ماذا لو قرّرت سبعة وخمسون دولة إسلامية أن تلتئِم في حلف سياسي عسكري باسم «حلف فلسطين». هذا الحلف كأيّ حلف «جِهَوِي» لديه هيئة أركان مُسلّحة مركزية ومُنسّقا أعلى لسياسته الخارجية.
وبالسّير في الافتراض، يعقد الحلف اجتماعا على مستوى زعماء الدول الإسلامية في مدينة مكّة المكرّمة وتُعلِن بعض دوله (خلال الاجتماع) التي تقيم علاقات سلام مع الكيان الصهيوني قطع علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب وسحب السفراء وتجميد اتفاقيات السلام الثنائية.
وبالتوازي في مجلس الأمن، تتقدم هذه الدول بمشروع مستعجل يطالب بإعطاء الكيان الصهيوني مهلة شهرين لضم الضفة الغربية وقطاع غزّة إلى بقية الأراضي الفلسطينية، وانسحاب القوات الصهيونية من مدينة القدس والبلدة القديمة (سلوان وجبل الطور وجبل الزيتون) والإعلان عن آلية لعودة 5.2 ملايين لاجئ فلسطيني موجودين في الشّتات.
وبالتوازي أيضا تقوم الدول الإسلامية الثريّة في الخليج وجنوب شرق آسيا بسحب ودائعها من المصارف الأميركية، وفك الارتباط بالدولار والعمل بنظام «سلّة عملات» لمواجهة التبعات.
وبالتوازي كذلك تُغلَق المضايق والقنوات الملاحية التي تمتلكها الدول الإسلامية، فيُغلِق المغرب من جانب واحد مضيق جبل طارق لفصل المتوسط عن المحيط الأطلسي، وجنوب أسبانيا عن شمال غرب إفريقيا.
وتُغلق تركيا مضيقي البسفور والدردنيل لفصل البحر الأسود عن البحر المتوسط، وتُغلِق مصر قناة السويس لفصل البحر الأحمر عن المتوسط، وتُغلق دول الخليج وإيران مضيق هرمز لوقف تصدير 40 في المئة من احتياجات العالم من النفط.
وبعد انتهاء الإنذار من دون انصياع تل أبيب تُعلن دول «حلف فلسطين» الحرب على الكيان الصهيوني، وتتوزّع الجيوش في أربع جبهات لإدخال قوات بريّة، الأولى من الأردن والثانية من مصر والثالثة من لبنان والرابعة من سورية، تساندها أسراب من الطائرات المقاتلة وزخّات ضخمة من الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى.
وتوضع مطارات وقواعد عسكرية جاهزة لتزويد الطائرات بالوقود، ويتم تحديد الأهداف، من الرادارات ومنصات الصواريخ والمنشآت العسكرية الأخرى، في حين تبادر قطع بحرية ضاربة بمراقبة حدود فلسطين المائية والمُطلّة على البحر الأبيض المتوسط.
في الداخل الفلسطيني تبادر المنظمات الفلسطينية الجهادية في الضّفة الغربية وقطاع غزة بالتمركز بالقرب من المعابر، وتجهيز الصواريخ والقنّاصة. وقبل ذلك تقوم حكومة وحدة وطنية في الضفّة والقطاع برئاسة محمود الزّهار. بعدها تبدأ نقطة الصفر للهجوم، إلى هنا وتنتهي تفاصيل الافتراض.
كم يبدو هذا السيناريو حالما بالنسبة للكثيرين، لكنه بالتأكيد لم يكن كذلك عندما جيّش جورج بوش الأب ثلاثين دولة لإخراج صدام حسين من الكويت الشقيق في حرب الخليج الثانية، ربما كانت الحسابات مختلفة، وقياساتها أكثر اختلافا.
فإذا كانت المصالح وحدها قادرة بأن تُجمع جيوش ثلاثين دولة في الشرق والغرب لتحرير بلد حُرّ ومستقل، ولديه شعب، فكيف لا تستطيع المصالح ومعها حقوق الجيرة والدين والقومية والتاريخ أن تُعمِلَ المشروع ذاته لدول هي أكثر التحاما وقُربا من غيرها؟! أليس الموضوع أكثر اكتمالا؟!.
في كل يوم تُقضم القضية الفلسطينية وتُميّع، مرة بكامب ديفيد ومرة بأوسلو ومرة بوادي عربة، واليوم يُطلّ علينا بريجنسكي ناصحا باراك أوباما بحل عقدة الصراع العربي الصهيوني عبر «إعطاء تعويضات للاجئين مقابل التنازل عن حق العودة، وبناء دولة فلسطينية من دون جيش ويشارك في حمايتها الحلف الأطلسي».
إن هذا الأمر غير معقول بالمرة، إنه تهجير مُشرعن في عالم صارت عناوينه التحرر وإنهاء العبودية، الجميع يحترم الواقعية وموازين القوى الإقليمية والدولية، لكن الذي لا يُمكن احترامه هو أن تتحوّل هذه الواقعية إلى شكل من أشكال المسخ والاستلاب، وهنا يكمن الفارق
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2309 - الأربعاء 31 ديسمبر 2008م الموافق 03 محرم 1430هـ