العدد 2577 - الجمعة 25 سبتمبر 2009م الموافق 06 شوال 1430هـ

قمة العشرين وخيارات شبه مستحيلة (2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أول الخيارات الصعبة، أو بالأحرى شبه المستحيلة المطروحة على بساط البحث، هو ذلك الذي تدعو إليه دول الاقتصادات الصاعدة وفي مقدمتها الصين، وهو الذي يقود إلى تصحيح جذري للنظام الدولي المالي القائم بما يشمل توسيع نطاق عضوية تلك الدول في المؤسسات المالية العالمية صاحبة القرار في رسم السياسات العالمية المالية والاقتصادية وفي مقدمتها البنك وصندوق النقد الدوليين. ورغم أن قمة العشرين قد بدأت خطوات عملية أولية على هذا الطريق، حيث تم التوصل، في قمة لندن قبل الأخيرة التي عقدت في أبريل/ نيسان 2009، إلى قرار توفير 1000 مليار دولار لصندوق النقد الدولي، ومن المتوقع أيضا إصدار صندوق النقد الدولي سندات بقيمة 500 مليار دولار أخرى التزمَت بعض الدول، بما فيها تلك ذات الاقتصادات الصاعدة مثل الصين بتغطيتها، مقابل تعديل حصص قوتها التصويتية في تلك المؤسسات، لكن الدول العظمى، وخاصة بعض دول الكتلة الأوروبية لا تزال غير مستعدة لتقديم هذا التنازل. لابد من التنويه هنا إلى أن كلا من الولايات المتحدة وكندا قد أبدتا استعدادهما لإعادة النظر في توزيع الحصص القائمة. يُشار هنا إلى أي تعديل في نسبة الحصص ينعكس بشكل مباشر على الثقل السياسي الحالي الذي تتمتع به الدول العظمى، وهو أمر يصعب عليها القبول به طوعا. ومن الطبيعي أن يكون رد فعل دول الاقتصادات الصاعدة حادّا، ومن ثم لن ينتظر موافقة طوعية من الدول العظمى، وهو ما ألمح إليه البيان المشترك الصادر عن الصين والبرازيل وروسيا والهند إبان اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين الذي سبق عقده قمة العشرين بلندن، والذي دعت فيه تلك الدول بشكل واضح وصريح حقها في أن تمارس «دورا أكبر في الاشراف على المنظمات الدولية الكبرى في العالم ومن بينها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذان لا يزالان تقريبا تحت الهيمنة الكاملة لأميركا وأوروبا.

الخيار الثاني شبه المستحيل، هو الثقل الذي لا تزال تتمتع به العملة الأميركية (الدولار)، كعملة احتياطية عالمية رغم حالة التدهور التي تعاني منها، وهو أمر دأبت كل من الصين وروسيا على تكرار الدعوة لمراجعته في معظم المحافل المالية العالمية، بما فيها قمة العشرين قبل الأخيرة التي عقدت في لندن. وكان الموضوع على طاولة المباحثات في بكين خلال زيارة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون الأخيرة للصين، عندما حاولت إقناع بكين بشراء كمية من سندات الخزينة الأميركية من أجل دعم مشروعات الإصلاح الاقتصادي التي يقودها الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي كرر أكثر من مرة حرص حكومته على حماية الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة، من جهة، وتعزيز أوضاع الدولار الأميركي في الأسواق العالمية من جهة أخرى. ويُشار هنا إلى أن الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي تملك نحو تريليوني دولار من الاحتياطات الدولية وتستثمر نصفها تقريبا في سندات الخزينة الأميركية. ولربما قاد تدهور سعر الدولار أمام العملات الدولية الأخرى قبيل انعقاد القمة إلى تصعيب الخروج بقرار واضح بهذا الشأن. وفي إشارة واضحة، غير قابلة للمساومة، على المقاومة التي تبديها القوى العالمية المهيمنة، صرحت مفوضة الاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية، أكثر من مرة أنها «تعتقد أنه سيكون من السابق لأوانه أن تقرر قمة مجموعة العشرين الاستجابة لمطالب بكين بأن يكون لها دور أكبر في المؤسسات المالية العالمية، وكذلك فيما يخص العملة العالمية الموحدة».

ول اتخفي الصين موقفها الحاد عندما يتعلق الأمر بموضوع الدولار، ولعلَّ في مقالات محافظ البنك المركزي الصيني تشو شياو تشوان، التي تعري عيوب ومخاطر نظام العملات الدولي الحالي، وتطالب «بإصلاحات مبتكرة لتحسين النظام، (داعيا إلى) خلق احتياطي من العملات ذات سيادة فائقة كجزء من الإصلاح، ومنفصلة عن الدول وقادرة على الثبات في المدى البعيد، وبالتالي إزالة العيوب الطبيعية التي سببها استخدام العملات الوطنية القائمة على الائتمان».

وكخطوة عملية على مساعي بكين لخلخلة الموقف الدولي بادرت إلى إنشاء تكتلات سياسية - اقتصادية إقليمية تقبل باستخدام عملة - غير الدولار - في معاملاتها التجارية. وهناك اليوم أربع دول آسيوية، بالإضافة إلى الصين، وافقت على استخدام اليوان الصيني كعملة للمعاملات التجارية القائمة بينها.

وتضم روسيا صوتها إلى الصين في هذا الاتجاه، فعلى أبواب القمة الحالية أطلقت موسكو نداء دعت فيه إلى «إدخال عملة احتياطية عالمية كجزء من مقترح البلاد لإصلاح النظام المالي والنقدي العالمي في القمة».

الخيار الثالث شبه المستحيل هو الوصول إلى حل وسط بين وجهتي النظر الأوروبية والأميركية، إذ يواجه المشروع الأميركي الذي يحمله أوباما والمتعلق بالحوافز والمشروعات الكبيرة التي من شأنها لجم التدهور الذي يعاني منه الاقتصاد الأميركي، وبالتالي المساهمة في إعطاء حقنة مسكنة لآلام الاقتصاد العالمي، معارضة من الكتلة الأوروبية التي تقودها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تشكك في جدوى تلك الإصلاحات، وتستشهد بارتفاع نسبة البطالة في السوق الأميركية بشكل قياسي وصل إلى نحو 11 في المئة، وهي أعلى نسبة ضربت الاقتصاد الأميركي منذ ثلاثينيات القرن الماضي أولا، واستمرار تدهور الدولار ثانيا.

هذه الخيارات الثلاثة شبه المستحيلة تملأ سماء قمة بترسبورغ بغيوم تشاؤم سوداء، وتدفع الكثير من المتابعين إلى توقع فشل هذه القمة في الوصول إلى قرارات جماعية جذرية تساهم جدّيا في انتشال الاقتصاد العالمي من أزمته الراهنة في المستقبل المنظور، اللهم إلا إذا اعتبر البعض تشكيل اللجان، وتبادل التحيات معايير عالمية لقياس مستويات نجاح قمم من مستوى قمة العشرين.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2577 - الجمعة 25 سبتمبر 2009م الموافق 06 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً