بيل غلوكروفت - كاتب عَمِل في «إسرائيل» مع منظمات عربية إسرائيلية وصهيونية وله مدوّنة، والمقال ينشر ب
27 سبتمبر 2009
إذا أردنا أن نصدّق ما يقوله الجهابذة والحزبيون، فإن العلاقات بين «إسرائيل» والولايات المتحدة لم تكن في حال أسوأ في يوم من الأيام. تبدو إدارة الرئيس باراك أوباما وكأنها تتكلم بأقوى لهجة نستطيع تذكّرها. لم يساعد خطاب القاهرة كثيرا، إذ ترك «إسرائيل» تشعر بأنها معرّضة وأنه قد تم إلقاؤها تحت حافلة مسرعة.
يعود السبب الأساسي للفُرقة إلى المستوطنات. يريد الرئيس أوباما وقفا فوريا لها، بينما يمكن لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يوافق على تعليق جزئي في أفضل الحالات. يشعر حتى الإسرائيليون اليساريون أن المطالب الأميركية كبيرة ومبكرة إلى حد زائد. يجب عدم استعجال مشكلة مستمرة منذ 35 سنة.
هناك الآن أكثر من 285,000 مستوطن في الضفة الغربية باستثناء القدس. ورغم أنه يمكن إقناع الكثيرين بالعودة إلى «إسرائيل» بعد عقد اتفاق مع الفلسطينيين، إلا أن أقلية مشاكسة أوضحت نواياها بمنع السلام بأي ثمن، والادّعاء في الوقت نفسه أن الموضوع لا يشكّل قضية. إلا أن هذه الأقلية يمكن ألا تشكل قضية إذا أعاد الإسرائيليون والفلسطينيون والمفاوضون الدوليون التفكير في الطريق إلى السلام.
حاول هؤلاء المنخرطون في تنظيم صفقات بين «إسرائيل» والفلسطينيين دائما وفي كل محاولة المرور من خلال المستوطنين، وهو تكتيك ذاتي الفشل، لأن عمل ذلك لا يؤدي إلا إلى إعطائهم المزيد من القوة والسلطة. التوجه الجديد هو التغلب على مناوراتهم بأفضل منه: وضع حدود يمكن الدفاع عنها لـ «إسرائيل»، تعتبر عملية لفلسطين وحث المستوطنين إما الذهاب إلى ما وراء تلك الحدود بمساعدة حكومية أو يصبحوا أقلية يهودية في دولة فلسطين.
قد يبدو ذلك غير قابل حتى للتفكير به. شكّل التوسع الاستيطاني سياسة أمر واقع إسرائيلية منذ سيطرت «إسرائيل» على الأراضي المحتلة تقريبا. ويشكل تقديم المستوطنين إلى الدولة الفلسطينية عقابا لهؤلاء الذين فعلوا ما شجّعهم قادتهم على فعله.
إلا أنه في الوقت الذي أجّلت فيه المناورات السياسية أية عملية اتخاذ قرار واضحة حول ما يجب عمله بالأراضي التي احتُلت العام 1967، كانت أعداد المستوطنين تزداد، ومعها قوّتهم التي يستخدمونها لتشجيع مصالح تعود بالضرر على المجموعة. طالبوا بخدمات ذات كلفة هائلة على الخزينة، وعرّضوا الجنود لأخطار غير ضرورية وتحدّوا قرارات المحكمة بالتوقف والتراجع. يستخدم المستوطنون الأكثر تطرفا العنف، الأمر الذي أدى بجندي صديق لي لأن يقول: «الخليل هي المكان الوحيد في الضفة الغربية الذي يشعر فيه الجندي بالأمن حول الفلسطينيين أكثر مما يشعر حول اليهود» ليس هذا تصرف يجب على دولة ديمقراطية أن تتحمله أو توافق عليه على مضض.
سوف يفرض إنذار أخير على المستوطنين أن يختاروا بين دولة «إسرائيل» الحديثة ووعدها التوراتي، الأمر الذي قد يشجّع على الإذعان دون حادث يذكر. يستطيع هؤلاء الذين يختارون البقاء الاحتفاظ بجنسيتهم الإسرائيلية مع دعوة مفتوحة للعودة، ولكنهم سيصبحون مواطنين فلسطينيين. سوف يخضعون، بشكل لا يختلف عن أسلوب حياة يهود الشتات، لقوانين دولتهم ومعاييرها.
قد تبدو فكرة اليهودي الفلسطيني للوهلة الأولى تضادا في المنطق، ولكن ذلك لا يختلف عن تعبير «العرب الإسرائيليين»، وهم الفلسطينيون الذين يعيشون كمواطنين إسرائيليين والذين يشكلون أكثر من 20 في المئة من سكان الدولة اليهودية. وبما أنه يتوجب على فلسطين أن تكون ديمقراطية كما هو الحال في “إسرائيل”، لا يوجد سبب يمنع الأقليّات من الإقامة هناك. الواقع أن الأمر قد يساعد فلسطين لتشعر بأنها دولة اعتيادية.
تحتاج فكرة انسحاب «إسرائيل» وترك إسرائيليين وراءها وقتا لأن يتم هضمها، ولكن يبدو أن هناك مؤشرات مخفية. فقد صرح رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية، سلام فياض، ما يقارب ذلك في مهرجان أسبن للأفكار في يوليو/ تموز، عندما أعلن أنه سيتم الترحيب باليهود في الدولة الفلسطينية المستقبلية. كذلك أقدم غيرشون باسكن، المدير المشارك لمركز «إسرائيل»/ فلسطين للبحوث والمعلومات في عامود ظهر مؤخرا في الجيروساليم تايمز «ربط حقوق وامتيازات والتزامات الفلسطينيين في «إسرائيل» مع حقوق وامتيازات والتزامات اليهود في فلسطين... بهدف رأب صدوع التمييز ضد الفلسطينيين في «إسرائيل» ومنع التمييز ضد اليهود في فلسطين».
هذه فكرة جيدة، ويجب أن تذهب إلى ما وراء ذلك لتطلب حماية الأماكن اليهودية المقدسة الواقعة خارج «إسرائيل» وسهولة الوصول إليها من كل جانب غير الفلسطينيين، سوف يضمن ذلك السيادة الروحية على الأراضي بغض النظر عن السلطة السياسية.
سوف يكون الجزء الأصعب جعل الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تضم حلفاء للمستوطنين توافق. الأخبار الجيدة هي أن رئيس الوزراء نتنياهو، رغم صقوريته، هو براغماتي عملي تبقى علاقته مع العقائديين علاقة مصلحة. وهو مؤمن ببناء الاقتصاد الفلسطيني، الأمر الذي يصعب تحقيقه مع وجود جهاز الأمن الإسرائيلي يخنق انسياب البضائع والخدمات والعمالة.
سوف يسعى نتنياهو لإتباع السبيل الأسرع سياسيا وماليا، ولن يذهب إلى حدود عزل «إسرائيل» عن الإدارة الأميركية. قد لا يكون لدى وزير الخارجية المؤثر، أفيغادور ليبرمان سوى القليل من التعاطف تجاه الفلسطينيين، غير أنه يهتم بعمق بأن تبقى «إسرائيل» دولة يهودية، أكثر ما يهتم بتفاصيل الحدود التي ستحدد هذه الدولة.
ورغم أنه مستوطن هو نفسه، يمكن اعتبار ليبرمان واحدا من هؤلاء الذين قد يعودون إلى «إسرائيل» ضمن الظروف المناسبة، كما ظهر من قراره إبعاد نفسه عن قضية المستوطنات عندما غدا واضحا أنها تشكل قضية نزاع مصالح.
وإذا أخذنا بالاعتبار مدى معرفتهما وذكائهما نرى أن باستطاعة نتنياهو وليبرمان أن يجدا سبيلا لخداع أكثر العناصر حماسة في مجتمع المستوطنين، وبالتالي الحد من وزنها السياسي.
إذا استطاع الإسرائيليون رؤية دولة فلسطينية على أنها مفيدة لهم كما هي مفيدة للفلسطينيين فسوف يصبح المستوطنون تماما كما يقولونه: قضية غير مهمة.
العدد 2579 - الأحد 27 سبتمبر 2009م الموافق 08 شوال 1430هـ