لم يتردد وزير الثقافة المصري فاروق حسني أن يصور خسارته في انتخابات اليونيسكو على أنها «مؤامرة طبخها مندوب واشنطن»، ويعتبر ما استلمه من الرسائل الإلكترونية التي وصلته، تجسيدا «للحقد الشديد لمصر وللعرب».
وهدّد حسني «إسرائيل» بتحويلها إلى «قزمة أمام مصر وثقافتها». ومضى الوزير المصري في اتهاماته معتبرا «اللعبة اليهودية داخل أميركا والدول الكبرى التي يحلو لها أن تتشدق دائما بالديمقراطية والشفافية والتسامح الإنساني كان لها دور بارز في إنجاح المرشحة البلغارية، مشيرا إلى أن ما واجهه في هذه الانتخابات يعد بمثابة (مؤامرة) من جانب هذه الدول وبعض دول الجنوب التي منحت صوتين من الأصوات التي تم الحصول عليها في الجولة الرابعة إلى المرشحة البلغارية».
تلك كانت عينة من تصريحات وزير الثقافة المصري في أعقاب خسارته أمام المرشحة البلغارية إيرينا بوكوفا، وهي كثيرة ومطولة وتذهب بعيدا إلى حد اتهام المنظمة الدولية بالانحياز والتسييس غير المبرر، ووسع الوزير المصري من الدائرة التي غطتها خسارته في انتخابات اليونيسكو، واعتبر ما آلت إليه من نتائج قد أدت إلى «تعميق الفجوة بين دول الشمال والجنوب»، وأظهرت «الغل الإسرائيلي ضده».
لا يختلف اثنان على الهوية الفاشية التي تسير السلوك السياسي للدولة العبرية، حتى وإن كانت هناك فئة عربية صغيرة ساذجة سياسيا، لربما كان فاروق حسني من بين صفوفها، كانت تتوهم أن تقديم التنازلات، من خلال الإدلاء بالتصريحات الرسمية الممزوجة بنكهة «غير معادية للسامية» من شأنها أن تغري «إسرائيل» بـ «تليين» مواقفها من العرب.
لا بد من الاعتراف بأن لدى الدولة العبرية، بخلاف العرب، مجموعة من الثوابت التي تحكم سياستها الخارجية، وطرق تعاملها مع المنظمات الدولية التي لا يمكن أن تغير منها مثل تلك التصريحات الآنية غير المدروسة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بشغل منصب من مستوى الأمين العام لمنظمة اليونيسكو، وفي هذه المرحلة بالذات، حيث تعمل «إسرائيل» جاهدة من أجل تزوير تاريخ شواهد عالمية تنسف جذور إدعاءتها فيما تطلق عليه «أرض الميعاد أو العودة».
المدخل الذي حاول أن يرتكز عليه فاروق حسني، ومن ورائه آلة الإعلام المصرية الرسمية وبعض المؤسسات الإعلامية العربية، هو أن نتائج الانتخابات أثبتت ما وصفوه بـ «الإمعان في تسييس المنظمات الثقافية الدولية غير السياسية مثل اليونيسكو». ولا ندري كيف توصل كل هؤلاء إلى مثل هذا الاستنتاج بعد مضي ما يزيد على نصف قرن على تأسيس الأمم المتحدة، وأكثر من ربع قرن على إطلاق مؤسساتها المتخصصة مثل اليونيسكو، إذ إن رائحة العمل السياسي تفوح من كل رواق من أروقة هذه المؤسسات، وتقف خلف كل قرار من قراراتها. ولا يستثنى من ذلك أية مؤسسة بما فيها تلك التي قد تبدو بعيدة عن العمل السياسي مثل منظمات البيئة والملكية الفكرية. ولعل في مؤتمرات البيئة المتعلقة بالانبعاث الحراري شواهد واضحة على ذلك.
الشيء الآخر الذي حاول أن يتحاشاه، أو ربما قد تناساه، الوزير المصري، وهو في خضم معركته الشخصية ضد موقف «إسرائيل» من تلك الانتخابات، هو وصول شخصيات مصرية مسلمة وغير مسلمة إلى مناصب أخطر من مركز الأمين العام لليونيسكو مثل محمد البرادعي في الهيئة الدولية للطاقة الذرية، وبطرس غالي كأمين عام للأمم المتحدة. مما لا شك فيه أن «إسرائيل» لم تقف مكتوفة الأيدي حيال ذينيك المنصبين، لكنها لم تنجح في أن تقف عثرة أمام المصريين لكليهما.
من السذاجة المطلقة أن تقع دول أو مجموعة من الدول في أوهام «نقاوة» المنظمات الدولية من أوحال العمل السياسي، فهي ملطخة بها منذ اليوم الأول لولادتها.
بل، ولربما كانت ولادة البعض منها، إنما جاء استجابة لحاجة سياسية أكثر منها أي شيء آخر. كما أنه من السذاجة المطلقة أيضا أن تقع دولة ما أو مجموعة من الدول مثل الدول العربية، أسيرة أوهام أن الوصول إلى تلك المناصب الدولية، لا يحتاج إلى أكثر من حفنة من الدولارات، أو مجموعة مكثفة من الاجتماعات تسبق بوقت قصير معركة الانتخابات.
الطرق في تلك المنظمات أشد التواء مما قد تتصوره ذهنية سياسية لا تزال طرية العود في هذه المحافل، وأكثر تعقيدا من مجرد ضغوط آنية على هذه الدولة أو تلك، إذ إن على الدول التي تطمح في شغل مثل هذه المناصب أن تضع لنفسها استراتيجية طويلة الأمد، تمزج فيها علاقاتها الثقافية، مع قدراتها المالية، وتضع ذلك سوية مع شبكة العلاقات التي تملكها مع الدول الأخرى ذات الثقل المؤثر في مثل تلك المنظمات. وهذا ما تمارسه الدولة العبرية، وهنا يكمن سر النجاحات التي تحققها.
لا ينبغي أن يفهم من كل ذلك تكبيرنا للنفوذ الذي تملكه «إسرائيل» في مثل هذه المحافل، لكن قوة هذا النفوذ، تبقى في نهاية المطاف قضية نسبية غير مطلقة. فتفوق المكر الصهيوني يتجاوز كثيرا سذاجة السلوك العربي، هذا هو الذي يمد «إسرائيل» بالقدرة على تحقيق الانتصارات ليس في تلك المنظمات الدولية فحسب، وإنما حتى على أرض الصراع الرئيسية في غزة ومناطق أخرى من فلسطين المحتلة.
علينا، كعرب، إن أردنا أن نخوض مثل هذه المعارك، وأن نحقق الانتصارات فيها، أن نغادر الذهنية القبلية القائمة على «الفهلوة في التخطيط» والأخذ، عوضا عن ذلك، بالمنهج العلمي المرتكز على التخطيط المدروس القادر على تحقيق انتصارات قد تبدو صغيرة، لكن تراكمها يولد، في نهاية المطاف تلك الانتصارات الكبيرة التي نتغنى بها أكثر مما نملك القدرة على تحقيقها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2579 - الأحد 27 سبتمبر 2009م الموافق 08 شوال 1430هـ
هم فرضوا على أنفسهم الذلة
الحكومات العربية عندها عنصر قوة ألا وهو المقاومة ولكن أبت تلك الدول الأخذ بتلك القوة إلا أن تصبح ذليلة تبيعة إلى الغرب ....
في اعتقادي المتواضع
كل ما حللته اتفق معاك ولكن بالنسبة الى البرادعي وبطرس لا اتفق معاك ياكاتبنا الفذو ذلك لسببين لكل واحد من الرجلين سبب الرجل بطرس غالي السبب الاول للترشيح كونه مسيحيا الرجل البرادعي عالم من علماء في علم الذرة المحسوبين من الكبار وعنده الجنسية الامريكية وهذا السبب في ترشيجة لهاذا المنصب هذا في اعتقادي المتواضع حتى لو كان يحمل الجنسية المصرية والتي هي جنسيته الاصلية
أسرائيل لا تهادن أحد
المفروض على وزير الثقافه يعرف أن أسيرائيل لا تهادن أحد وخاصة في مصالحها ولا تحترم الدولة الضعيفة وخاصة ان مصر ومسؤليها يتذللون لها فلهذا فهي لا تعيرهم أي أهتمام وهذا درس لكم لأنكم تساعدونها دائما على المقاومه ( حزب الله ) وحماس وتعيشوون وتاخذون غيرها أيها السذج .
نبيل حبيب العابد
أين تكمن هذه السذاجة هل هي في الشعوب العربية أم ???؟ أنا لا أعتقد أنها في الشعوب إلا الذين تلبسوا بلباس الغرب وثقافته وهاردلك حسني تعيش وتأخذ غيرها.ولست أول ممن انتهك حقه ولعبت الذقون عليه وتستاهل حتى تعرفوا كيف هو الضيم وكيف هو الشعب البحراني يعيش الضيم والتهميش في وطنه وطنه وطنه
كلام صحيح
كلامك صحيح مائة بالمائة 0 صح السانك0