت المبادرات تلو المبادرات. إلا أننا لم نحاول إيصال ما نريد إلى عقول وقلوب وبيوت المقصودين من شعوب المنطقة. هذا هو جوهر الطرح الذي قدمه صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ولي عهد مملكة البحرين في مقاله المنشور في الواشنطن بوست بتاريخ 16 يوليو/ تموز 2009م، الذي يمثل إسهاما حقيقيا نحو الوصول إلى رؤية عملية لحل هذا الصراع. وهنا أقتبس، «إن خطأنا الأكبر هو أننا افترضنا أن باستطاعتنا تحقيق السلام كإشعال مصباح كهربائي، والحقيقة هي أن السلام عملية مبنية على فكرة جيدة، لكنه يتطلب أيضا قدرا كبيرا من الاتصال والتواصل الذي يستهدف على نحو متأن ومستمر جميع الأطراف ذات العلاقة».
إن المتأمل في هذا الطرح، يدرك المفهوم الصحيح لمعالجة الصراع العربي الإسرائيلي، وهو إيصال مبادرتنا العربية للسلام إلى الشعب الإسرائيلي بأسهل وأسرع الطرق عن طريق مخاطبته مباشرة عبر وسائله وأجهزته الإعلامية. وبهذا الأسلوب العملي نستطيع أن نتلمس طريق السلام.
إن الحكمة، تتطلب منا اليوم استخدام وسائل الإعلام والاتصالات المتوفرة حاليا بنظرة واعية وحكيمة، وذلك من أجل خلق القنوات والهياكل التي تمكننا كقادة وحكومات ومجتمع مدني، من تهيئة المناخ الصالح والقوة الدافعة لتحقيق السلام المنشود.
فالحوار بات اليوم قضية إنسانية عالمية دائمة الحضور في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية. كحوار الحضارات وحوار الثقافات وحوار الأديان. جميعها تعمل في دائرة إثراء العطاء الإنساني من أجل التعايش السلمي، باعتباره الوسيلة المثلى للعلاقات بين الشعوب، والمرتكز الأساسي لإزالة أسباب التوتر والصراع والفرقة.
إن عملية السلام في الشرق الأوسط، تستوجب منا المزيد من النشاط السياسي والدبلوماسي لتحقيق حل الدولتين، فلسطين و»إسرائيل». في إطار تسوية شاملة وعادلة، وعلى أساس الأمن المتكافئ لشعوب منطقة الشرق الأوسط كافة.
وفي تقديرنا فإن الفشل في وضع نهاية لهذا الصراع يعود في الأساس إلى عدم تناوله وفق منهجية قائمة على العدل والتوازن وغياب الصورة الواضحة للحل النهائي. وكلنا يدرك المدى الذي ذهب إليه الجانب العربي في التأكيد على خيار السلام كهدف استراتيجي لا رجعة عنه. ولقد جاءت مبادرة السلام العربية لتؤكد ذلك دون لبس أو مواربة، وإن ما نتوقعه من المجتمع الدولي والدول المؤثرة الكبرى، هو أن تقوم بدفع «إسرائيل» إلى وقف بناء المستوطنات وإزالتها من الأراضي المحتلة العام 1967، وتحديد حدود دولة فلسطين وعاصمتها القدس. تعيش جنبا إلى جنب. مع دولة «إسرائيل»، والانسحاب من الجولان السوري المحتل والأراضي اللبنانية، وذلك وفقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومتطلبات خريطة الطريق ومبادرة السلام العربية.
وهنا أنوه بالتقدير بما ورد في خطاب فخامة الرئيس باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأميركية، الذي ألقاه من هذا المنبر ونعتبره مرجعية لإطلاق عملية السلام من جديد في الشرق الأوسط، والذي أكد فيه بوضوح الحاجة إلى استئناف المفاوضات بشأن قضايا الوضع النهائي وهي الأمن للإسرائيليين والفلسطينيين والحدود واللاجئين والقدس، ورفضه لاستمرار النشاط الاستيطاني الإسرائيلي غير الشرعي في الأراضي الفلسطينية وصولا إلى إقامة الدولة الفلسطينية المتصلة والقابلة للحياة.
إن من جملة التحديات التي تعيشها منطقتنا أيضا، والتي تشكل مصدر قلق مشترك لنا جميعا، انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط والخليج. وإذا كان البرنامج النووي الإيراني يعتبر أحد مسببات هذا القلق المشترك، فإن أسلوب التعامل مع هذا البرنامج النووي الإيراني يجب أن يتم بطريقة تجنب منطقتنا مخاطر المواجهة وذلك بالتأكيد على النهج الدبلوماسي في معالجته.
وبناء عليه، فإن مملكة البحرين تجدد مطالبة المجتمع الدولي طبقا لقرار مجلس الأمن 1887(2009) بالعمل الجاد لجعل منطقة الشرق الأوسط بما فيها منطقة الخليج خالية من الأسلحة النووية ومن جميع أسلحة الدمار الشامل، بما يدعم كل ما من شأنه أمن ورخاء شعوب المنطقة والعالم أجمع ومطالبة «إسرائيل» بالتوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية تحقيقا لعالميتها. وإخضاع جميع المنشآت النووية لجميع الدول في منطقة الشرق الأوسط وأنشطتها لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع الإقرار بالحق المشروع للدول بامتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية في مختلف المجالات التي أضحت ضرورة تخدم برامجها التنموية وتنوع مصادر الطاقة لديها في إطار الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
هناك مسائل إقليمية هامة أخرى تشغل بالنا جميعا، في مقدمتها الأوضاع في العراق الشقيق، الذي لابد من التأكيد على سيادته ووحدة أراضيه وعدم التدخل في شئونه الداخلية، وإدانة كل الأعمال الإرهابية التي ترتكب في حقه، بهدف زعزعة أمنه واستقراره وتأجيج الطائفية البغيضة فيه. ومن أجل تعزيز بناء الثقة في علاقات دول مجلس التعاون بإيران، فقد أصبح ضروريا حل قضية الجزر المحتلة لدولة الإمارات العربية المتحدة وذلك من خلال المفاوضات المباشرة أو إحالتها إلى محكمة العدل الدولية. كما نؤكد الحاجة إلى إيجاد جهد إقليمي ودولي مشترك لمساعدة اليمن الشقيق وبإشراف من الأمم المتحدة فيما يتعلق باللاجئين الذين يثقلون كاهله يوما بعد يوم، ليتفرغ إلى التنمية وفي ظل استتباب الأمن والاستقرار. أما في السودان الشقيق فينبغي الحفاظ على أمنه واستقراره ووحدته، ونتطلع إلى تعاون جميع الأطراف لتسوية النزاع في دارفور تحقيقا للسلام المنشود. ونناشد المجتمع الدولي أن يضطلع بمسئولياته تجاه الوضع في الصومال، الذي أدت مشاكله الداخلية وضعف حكومته المركزية إلى انتشار القرصنة البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب، مما يعرض التجارة والملاحة الدولية إلى مزيد من الأخطار. كما تعيد مملكة البحرين موقفها الثابت بسيادة المملكة المغربية الشقيقة على كامل ترابها الوطني، داعية المجتمع الدولي إلى مواكبة مسار التفاوض الجاري حاليا بين الأطراف الذي أطلقه مجلس الأمن. وذلك من أجل المحافظة عليه وتفعيله.
ولما كان السلام والتنمية، هما هاجس هذا العالم، فمن الطبيعي أن يشعر الإنسان بخيبة الأمل وهو يرى تدهور البيئة وتفشي الأوبئة والأمراض وأخطار التصحر والفقر وندرة المياه وتآكل طبقة الأوزون وتغير المناخ والأزمة المالية العالمية. جميعها تحديات تهدد حاضرنا ومستقبل الأجيال القادمة. ولا نبالغ إن قلنا إن مصائرنا في القرن الحادي والعشرين مرتبطة بعضها بالبعض. وعليه فلابد من تكثيف جهودنا لمواجهة هذه الأخطار العالمية التي أضحت تهدد الإنسان كل يوم في صحته وغذائه وأمنه.
وفي هذا الإطار، قامت مملكة البحرين في مايو الماضي وبالتعاون مع الأمم المتحدة وبحضور معالي الأمين العام للأمم المتحدة، بتدشين تقرير التقييم العالمي بشأن الحد من أخطار الكوارث لعام 2009م لحماية الأرواح والممتلكات من ظاهرة الكوارث الطبيعية والاحتباس الحراري والزلازل والفيضانات وارتفاع مستوى منسوب مياه البحر.
ونأمل في أن تلعب الدول الصناعية الكبرى دورا رئيسيا من أجل إبرام الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ، في مؤتمر الأمم المتحدة الذي سيعقد بكوبنهاغن في ديسمبر/ كانون الثاني المقبل، للتخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة لحماية كوكبنا. والتمكن من حشد الإرادة السياسية اللازمة لمواجهة التهديد العالمي المتزايد الخطورة للبشرية وجعل عالمنا أكثر أمنا واستدامة.
وفي هذا السياق. تود مملكة البحرين كونها إحدى الدول الجزرية الصغيرة النامية، الإعراب عن قلقها البالغ إزاء العلاقة بين تغير المناخ وارتفاع منسوب مياه البحار، الأمر الذي يشكل خطرا محدقا بعالمنا. ونشاطر بقية أعضاء مجموعة الدول الجزرية الصغيرة النامية موقفها فيما يتعلق بالأضرار التي ستلحق بها من جراء ارتفاع معدل درجة الحرارة الذي يمكننا التعايش معه.
واختتم بالقول... إن الأجواء الجادة التي اتسمت بها دورتنا، والمناقشة المسئولة التي دارت منذ انطلاقة قمة تغير المناخ وقمة مجلس الأمن مع بدء أعمالنا في الأسبوع الماضي، تؤكد من جديد العودة إلى روح الميثاق باعتبار الأمم المتحدة المنظومة الأساسية للتعاون الدولي المتعدد الأطراف لمعالجة قضايا العصر المتنوعة. فلم تعد الأمم المتحدة مجرد الأداة الدولية المسئولة عن صيانة السلم والأمن الدوليين فحسب. بل أصبحت أيضا الجهة الرئيسية التي أنيطت بها مسئولية تنسيق المواقف وتضافر الجهود لدرء الأخطار المحدقة بالإنسان والبيئة والحد من الفقر والتصدي للأمراض وإنهاء النزاعات والحروب. عن طريق الحوار والتفاوض والتسوية وغيرها من الوسائل السلمية، في عالم مبني على التسامح والتعايش الإنساني لسلامة وأمن الأجيال الحالية والمقبلة.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ خالد بن احمد"العدد 2580 - الإثنين 28 سبتمبر 2009م الموافق 09 شوال 1430هـ
كيان صهيوني وليس دولة
(((((((((((( وتحديد حدود دولة فلسطين وعاصمتها القدس. تعيش جنبا إلى جنب. مع دولة «إسرائيل»، ))))))))))))))
اي دولة الي تتكلم عنها ؟!
انها كيان صهيوني
ونحن كشعب البحرين لا نعترف بهذا الكيان كدولة