وكأن الخطب جاهزة... والتصريحات معلبة مبوبة، والنعيق في المنتديات الإلكترونية الطائفية سيئة الصيت للمناداة بطرد طائفة بأكملها من البلاد ورميها في قاع الشقاء والعناء... أقول، كأنها كانت على أهبة الاستعداد! فما أن تقع واقعة أو يحدث أمر أمني، أو حتى مرور سحابة صيف عابرة، إلا وانبرى (نفر قليل عديم الفائدة والتأثير) لمطالبة الدولة بـ(إعدامهم كلهم)... (تسفيرهم كلهم)... (حرمانهم كلهم)... لأنهم كلهم (خونة) يوالون إيران، وهم ليسوا سوى أحفاد ابن العلقمي، رمز الخيانة الشيعية التاريخية العظمى التي لا يمكن نسفها!
وكأن الدولة ستستمع لهم؟ وتطلق عبارة «شبيك لبيك» لمطالبهم؟
نعم هي لن تستمع لهم، لكن من الخطأ السكوت عنهم؟ وتتركهم يثيرون فتنة تلو الفتنة، في منابر الجمعة وفي التصريحات الصحافية وفيما خفي عنّا وعن أعين أخرى!
ولابد من التأكيد مرة تلو المرة، على أن من تثبت إدانته في أعمال الشغب والتخريب وتعريض أمن البلاد والعباد للخطر أيا كان انتماؤه الطائفي، فيجب أن يلقى أشد عقوبة وفقا للقانون، بعد حصوله على محاكمة عادلة، لكن أن تنشط بعض الأقلام من الزملاء كتّاب (الأنواط) وخصوصا الضيوف على البلاد منهم، أو يتفوه بضع خطباء عُرفوا بالفتنة من أصلهم، أو أن ترتفع الأصوات الخفية في منتديات نتنة لدعوة الدولة الى استئصال أبناء الشيعة وحرمانهم وإعدامهم وقتلهم وتدمير مساجدهم التي لا توحد الله سبحانه وتعالى، وهدم حسينياتهم التي يمارسون فيها الرجس والشرك والضلالات، فإن في ذلك، والخطاب أوجهه إلى قيادتنا الرشيدة، وإلى كبار المسئولين كل في موقعه... في ذلك تأجيج وَقْعُهُ أشد من أصوات المفرقعات واسطوانات الغاز، وأشد من أفكار المغرر بهم، وأقوى ما يحاك في الظلام والخفاء، سواء ضد الحكومة، أو ضد الشعب...
في العمود السابق المعنون: «بين البحرين وإيران»، استعرت عبارة (ويكفي أن نعود إلى جنيف يوم 11 مايو/ أيار من العام 1970 ونطّلع على الوثيقة التي قدمها مبعوث الأمم المتحدة السير ونسبير بعد الاستفتاء على عروبة البحرين، وهي وثيقة مهمة شاهدة على الولاء الكامل للأرض، وأن الأسرة الخليفية هي القيادة الشرعية لهذه البلاد، ليتم دحض الافتراءات التي يحاول مروجوها النيل من ولاء الكثير من أبناء البلد وإلحاقهم بولاءات مستوردة)... استَرْعَتْ تلك العبارة اهتمام أحدهم ليتصل مرارا وتكرارا ومن قِبَل أكثر من رقم هاتفي ثابت وجوال، ويغيّر صوته، فقط ليشفي غليله بالقول أنـ(كم)خونة، وتسعون لدمار البلاد يا أحفاد ابن العلقمي، وما كلمة الولاء للعائلة الخليفية إلا كذبا وتقية...
دعونا من هذا كله، فما لنا ومجهولي الهوية من الجبناء التي تمتلئ بأسمائهم المستعارة المواقع الإلكترونية والتعقيبات على الأعمدة، ولنذهب مباشرة إلى مجالس أهل البديع والجسرة مثلا كما سنحت الفرصة لي، لنجد كلاما لا يصدر إلا من العقل والقلب البحريني الأصيل، فأولئك الشباب المغرر بهم، سواء أولئك المتهمين في قضية المخطط الإرهابية ثبتت التهمة عليهم أم لم تثبت... وأولئك الذين يحرقون هنا وهناك، وأولئك، في الطرف الآخر، الذين يؤججون الفتنة الطائفية في المناطق السنية ضد الشيعة، هؤلاء كلهم مخطئون لكنهم أبناء البلد، وكثيرا ما أعجبتني مقولة الفنان إبراهيم راشد الدوسري الذي قال واصفا الشباب المغرر بهم: «شباب في هذا العمر، فشباب في هذا العمر من السهل إذا فتحوا آذانهم أن يغرر بهم، لكن في قاع مشاعرهم هم بحرينيون أصيلون».
لا شك في أن المرحلة التي تمر بها البلاد حساسة، بل في غاية الحساسية، وسأعود قليلا الى الاتهام الشهير لنا بأننا أحفاد ابن العلقمي فقد تساءلت كثيرا، ولننظر بتمعُّن في هذا التساؤل: «هل كان هولاكو والمغول، بكل جبروتهم وطغيانهم وقوتهم العاتية، ينتظرون معلومات أو أوامر (أن ادخلوا بغداد أو لا تدخلوها) من ابن العلقمي أو من غيره! ولو افترضنا أنه قال لهم: «لا تدخلوا، فجيش الدولة العباسية سيدمركم تدميرا؟ هل كانوا سيخافون ويرتعدون ويعودون أدراجهم هلعا»...
سقطت بغداد في العام 656 للهجرة، لكن كل اللوم وقع على الحكومة العباسية يا سادة... واقرأوا التاريخ جيدا!
لا يهم أمر التوغل في التاريخ، ولنعش الواقع، والواقع البحريني تحديدا، فثمة مخاوف من كل الأطراف، من أن يزداد تربص المتربصين من الداخل والخارج؛ لكن «خطاب الويل والثبور» الذي يرفعه دعاة نسف طائفة بأكملها في البلاد، لن يكون هو الحل إطلاقا... وأنا شخصيا، أدرك جيدا أن الدولة تدرك الحل، وتعرفه جيدا وهي الثقة بالنسبة لنا، وأعيد العبارة التي أغضبت البعض بصياغة أخرى: «ونوالي الحكومة الشرعية للأسرة الخليفية، كقيادة دستورية»...
للحديث صلة
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2309 - الأربعاء 31 ديسمبر 2008م الموافق 03 محرم 1430هـ