العدد 2579 - الأحد 27 سبتمبر 2009م الموافق 08 شوال 1430هـ

أوّل اختبار لك سيّدي الريّس أوباما

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تَراجَعَ الأميركيون عن الدرع المضاد للصواريخ والذي كان مُقرَّرا وضعه فوق الأراضي البولندية والتشيكية. القرار رُبِطَ آليا بالملف النووي الإيراني وما إذا كان ذلك التراجع حصيلة صفقة يُمكن أن تَضِيْع فيها إيران تحت حوافر الكبار، لكن الأمر بدا أكبر من ذلك.

في المُحصّلة القرار جيد، وإن كان اتخاذه قد جاء نتيجة ضغوط روسيّة صينية والخوف من العودة إلى الوراء فيما يتعلّق بالأمن العالمي. وهو أيضا يأتي في سياق الاختبارات التي على الرئيس أوباما اجتيازها.

ما هو الدرع المضاد للصواريخ National Missile Defense - NMD؟ والذي تراجعت واشنطن عن نصبه؟ باختصار وحسب توصيف وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن عمل الدرع المذكور هو كالتالي:

حين ينطلق صاروخ باليستي مُعادِي (سواء من إيران أو كوريا الشمالية) يبدأ عمل منظومة الدرع المُضاد. في البداية يقوم قمرٌ صناعي خلفي للإنذار المُبكّر يستخدم الأشعّة ما دون الحمراء برصد الصاروخ.

يعقب ذلك قيام رادار أرضي للإنذار المُبكّر أيضا مُتقدّم برصد الصاروخ في مرحلة ثانية، يليه رادارٌ آخر بمركز القيادة والتحكّم يعمل بحزمة إكس، يقوم بتحديد مسار الصاروخ الباليستي للعدو ويُعطيه لمركز القيادة والسيطرة والاتصالات.

بعدها تبدأ المنصّة الأرضيّة بإطلاق الصاروخ المُعتَرِض بتوجيه فضائي يقوم به قمر صناعي يستخدم الأشعّة ما دون الحمراء للوصول إلى الهدف بدقّة. حيث ينفصل جهاز التدمير من على جسم الصاروخ المُعتَرِض خارج الغلاف الجوّي ليصطدم بالصاروخ المعادي ويُدمّره.

باختصار شديد هو عبارة عن مجموعة من المنصّات والشبكات الأرضيّة والجويّة الحمائيّة تبلغ كُلفتها أربعين مليار دولار وتضمّ أنظمة صاروخيّة تُطلَق من الأرض، بالاستناد إلى بؤر إسناد على مساحة جغرافية واسعة تقع على الأراضي البولندية والتشكية لتدمير أيّة صواريخ عابرة للقارات تستهدف الولايات المتحدة الأميركية. هذا من الناحية الميكانيكية.

بطبيعة الحال فإن تناول مشروع الدرع الصاروخي تاريخيا، سيظهر أنه كان مُعدّا منذ بداية عقد التسعينيات، ولكنه تأجلّ عدّة مرات أيّام الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون، حتى أحيته الإدارة الجمهورية برئاسة جورج دبليو بوش وتعزّزت خياراتها فيه أكثر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.

في النّواحي السياسية للمشروع يتبدّى أن الأمور هي أوسع من استهداف أميركي مباشر لإيران (نوويّة). فالموضوع الإيراني هو جزء من المشروع وليس كلّه. وهو ما بيّنته الوقائع التي تلت حرب القوقاز بين روسيا وجورجيا.

سأبدأ الحديث عن تداعيات ذلك الدرع ضمن محورين اثنين، أحدهما دولي وآخر أوربي. فانتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين خَلَقَ أجواء عالمية مختلفة جدا في العلاقات بين الدول. أصبحت هناك نقلة من الاصطفافات المتقابلة إلى الاتحادات.

ففي العام 1994 اتفق أكثر من 123 بلدا في العالم على إنشاء منظمة التجارة العالمية. وفي العام 1995 اتفق أكثر من 185 بلدا في العالم للحد من الانتشار النووي. وفي العام 1997 صدّق 184 بلدا على برتوكول كيوتو للحد من انبعاث الغازات الدفيئة.

وفي العام 2000 وقّع 192 بلدا إعلان الأمم المتحدة للألفيّة لمقاومة الفقر وإيصال معدّلاته إلى النصف، وكذلك مكافحة مرض نقص المناعة المكتسبة (إيدز) وتوفير تعليم أوّلي شامل بحلول العام 2015. (راجع مقال موسى نعيم في الفورن بوليسي - العدد الأخير).

لذا فقد كان تشييد الولايات المتحدة الأميركية لهذا الدرع الصاروخي بمثابة الشّرخ لهذا التعاون الدولي. بل أنه سيُقلّل من فرص التعاون وخصوصا بين الشرق والغرب اللذين عاشا فترة حرب باردة استمرّت أكثر من ستين عاما، وسيُعيد ذلك إلى الأذهان أزماتها الخطيرة كأزمة خليج الخنازير.

على المستوى الأوربي وعلاقته بالدرع الصاروخي حديث آخر. فالذاكرة الأوربية المنتظمة تستحضر دائما أن الولايات المتحدة أيّام الرئيس هاري ترومان اتخذت سياسة دفاع مستميتة عن القارة الأوربية بوجه المدّ الأحمر الشيوعي.

ووقف الرئيس جون كينيدي بشدّة ضد سور برلين، وأنشأ جيمي كارتر مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، وجاء رونالد ريغان ودشّن سياسة تحطيم الجدار بين الألمانيتين. وجاء جورج بوش الأب ودعم مشروع «أوربا الكاملة والحُرّة».

بل وحتّى جورج بوش الأب دعم حالة الاندماج الأوربي واليورو. (راجع مقال النائب البريطاني العُمّالي ووزير الشؤون الأوربية السابق دنيس ماكشين). وبالتالي فإن الأوربيين عاتبون على سياسات الرئيس باراك أوباما غير الواضحة حيال أوروبا، فضلا عنّ زجّهم في صراعات مع الدب الروسي المُجاور لهم، والذي كلّفهم كثيرا خلال الأزمة الجورجية.

فالعلاقات الأوربية مؤخرا بدأت تأخذ جانبا من الاستقلالية مع الأغيار. خُذ ليبيا مثالا على ذلك، سواء من جانب السويسريين أم البريطانيين أم الفرنسيين أم حتى من الإيطاليين الذين قدّموا اعتذارا عن احتلالهم للأراضي الليبية في العام 1911م مقابل امتيازات تجارية.

أوروبا لا تطمح اليوم في مواجهة مع الروس ما دامت تعتمد على أربعين بالمائة من الغاز الروسي لتشغيل طاقتها الصناعية واحتياجاتها المدنية. أوربا تعتقد بأنها لا تحتاج إلى عقيدة ترومانيّة جديدة لمحاربة الشيوعية، بل تحتاج إلى صيغة جديدة من التعاون.

هم مُقتنعون بأن الولايات المتحدة تستطيع مواجهة صواريخ معادية من خلال ما تمتلكه واشنطن من ثلاث وسبعين مُدمّرة طراز ايجيس تجول البحار الدولية يُمكنها أن تتعامل مع أهداف بالستية ذات مديات استراتيجية، ومن خلال صواريخ إس إم 3 المعيارية القادرة على اعتراض صواريخ بالستية.

سياسة أوربا هي في عدم التصعيد. فهي لم تُدافع سوى عن كتلتها الجغرافية التقليدية في معركة توازنات شرق ووسط القارة. أما الكتُل الأخرى والخارجة من نفوذ السوفييت توّا فلم يعد التعامل معها مفيدا بأكثر من الالتفاف على البند الخامس من ميثاق الأطلسي (انضمام استونيا مثالا).

هنا أعود إلى نقطة البداية. فالموضوع الإيراني حاضر في التراجع عن القرار المذكور ولكن لم يكن هو كلّ الحكاية. هناك توازنات دولية وعلاقات بيينة تحكم تصرفات الدول حتى ولو كانت كبيرة وذات نفوذ.

بل إن الموضوع بدا جدّ مختلفا حيال إيران بعد تصريحات وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس عندما قال إن «الرؤية للتهديد الإيراني تغيرت، والتركيز أصبح على الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى».

اليوم تخلّى الأميركيون عن مشروع الدرع الصاروخي على الأراضي التشيكية والبولندية لصالح خطط أقلّ حدّة. وتخلّى الروس عن مشروع نشر صواريخ اسكندر متوسطة المدى في كالينينغراد بالقرب من الحدود المشتركة مع كل من بولندا وليتوانيا. وكلا الخطوتين ستُقلّلان من فرص الصدام والتنافر في المصالح وبالتالي سيوفّر ذلك علاقات دولية أكثر استقرارا.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2579 - الأحد 27 سبتمبر 2009م الموافق 08 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً