هناك جمود إذا في عملية السلام. وما الجديد في ذلك؟ الواقع أن هناك أمرا جديدا، وهو أن الفلسطينيين في الضفة الغربية يفعلون ما حلمنا أن يفعله الفلسطينيون لمدة تزيد على قرن من الزمان، ولكننا نرفض أن نرى ذلك.
لقد أوقفوا الإرهاب عمليا، وهم يعملون على بناء اقتصادهم ويطبقون القانون، ويقوم الأميركيون بتدريبهم وهم يتعاونون مع الجيش والمخابرات الإسرائيلية، ويعتقلون المتشددين الإسلاميين المسلّحين بالآلاف ولا يتورعون عن تبادل إطلاق النار معهم.
ولم يحصل ذلك منذ أسبوع أو شهر وإنما لمدة تزيد على السنتين. ليس من الآمن ركوب حافلة في «إسرائيل» فحسب، ولكن للمرة الأولى منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، أصبح من الآمن قيادة سيارة عبر الضفة الغربية.
هذا ما أخبرني به خالد أبو طعيمة مراسل الشئون الفلسطينية في «الجيروزاليم بوست». «فرص أن يُقتل إسرائيلي في حادث سيارة في «إسرائيل» هي أعلى اليوم من فرصة أن يُقتل على يد إرهابي في الضفة الغربية».
وبالطبع، لم يلحظ الإسرائيليون أيا من هذا. بل على العكس، ما فتئ خوفنا من وازدراؤنا للفلسطينيين والعرب وأي إنسان في العالم لا يخاف من ويزدري العرب كذلك، ينمو ويزداد. لقد وصلنا إلى نقطة يقف فيها بنيامين نتنياهو قريبا من يسار حكومة وزير خارجيتنا فيها يتبع تعاليم كاهانا سرا.
توجهت القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية في هذه الأثناء في الاتجاه المعاكس. لقد رأوا النور. بعد مفتي القدس، ثم أحمد الشقيري وبعده ياسر عرفات، أصبح زعيم الفلسطينيين محمود عباس، وهو رجل اختاره جورج دبليو بوش بنفسه، الذي ما زال يُعرف هنا بِـ «أعظم صديق لإسرائيل سكن البيت الأبيض».
لماذا عمل بوش على رفع شأن عباس؟ لأنه كان الشخصية الفلسطينية الوحيدة الذي تجرأ على الكلام ضد إرهاب الانتفاضة وزعامة عرفات.
ومن هو الرجل الأقوى بعد عباس؟ سلام فياض، الاقتصادي الذي صنع مستقبله في البنك المركزي الأميركي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. كان بإمكانه أن يصبح رئيسا لوزراء السلطة الفلسطينية قبل الآن، ولكن زعماء حماس لم يقبلوا شروطه بالاعتراف بـ «إسرائيل»، فاضطر الانتظار إلى أن خرجت حماس من الصورة في الضفة الغربية.
كان فياض مفضلا لدى جماعة بوش أكثر حتى من عباس، ويعود السبب على الأرجح لأنه حصل على شهادات الماجستير والدكتوراه من جامعات ولاية تكساس العظيمة.
هؤلاء هم الذين تتجاهلهم «إسرائيل». هؤلاء هم القادة الفلسطينيون الذين تصر «إسرائيل» على اعتبارهم ميؤوس منهم ومتصلبين ولا يستحقون الثقة بالمرة.
في هذه الأثناء يتكلم حتى روني دانييل مراسل الشئون العسكرية المتشائم في محطة التلفزيون الإسرائيلي الثانية عن «المناخ الجديد» في الضفة الغربية، الأمن والتجارة والشعور بالحرية، التي أتت مع إزالة الجيش الإسرائيلي لعدد كبير من الحواجز ونقاط التفتيش، وهي سياسة بدأت بضغط من بوش.
«نقاط التفتيش الوحيدة التي تصادفها اليوم هي تلك التي تمنع الإسرائيليين من الذهاب إلى أريحا»، حسب قول روني دانييل على أخبار مساء يوم الجمعة.
ما الذي حدث إذا لحكمة الإجماع القائلة بأنه كلما أزال الجيش نقاط تفتيش كان هناك ازدياد فوري في الإرهاب؟ من المحتمل أن ذلك كان صحيحا في يوم من الأيام، ولكنه لم يعد صحيحا الآن. ولكن هل لاحظنا نحن ذلك؟ هل قمنا بإزالة حاجز تفتيش واحد من الحواجز التي لا تعد ولا تحصى في أذهاننا لندع ولو قليل من المعلومات تمر عبره؟
كلا يا سيدي. الأخبار الوحيدة التي لاحظناها من الضفة الغربية هي ما قاله متقاعد ما في مؤتمر فتح.
وهذا أمر مهم بالطبع! إنه أمر يستحق 800 مقال رأي. مؤتمر فتح، مقال في تلك الصحيفة السويدية، الاسم الأوسط لأوباما هذا ما نفكر فيه هنا. لا تحاولوا إرباكنا بهذا «المناخ الجديد». لا تحاولوا إضعافنا.
هذه هي عقلية «إسرائيل» في القرن الحادي والعشرين. لا نرى ولا نسمع شيئا عن العرب إلا إذا كان سيئا.
أخبار العداء من العرب ومن الأوروبيين ومن الرئيس الأميركي حسين ومن أحد ما في مكان ما، أصبحت هي الأخبار الوحيدة التي ترفع معنوياتنا.
إنه أمر محزن حقا. لا أدري إلى متى ستستمر هذه الفترة في الضفة الغربية إذا بقينا مهتمين فقط بكمية الأسمنت المسلح التي سنصبها هناك، ولكنها لن تبقى إلى الأبد. لا أدري ما الذي سيأتي بعد ذلك. هل هو عودة إلى الإرهاب، أو سيطرة أخرى لحماس أو مطالب بالجنسية في «إسرائيل». مهما كانت فإن المنظور التالي في الضفة الغربية لن يكون سهل القبول بالنسبة إلينا.
إذا لم نقدم الاستقلال لهؤلاء الفلسطينيين وبسرعة فسوف يصبحون عدائيين مرة أخرى.
المحزن أنهم إذا أصبحوا كذلك فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى رفع المعنويات في «إسرائيل». سوف يوحّدنا ذلك ويحشدنا ويسرع سريان عصارات أجسادنا.
ليس هناك ما هو أفضل من الدفاع والتبرئة. لا شيء أفضل من القول «لقد قلت لك هذا».
كاتب مقالات وأعمدة في «الجيروزاليم بوست»، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند» كاتب مقالات وأعمدة في «الجيروزاليم بوست»، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2577 - الجمعة 25 سبتمبر 2009م الموافق 06 شوال 1430هـ