كما ذهبت معظم التوقعات التي سبقت قمة العشرين، رضخت الدول الكبرى، أو ما يطلق عليها الدول ذات الاقتصادات المتقدمة، ووافقت في مؤتمر قمة العشرين الأخيرة المنعقد في بترسبورغ على زيادة حصة دول الاقتصادات الناشئة في صنع القرارات الاقتصادية والمالية العالمية، من أجل معالجة تداعيات الأزمة العالمية المالية الحالية أولا، وعند أخذ التدابير الاحتياطية لدرء أية أزمة مماثلة يمكن أن تعصف بالاقتصاد العالمي مستقبلا.
انعكس ذلك بشكل واضح في القرار الموافق على «إضفاء الديمقراطية على آليات اتخاذ القرار، من خلال إعطاء مزيد من الأهمية للدول الناشئة في المنظمات المالية الدولية، عبر نقل 5 في المئة على الأقل، من الحصص في إطار صندوق النقد الدولي و3 بالمائة على الأقل من حقوق التصويت في البنك الدولي. وزادوا أيضا من دور صندوق النقد الدولي في الإدارة الاقتصادية العالمية من خلال زيادة قدرته على مراقبة السياسات الاقتصادية الوطنية وتنسيقها».
من يسترسل في قراءة البيان الختامي الصادر عن قمة العشرين، يجد أن أولئك القادة قد توقفوا عند الكثير من القضايا التي من شأنها مساعدة الاقتصاد العالمي على التعافي من أزمته، لكنهم في حقيقة الأمر تريثوا عند بندين أساسيين، الأول اقتصادي، أما الثاني فهو ذو طابع سياسي.
فعلى المستوى الاقتصادي توقف القادة عند الحيز الضيق المتاح لحركة الاقتصادات الناشئة في الاقتصاد العالمي، والذي لم يعد بالإمكان الاستمرار والمراوحة عند تلك المساحة، وبالتالي بات من الضرورة توسعتها كي يتاح لتلك الدول المشاركة في صنع القرارات المالية والاقتصادية على المستوى العالمي.
وهنا التفت القادة نحو بلدان أساسية من أمثال الصين وتركيا وكوريا الجنوبية، وعلى وجه التحديد الصين، نظرا لأسباب كثيرة ومتنوعة من بين أهمها، استمرار قدرة الصين، رغم تداعيات الأزمة المالية العالمية وانعكاس ذلك سلبا على معدلات النمو العالمية، التي يتوقع الكثير أنها ستتراوح بين ( 3.2 - 3.6 ) في المئة، عند أكثر التوقعات تفاؤلا... استمرار الصين في التفرد، دون سائر دول العالم ذات الاقتصاد المنتج وليس الريعي كذلك السائد في دول الخليج النفطية، بما يتراوح بين (7 - 8.4) في المئة خلال السنتين القادمتين. هذا الأمر يعكس، وخاصة في ظل الأزمة العالمية الحالية، حالة صحية ينعم بها الاقتصاد الصيني، ويعبر عن اقتصاد قابل للنمو المستمر والواعد في آن.
يضاف إلى ذلك تلك السيولة النقدية التي بحوزة الصين، والتي تؤهلها للمساهمة في أي شكل من أشكال حلول الإنقاذ المطروحة أمام المجتمع الدولي.
أما على المستوى السياسي فقد أرغمت إيران القمة على التوقف عند ملفها النووي، أو بالأحرى سياستها الخارجية، والذي لخص الموقف منه ما جاء حوله في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في أعقاب القمة، حين ألمح إلى أنه « يفضل حل النزاع دبلوماسيا، لكن إذا لم تكن الدبلوماسية مجدية مع إيران فسينظر في تطبيق عقوبات مؤلمة، (مشير إلى أنه) لا يستبعد الخيار العسكري حيال إيران لكنه يفضل الخيار الدبلوماسي». باختصار لم يستطع قادة قمة العشرين القفز على الحيز الذي تحتله إيران في ساحة العلاقات الدولية. ليس القصد من إثارة الملف النووي الإيراني الفصل في الموقف الصحيح منه، بقدر ما أردنا الإشارة إلى أن لإيران ثقلها الدولي، بغض النظر عن كل ما يدور من خلافات بشأن ملفها النووي. نجحت إيران على امتداد العامين الآخيرين، من زيادة ثقل كفة الحل الدبلوماسي مقابل كفة الحل العسكري.
المواطن العربي وهو يتابع كل ذلك تطفو على صدره هموم مشابهة تتناول المستويين الاقتصادي والسياسي.
فعلى المستوى الاقتصادي، تطرق بيان قمة مجموعة العشرين، بحسب وكالات الأنباء، بشكل مقتضب إلى مسألة النفط، دون أي ذكر مباشر للكتلة العربية، رغم وجود وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في القمة ممثلا لدولته، حيث اتفق القادة على «الإلغاء التدريجي للدعم على النفط وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى في الأجل المتوسط، (معززين أثناء ذلك) جهودهم للوصول إلى اتفاق للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في وقت لاحق من هذا العام».
لم يتوقف قادة القمة كما فعلوا مع الصين على المستوى الاقتصادي، كي يُصيغوا نظاما متكاملا، يكون للدول النفطية العربية التي تنتج ما يزيد من 20 في المئة من الإنتاج أوبك من النفط، وتختزن أراضيها ما يربو على 15% من الاحتياطي العالمي منه، وتحتل بعض دولها مثل قطر والجزائر مراكز متقدمة من حيث الاحتياطي والإنتاج والتصدير للغاز الطبيعي، على حد سواء.
حسرة تسيطر على تفكير المواطن العربي، وهو يشهد تقزيم الدور الاستراتيجي الاقتصادي العربي مقابل عملقة أدوار دول أخرى مثل الهند والصين، بل وحتى دول أصغر منها مثل كوريا وتركيا.
أما على المستوى السياسي، فلم يأبه القادة لما تنتهكه «إسرائيل» من جرائم تجاه الشعب الفلسطيني، وما يقوده ذلك من تأجيج لأشكال الصراع في هذه المنطقة لا تقل خطورتها عن ذلك الذي يثيره المفاعل النووي الإيراني. ذلك أن أحد أسباب استمرار تنامي ظاهرة الإرهاب الدولي، إنما تعود في جوهرها إلى ممارسات الدول الفاشية التي تبني أفضل البيئات احتضانا للإرهاب، وأكثرها قدرة على مده بالحياة والنمو والانتشار.
قد يريح بعض العرب أنفسهم بإعادة ذلك إلى «مؤامرة دولية»، لكن الحقيقة تقول إنها لا تعدو كونها حسابات لكنها ينبغي أن تكون حسابات صحيحة، وذات طبيعة استراتيجية، وتتحدث لغة معاصرة غير «عكاضية»
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2578 - السبت 26 سبتمبر 2009م الموافق 07 شوال 1430هـ