العدد 2575 - الخميس 24 سبتمبر 2009م الموافق 05 شوال 1430هـ

ما بعد فشل قمة نيويورك الثلاثية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل أن تعقد القمة الثلاثية بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الأول في نيويورك، أعلن الثلاثة عن عدم المبالغة في التوقعات. فالثلاثة أعلنوا فشل القمة قبل انعقادها في التوصل إلى تفاهمات بشأن المسألة الفلسطينية بسبب تمسك كل طرف بموقفه. الرئيس الأميركي يطالب تل أبيب بتجميد الاستيطان لفترة محددة حتى يستطيع أن يتوجه إلى الدول العربية ويطالبها البدء بالتفاوض تمهيدا للتسوية والسلام. والرئيس الفلسطيني يرفض العودة إلى التفاوض الثنائي قبل أن تعلن حكومة تل أبيب قرار وقف الاستيطان. ورئيس الحكومة الإسرائيلي يرفض وقف الاستيطان لا جزئيا ولا مؤقتا ويُحمّل الجانب الفلسطيني مسئولية تعطيل المفاوضات.

القصة لن تنتهي وستبقى تدور على نفسها ويرجح أن تستمر في تكرار قراءة الفصول ومراجعتها إلى أن تصبح «إسرائيل» على قناعة بأن سياسة التهرب من المسئولية مكلفة. وبما أن تل أبيب لاتزال مقتنعة بعدم وجود بدائل عربية عن تلك المبادرة السلمية المطروحة ستبقى مصممة على المناكفة والاعتراض. فالحكومة الإسرائيلية لا تجد نفسها في موقع الضعيف أو تلك الدولة المعزولة دوليا ما يجعلها مضطرة للتراجع والانسحاب والتفاهم. وعدم شعور «إسرائيل» بوجود قوة إقليمية تهددها يرفع من درجة عنفوانها ويعطيها جرعة للتحدي والاستفزاز.

تل أبيب تراهن على عامل الوقت وترى أن الانقسامات الفلسطينية والاختلافات العربية والمزايدات الإيرانية مجموعة عناصر تصبّ في صالحها وتعطيها فرصة لفرض الأمر الواقع وتحويل الاحتلال (المستوطنات) إلى مشكلةٍ يصعب حلها. «إسرائيل» تؤكد أنها ليست خائفة ولا مهددة وهي لا تتردد أحيانا في استخدام التصريحات البخارية والقنابل الدخانية عن المحرقة التي تصدر عن الرئيس الإيراني للاحتيال وكسب التعاطف الدولي لتسويق مشروعها الاستيطاني وتغطية العدوان والاحتلال.

هذه السياسة الإسرائيلية تحتاج إلى مراجعة من الأطراف العربية وخصوصا أن حكومة الثنائي نتنياهو - ليبرمان نجحت جزئيا في تعديل توجهات الإدارة الأميركية وأخذت بشن هجوم دبلوماسي معاكس اعتمادا على «اللوبيات» في واشنطن لتخفيف ضغوط الرئيس أوباما وتحويلها إلى «قوةٍ ناعمةٍ» غير قادرة على انتزاع تعهد من تل أبيب بشأن تجميد المستوطنات إلى فترة محددة.

الهجوم الإسرائيلي المضاد بدأ يعطي نتائجه السلبية إذ أظهر الرئيس أوباما خلال قمة نيويورك الثلاثية بعض المرونة في التعامل مع نتنياهو مقابل مزيد من التشدد في اتجاه الرئيس الفلسطيني. وجاء تصريح أوباما بعد فشله في إصدار بيان مشترك في نهاية «القمة» ليؤكد ظهور متغيرات في الموقف الأميركي. فالرئيس وزع مسئولية الفشل على ثلاثة أطراف: «إسرائيل» التي طالبها بترجمة الخطوات المهمة لضبط النشاط الاستيطاني إلى أفعال. والسلطة الفلسطينية التي طالبها بالمزيد من العمل لوقف التحريض والتحرك نحو المفاوضات. والجانب العربي إذ طالب الدول العربية باتخاذ خطوات ملموسة لتعزيز السلام.

المقارنة بين التوجهات الثلاثة تكشف عن بدء انحياز من جهة الإدارة الأميركية إلى مصلحة الجانب الإسرائيلي. إذ أظهر التصريح نوعا من التفهم الضمني للنشاط الاستيطاني، بينما اتهم السلطة الفلسطينية بالتحريض وحثها على التفاوض وإسقاط شرط تجميد الاستيطان. أما العنصر الجديد والأهم في تصريح أوباما فهو يتمثل في تلك الإشارة الغامضة نحو الدول العربية حين خاطبها وكأنها الطرف المتردد في اتخاذ مبادرة اتجاه السلام.

كلام أوباما عن «خطوات ملموسة» تطرح علامة استفهام بشأن المقصود من حث الدول العربية على «تعزيز السلام». فهل أراد الرئيس الأميركي القول إن المبادرة العربية التي صدرت في قمة بيروت العام 2002 غير كافية أو تخطاها الزمن أو أن المطلوب من الجانب العربي المزيد من التسهيلات والتخفيضات حتى تبدأ الخطوات الملموسة؟ وهل أراد أوباما أن يوزع المسئولية بين المعتدي والمحتل والمتهرب من القرارات الدولية والتزاماته وتوقيعاته وبين المطرود من أرضه ودياره والمهدد يوميا بالقتل والتشريد والاعتقال حتى يغطي انسحابه من موقع الوسيط القادر على الموازنة والتعديل؟


توزيع المسئولية

إشارة أوباما للجانب العربي من غير وجه حق وضعت مهمة المبعوث الأميركي جورج ميتشل وأنشطة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في زاوية مستحدثة تختلف عن تلك الزاوية التي انطلق منها الرئيس في أسابيعه الأولى وكلف بموجبها الطاقم الدبلوماسي بالتحرك باتجاه «الشرق الأوسط». وكلام أوباما عن عدم كفاية المبادرة العربية وغمزه من زاوية مطالبة الدول العربية باتخاذ «خطوات ملموسة» وحثه على «تعزيز السلام» كلها مجموعة نقاط تهبط على حروف تحتاج إلى توضيح وتركيب حتى يُفهم المقصود منها.

دعوة «إسرائيل» إلى «ضبط» النشاط الاستيطاني تشكل خطوة تراجعية مقارنة بالكلام السابق الذي طالب فيه بوقف وتجميد. فالضبط لا يعني بالضرورة مطالبة بالوقف والتجميد وإنما مجرد الحدّ من التوسع أو التخفيف من السرعة حتى لا تستفز السلطة الفلسطينية وتتردد الدول العربية في تقبل فكرة المفاوضات تحت رحمة سيف الاستيطان والتوسع في إطار«النمو الطبيعي».

تراجع أوباما الخجول يحتاج إلى قراءة عربية لأنه يشكل خطوة استباقية باتجاه ترسيم سياسة تستهدف إعادة إنتاج رؤية أميركية جديدة لمعادلة السلام في «الشرق الأوسط». وما قاله الرئيس الأميركي في تصريحه أمس الأول في نيويورك بين السطور يمكن أن يظهر على سطح الكلام في الفترة المقبلة في إطار خطة عمل تخالف توجهاته السابقة. فالتصريح غمز من قناة الدول العربية معتبرا أنها ليست جدية وهي لا تقدم المطلوب (الملموس) ولا تبادر إلى فتح الأبواب والأجواء للتطبيع. والتطبيع مطلب إسرائيلي لأنه يأخذ من جانب الدول العربية ولا يقدم المقابل المطلوب للجانب الفلسطيني. وهذا النوع من السلام الإسرائيلي يعتمد معادلة أخذ الاعتراف والأرض معا من دون ضرورة للتنازل.

هناك نواة مشكلة بدأت تنمو في باطن توجهات الإدارة الأميركية. والنواة في حال واصلت نموها في الاتجاه الذي رسم خطوطه بخجل الرئيس أوباما في تصريحه الأخير تؤشر إلى بدء تعديل في مسار المفاوضات والتسوية وربما إعادة الخطوات إلى المربع الأول وكما كان في عهد سلفه جورج بوش.

مساواة أوباما بين النشاط الاستيطاني الإسرائيلي والتحريض الفلسطيني ضد الاستيطان مسألة تكشف عن عدم التمييز بين الفعل ورد الفعل. ومساواة الدول العربية التي طرحت قبل سبع سنوات مبادرة للسلام بسياسة تل أبيب التي ترفض منذ العام 1967 تطبيق القرارات الدولية بشأن الانسحاب ووقف العدوان تعكس رؤية غير عادلة في التعامل مع الأطراف المعنية بالمسألة. وهذه المتغيرات في رؤية أوباما قد تكون بداية لإعادة النظر في القواعد التي انطلق منها قبل شهور. فالرئيس بعد دخوله البيت الأبيض انطلق من مبدأ أن تجميد الاستيطان يساعد على تجديد التفاوض مع الجانب الفلسطيني والبدء بالتفاوض الثنائي الإسرائيلي - الفلسطيني يشجع على توسيع دائرة التسوية وإدخال كل الدول العربية في نطاق مشروع السلام العادل. الآن أصبحت المعادلة مخالفة لتلك المنطلقات إذ أخذ الرئيس يبدأ من نقطة التحرك نحو التفاوض من دون حاجة إلى تجميد الاستيطان وثم الانتقال إلى التطبيع (خطوات ملموسة) من دون شروط مسبقة حتى تكون الأطراف جاهزة للسلام. والسلام في هذا المعنى يرجح وجهة نظر الاحتلال لأنه لا يتضمن بالضرورة الانسحاب وتفكيك المستوطنات وترسيم حدود الدولة الفلسطينية ومستقبل القدس وموضوع العودة.

قراءة تصريح أوباما في نهاية قمة نيويورك الثلاثية الفاشلة ضرورية لأنها تشكل مقاربة لاكتشاف الاختلاف بين رؤيتين أميركيتين قد تكون الإدارة حائرة بينهما وربما تحتاج إلى انتباه عربي ويقظة فلسطينية وخطوات دبلوماسية سريعة لاحتواء تداعيات ضياع الرئيس الأميركي واحتمال انزلاقه إلى مربع بوش. فالتحرك حاجة عربية - فلسطينية لأنه قد يمنع أوباما من تدوير زوايا الصورة في حال استمرت تل أبيب في المخالفة والاعتراض من جانبها.

القمة كانت فاشلة بحسب تصريحات الأطراف الثلاثة. والفشل الذي يمتنع أوباما الاعتراف به قد ينقلب إلى سياسة أميركية منحازة توزع المسئولية على ثلاث قوى: اثنتان ضد السلطة الفلسطينية والدول العربية، وواحدة ضد حكومة الثنائي نتنياهو - ليبرمان.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2575 - الخميس 24 سبتمبر 2009م الموافق 05 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:34 م

      الموت وحده سوف ينسيهم

      سيدي ...هده سياسه الغاية منها ان تبقي قضيتنا مفتوحه ...وهي سياسه تعمل جنبا الى جنب مع سياسه دوليه مدروسه بعنايه فائقه ..وفي دات الوقت متغيره بحيث تواكب مجتمعاتنا ..حتى يأتي دلك اليوم حيث تكون جاهزه بشكل او بأخر للتطبيع ليس مع عدوها بل صديقها الجديد...وكل دلك يتم بلتعاون والتنسيق مع كل الحكومات العربيه بدون استثناء...وآخيرا (.....واعدائك ثلاثه عدوك وعدو صديقك وصديق عدوكز)

اقرأ ايضاً