اعتمد قادة دول مجلس التعاون الخليجي في ختام اجتماعاتهم أمس، اتفاقية الاتحاد النقدي، المتضمنة الاطر التشريعية والمؤسسية له، كما أقر النظام الأساسي للمجلس النقدي.
لا أحد بوسعه أن ينكر أهمية هذه الخطوة وبعدها الاستراتيجي، كما لا يمكن التقليل من الجهود التي بذلها البعض، وليس الجميع، كي ترى الاتفاقية النور، إذ جاءت بعد مخاض عسير ومسيرة طويلة عرفت الاتفاقية خلالها مراحل من المد والجزر، كانت انعكاسا طبيعيا ومنطقيا لمدى التقارب أو التنافر السياسي الذي كان يسود العلاقات الثنائية بين دول المجلس.
لكننا لابد أن نلفت نظر القارئ إلى أن البيان الختامي للقمة «اعتمد اتفاقية الاتحاد النقدي المتضمنة الاطار التشريعي والمؤسسي له كما اعتمد النظام الاساسي للمجلس النقدي»، لكن تبقى هناك، وكما ورد في البيان الختامي ذاته، ضرورة وأهمية «سرعة المصادقة على الاتفاقية ليتم انشاء المجلس النقدي الذي سيتولى استكمال المتطلبات الفنية للاتحاد النقدي والتهيئة لتأسيس البنك المركزي واصدار العملة الموحدة»، من دون أن يأتي البيان الختامي على أي ذكر لجدول زمني محدد للانتهاء من التوقيع على تلك الإجراءات ذات الطابع الاستراتيجي الذي يضمن سير أعمال الاتفاقية وسلاسة تطبيق بنودها المختلفة.
هذا الترحيب والتفاؤل لا ينبغي أن يعفي المرء من رؤية بعض العقبات التي ستواجه الإتفاقية عند تطبيقها.
العقبة الأولى والأساسية هي الجانب التشريعي. إذ إن هناك دولا خليجية، أو بعض إمارات هذه الدول مثل إمارة دبي، قطعت شوطا كبيرا على مستوى التأقلم والتفاعل مع ظواهر العولمة ومتطلباتها، إلى درجة مست قوانين ذات علاقة بأنظمة حق الإقامة في الإمارة والحصول على سمات الدخول والعيش الدائم فيها التي تتطلبها، وترجم ذلك إلى نصوص قانونية في طبيعة المعاملات التجارية التي تنظم العلاقة بين الشركات التي تمارس أنشطتها في الإمارة أو بينها وبين شركات خارجية.
ولم يخف وزير المالية الكويتي مصطفى الشمالي وجود مثل هذه العقبة حين أوضح أن «الاتحاد النقدي مرحلة تسبق العملة الموحدة التي ستكون لها جداولها الخاصة للوصول للتكييفات القانونية اللازمة لتطبيقها».
العقبة الكأداء الثانية هي عدم الالتزام بما يتم إقراره، فقد تكررت في كل قمة، أو اجتماع لوزراء الصناعة والتجارة الخليجيين، قرارات التعامل بالمثل في تأسيس الشركات المحلية، بمعنى حق أية شركة خليجية قطرية أن تمارس أنشطتها الصناعية أو التجارية بعد استيفاء الشروط المطلوبة من دون الحاجة الإجبارية إلى شريك محلي. لكنه، وباستثناء مملكة البحرين، يصعب القول بتطبيق هذا الإتفاق.
العقبة الثالثة، هي العلاقة مع الدولار، وانقسام دول المجلس بين من فك ذلك الارتباط، وبين المصر على الاستمرار في تلك العلاقة التي أثبتت الأزمة المالية الأخيرة التي عصفت بالإقتصاد الأميركي مساوئها، إذ كيف لإتحاد نقدي، يعالج معاملات نقدية بين عملات تختلف جذريا في طبيعة إصدارها ناهيك عن استخداماتها وآليات تحويلاتها إلى عملات أخرى.
العقبة الرابعة مصدرها التعليم، فإذا غضضنا الطرف عن التكاثر الفطري غير المبرر للجامعات على المستوى القطري، ناهيك عن ذلك الأسوأ على المستوى الإقليمي، فإننا لن نتوقف عند هذه النقطة، لأن هناك ما هو أكثر سوءا منها، هناك تضارب في مواد المقررات التعليمية وفي طرق تدريسها إلى درجة يصعب الحديث عن تخريج جيل خليجي متناغم.
العقبة الخامسة هي غياب مشروعات وخطط التكامل الإقتصادي، فعلى رغم سيادة النفط كمصدر أساسي للثروة، لانزال نشاهد تنافسا عفويا يصل إلى درجة الفوضى عندما نقوم المشروعات التكاملية الخليجية، فباستثناء مشروعات محدودة يمكن أن نعدها على أصابع اليد الواحدة، يصعب الحديث عن مشروع استراتيجي تكاملي، وبالمقابل نجد الكثير من المشاريع، بل وحتى الخطط القطرية المتناقضة إلى درحة تصل إلى مستوى التناحر. ليس المطلوب هنا وقف التطور القطري لمصلحة التطور الإقليمي، وإنما رؤية الأول، إلا في حالات ضرورة قصوى، في إطار النزعة التكاملية مع الثاني.
هذه العقبات جميعها، تضع قادة مجلس التعاون، ومن ورائهم وزراء المالية، ومحافظي البنوك المركزية، أمام تحدٍ جدي إن لم يدركوا أبعاده في هذه المرحلة المبكرة من حياة الاتحاد، فسيجدون أنفسهم امام صعوبات تنفيذية قد تكون كافية لأن تئد الاتفاقية
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2309 - الأربعاء 31 ديسمبر 2008م الموافق 03 محرم 1430هـ