العدد 2576 - الجمعة 25 سبتمبر 2009م الموافق 06 شوال 1430هـ

قمة العشرين وخيارات شبه مستحيلة (1)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سبقت تصريحات المدير الإداري لصندوق النقد العالمي دومونيك شتراوس- خان المتشائمة بشأن الأوضاع الاقتصادية العالمية، اجتماع القمة المنعقدة في مدينة بترسبورغ الأميركية، حيث ناشد قادة قمة العشرين من أجل «تعزيز جهودهم لإخراج الاقتصاد العالمي من حالة الركود التي يعاني منها، (محذرا إياهم) بأن الأزمة لم تمر بعد»، (مضيفا) بأن التعافي سيكون بطيئا وبمعدلاتٍ أبطأ كثيرا من النمو الذي كان يسود قبل الأزمة».

النظرة المتشائمة هذه بشأن استمرار الأزمة والصعوبات التي تقف في طريق الخروج منها، تتفاعل أيضا مع نظرات تشاؤمية أخرى بشأن إمكانية اتفاق قادة الدول المجتمعين في بترسبورغ حول رؤيةٍ متكاملةٍ للحلول التي بوسعها أن تنتشل الاقتصاد العالمي من أوحال هذه الأزمة التي يتمرغ فيها. هذا ما نبهت إليه صحيفة «دير شبيغل» الألمانية التي توقعت «نسبا ضئيلة جدا للنجاح في التوصل لحلول للأزمة الاقتصادية العالمية جراء انقسام الدول المجتمعة حول الكثير من القضايا، مثل رفض المجموعة للاقتراح المقدم من ألمانيا بفرض ضرائب عالمية على جميع المعاملات المالية الدولية».

عنصر ثالث يقف عقبة أمام إمكانية التوصل إلى آلياتٍ تساعد على الخروج من الأزمة، ألا هو إصرار الدول التقليدية العظمى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة على عدم الرضوخ للمستجدات التي طرأت على خارطة موازين القوى الاقتصادية العالمية ولصالح دول الأسواق الصاعدة من أمثال الصين وروسيا والهند وبعض دول أميركا اللاتينية، التي أصبحت تطالب علنا بحقها في الحصول على ثقلٍ في المؤسسات الدولية العالمية مثل صندوق النقد الدولي، يتناسب ومساهماتها في إنعاش الاقتصاد العالمي. وعلى نحو موازٍ تطالب هذه الدول إعادة النظر في آليات عمل النظام المالي العالمي القائمة على اعتبار الدولار كعملةٍ أساسيةٍ في المعاملات التجارية العالمية من جهة، واعتباره الوحدة الدولية في تسعير أثمان العملات المختلفة.

وكما يبدو فإن الصين، التي تقود هذا المعسكر، نظرا للثقل الذي يتمتع به اقتصاده على الصعيد العالمي، لا تواجه الولايات المتحدة وحدها فهناك الكتلة الأوروبية التي تحاول أن تُبقي على قنوات الهيمنة التي ما تزال تتمتع بها في المؤسسات الاقتصادية العالمية. وقد جاء ذلك واضحا في تصريحات مفوضة الاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية التي قالت «إنها تعتقد أنه سيكون من السابق لأوانه أن تقرر قمة مجموعة العشرين الاستجابة لمطالب بكين بأن يكون لها دور أكبر في المؤسسات المالية العالمية، وكذلك فيما يخص العملة العالمية الموحدة».

مقابل ذلك التكتل من القوى العظمى لمواجهة التحرك الصيني، تنظم إلى الصين بعض دول أميركا اللاتينية كما تنعكس مواقفها في أقوال مدير المرصد السياسي المالي التابع لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية خايمي كاريرا الذي يؤكد على أن «أميركا اللاتينية ستستفيد من الصادرات وتدفق رأس المال المتعلق إذا انتعش العالم من الانكماش، (مضيفا) أنه يتعين على زعماء مجموعة الـ20 أن يبذلوا الجهود لتجديد النظام المالي العالمي الذي تسبب في الأزمة، (مشيرا) إلى أن العالم يحتاج إلى هيكلٍ مالي جديدٍ يكون أكثر شفافية وأحسن تنظيما».

ولا ينحصر الخلاف بين الدول الصناعية ودول الاقتصادات الصاعدة فهناك خلافات أيضا داخل الكتلة الأوروبية كشفتها الرسالة التي وجهها قبيل انعقاد قمة قادة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا إلى رئيس وزراء السويد فريدريك راينفلد الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية «شددوا فيها على ضرورة بلورة موقفٍ أوروبي مشتركٍ في قمة العشرين المنعقدة في بترسبورغ». لكن مصادر دبلوماسية حذرت من أنه، على الرغم من توقيع بريطانيا على هذه المذكرة، لكن الموقف البريطاني العام سيكون أقرب إلى الموقف الأميركي نظرا للحلف الأنغلوسكسوني التقليدي في مثل هذه المؤتمرات، الأمر الذي من شأنه إحداث شرخٍ في الموقف الأوروبي.

من جانبه سيتوجه الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى بترسبورغ محاولا أن يشوب موقفه بعض المرونة لسببين، الأول كون بلاده الدولة المضيفة للمؤتمر، وبالتالي سوف يتحاشى أن يعاني المؤتمر من أي شكل من أشكال الفشل، والثاني هو رغبته في أن تساعده قرارات المؤتمر في العودة إلى واشنطن وبيده بعض الأوراق الرابحة تعينه على الوفاء بوعوده بالخروج بالاقتصاد الأميركي من أزمته التي يعاني منها. وهذا يدفع أوباما إلى البحث عن حل وسط يعينه على الاتفاق، ولو بشكل مرحلي مع دولة مثل الصين، وهو ما تعكسه إشارته إلى ضرورة «تصحيح الاختلالات الاقتصادية العالمية عن طريق تقليص الفوائض لدى الدول المصدرة الكبرى مثل الصين وزيادة المدخرات في الدول المدينة الكبرى ومنها الولايات المتحدة» خاصة وأن الصين، وكما جاء على لسان وزارة خارجيتها على استعداد أن توافق على «أن تعزز الدول سياسات تنسيق اقتصادها الكلي وأن تعمل معا على تحقيق تنمية متوازنة ومستمرة في الاقتصاد العالمي»، دون أن يعني ذلك موافقتها المطلقة على خطة أوباما، التي يرى بعض المحللين الاقتصاديين أنها قد تُواجَه بمعارضة صينية، وهذا ما يجعل أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة بكين وانغ يونغ يصر على القول بأن الصين ترى «بلا شك أن تتفهم ما تقترحه الولايات المتحدة قبل أن تقطع أي التزامات، لكنها تريد أيضا التأكد على»عدم وجود شروط ملزمة أو فرص لوثيقة يمكن أن تستخدم كذريعة لفرض الحماية التجارية».

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2576 - الجمعة 25 سبتمبر 2009م الموافق 06 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً