العدد 2573 - الثلثاء 22 سبتمبر 2009م الموافق 03 شوال 1430هـ

الجاه الاجتماعي آفة هذا العصر (2)

عدنان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

صحافي بحريني

الفيزا كارد (كلفة وكلفة مضاعفة)

تعتبر الفيزا كارد المتنفس الأخير لكثير من الأسر في البحربن حتى أن البعض يستخدمها لملء خزان البترول! ولكن لو حسبنا الأرباح الشهرية لرصيد قدرة 3000 دينار نجد أنها في حدود 60 دينارا بواقع 24 في المئة في الشهر وهي نسبة فاحشة يدفعها المواطن من راتبه عن طيب خاطر كل شهر!, أما سنويا فالرقم ربما يتجاوز الـ 720 دينارا كل هذا المبلغ بدون عائد استثماري, فهو ليس قسطا لأيٍّ من اللوازم الأساسية ولو استمر لـ 10 أو 20 عاما, سيبقى المبلغ الأصلي سيفا مسلطا على عنقك حتى تستدين وتدفعه وليس من مناص هنا من دفع أرباح القرض التي قد تتجاوز الـ420 دينارا في ثلاثة أعوام. وهنا الكلفة الجديدة تقع في حدود 12 دينارا أرباحا شهرية. في أحد البرامج الأميركية الهادفة استاضافوا إحدى خبيرات التوفير وعند سؤالها عن أمثل وأحسن الطرق للتوفير؟ أخرجت بعض بطاقات الفيزا من جيبها وقطعتها في الحال معلنة هذة هي البداية أنت الآن على أول الطريق إن كنت جادا في الأمر.


النقال وأجهزة الاتصالات

لقد أصبحت حاجات الأولاد في الأسرة على قدم المساواة مع رب وربة الأسرة بدءا بالسيارة وانتهاء بالموبايل وهذا الأمر جديد علينا ففي السابق كنا نكتفي بالتليفون الثابت ولم تكن تتعدى الكلفة الشهرية في المتوسط 40 دينارا أما الآن فخمسة موبايلات بكلفة تشغيل شهرية 10 الى 15 دينارا فى أضيق الحدود مع التليفون الثابت 25 دينارا والإنترنت بين 10 و40 دينارا يكون المجموع 110 إلى 140 دينارا شهريا وليس من الغريب أن يتجاوز هذا الرقم الـ 160 دينارا في بعض الأحوال كالأعياد والمناسبات وعليه فالنسبة هنا 13 في المئة فإذا ضربنا هذا الرقم في 12 تكون الكلفة السنوية بين 1260 و1920 دينارا يا إلهي أيعقل هذا الأمر؟! أتدفع الأسرة من دخلها هذا الرقم المخيف سنويا للاتصالات؟ هل تعرفون ما يعني هذا الأمر؟ إنه اعتداء صارخ على دخل الأسرة والأجدى أن يوظف 60 في المئة من هذا المبلغ لتعليم الأولاد مستقبلا أو لمفاجآت الأيام - لا سمح - الله هذا ونحن نعي جيدا ونرى بأعيننا تفنن شركات الاتصالات في الترويج لسلعها والسعي المستمر نحو رفع الكلفة لوحدة الاتصال بطرق مختلفة لذا فليس غريبا أن تتخطى أرباح بعض شركات الاتصالات للعام الماضي 2008 حاجز الـ 100مليون دينار وللنصف الأول من هذا العام 50 مليون دينار هذا إضافة إلى أن النقال أصبح وسيلة لكل من هبّ ودب لعرض بضائعه وسلعه وخدماته بدون استئذان وكأنك فاتح هذا الحساب «مضيف الحسن» دون مراعاة لخصوصيات الناس أو أوقات راحتهم!


التعليم الخاص

أما مصاريف التعليم الخاص المدرسي فهي في المعدل من 140 إلى 200 دينار للمدارس الخاصة والمتوسطة، أما المدارس عالية المستوى فالمواطن ربما يدفع أضعاف ذلك لكي يفي بالتزاماته، وعليه فالنسبة هنا تتأرجح بين 11 و17 في المئة إلا أن التعليم المدرسي الخاص هذه الأيام أصبح موضة وتجارة رائجة وأصحاب هذه المدارس يتفننون كل عام في رفع سقف الأسعار مرة بدواعي ارتفاع أسعار البترول ومرة بدواعي ارتفاع الجنيه الاسترلينى! بل إن بعضهم يجيز لنفسه تغيير مواعيد الدفع فيجعلها في العاشر من الشهر بدلا من آخره ويلزم ولي أمر التلميذ بدفع غرامة قدرها دينار عن كل يوم بواقع 15 دينارا رسوم تأخير زيادة كل شهر!؟ الكل يصول ويجول ولا من محاسب ولا من رقيب. بل إن البعض لا يتورعون عن إخراج الطالب خارج الفصل حتى يحضر ولي أمره ويسدد الفاتورة؟! وقد ذكر لي البعض أن أحدهم شكا إحدى المدارس الأجنبية فما كان من إدارة المدرسة إلا أن فصلوا أولاده! واتصلوا به للحضور لأخذهم من عند بواب المدرسة بطريقة تفتقر إلى أدنى أنواع الذوق والكياسة والأخلاق من مربيين نأتمنهم على أبنائنا؟!


القاسم المشترك

هذه معظم المصروفات المنوط بها المواطن البحريني ولكن على الرغم من أن كل المصروفات كما أسلفت لها وجهان اجتماعي واقتصادي إلا أن القاسم المشترك فيها رغم تنوعها واختلاف وجوهها ونسبها من طبقة اجتماعية إلى أخرى هو أن أغلبها فورية مثل القضاء المستعجل - والعياذ بالله - فليس هناك وجبة غذائية من دون مقابل إلا في المآتم والأعراس وبالمثل المرض والألم - والعياذ بالله - لا نرفعه إلا بعد دفع أجرة الدكتور والأدوية بل إن القوانين والتشريعات في حالات الإعسار والتفليس تخص باعة المواد الغدائية بالأولوية في الدفع حتى تبعد عنهم شبح الضيق والاعسار وذلك منعا لوقف عجلة الحياة, وبالمثل فى التعليم الخاص كما أسلفت كذلك مصاريف الصيانة للسيارات والاجهزة المنزلية وغيرها. ولكن من النسب التي ذكرتها مسبقا يتضح ان المصروفات فى شقها الاجتماعي تستولي على نصيب الأسد من دخل الاسرة. ولو سألنا انفسنا كيف انسقنا طواعية الى هذا الأمر وشربنا الغصات كل يوم ونحن ندفع كل ما نملك لكي نحافظ على هذه الهالة أو الجاه الاجتماعي؟ ولم يفكر أحدا منّا، لم لا توجد كلمة توفير فى قاموس المواطن البحريني؟ فعلى الرغم من الارقام الفلكية والنسب الكبيرة التى ذكرتها إلا إنني لا أذكر أن سمعت يوما أو قرأت عن برنامج توعوي أو تثقيفي عن التوفير تضع خلفه الجهات الرسمية أجهزتها وإعلامها أو حتى الجمعيات الأهلية والمؤسسات الاجتماعية حتى يصبح هذا البرنامج أحد أولويات المواطن البحريني، فاليوم غير الغد، وما هذه الأزمة الاقتصادية التي نمر بها إلا مؤشر نحو التوقف وإعادة النظر فى بناء موازنة الأسرة بعيدا عن الاسفاف والتجاهل. فمن المؤكد اننا لا نعلم شيئا بالتحديد عن قادم الأيام... من يدري؟ ألم نرَ بين ليلة وضحاها كيف هوى سعر البترول من 150 الى ما دون الـ 35 دولارا؟ ولم يكن أحد يتوقع ذلك وكل يوم منذ العام 1979 الحرب الايرانية العراقية، والحروب الأخرى تتوالى على هذه المنطقة من كل حدب وصوب مرة في الكويت 1990 ومرة فى العراق الجريح 2003 وحرب لبنان 2006 وحرب وحصار غزة 2008 والآن القلاقل فى اليمن ومند أيام وصلت أصابع التخريب الى السعودية والارهاب يطارد ضحاياه فى كل مكان وأميركا وحليفتها «إسرائيل» تلوح من وقت لآخر بضرب إيران تحت ذريعة المفاعل النووي! ألا يدعو هذا الأمر للتريث والتفكير مجددا فيما يجب إعداده لقادم الأيام؟


صناعة القرار

لم لا نحاول ولو مرة واحدة ان نكون من صنّاع القرار فى بيوتنا؟ لم لا نغير من عاداتنا الاجتماعية العبثية ونقلص بعضا من حاجاتنا الكمالية تدريجيا لبعض السنوات... من يدري؟ فلعل هذه التجربة تفتح أذهاننا على كثير من الامور الخفية وتصنع فى حياتنا نهجا جديدا، ففي مقابل التنازل فى كل مرة والصرف ببذخ لم لا نتعلم مرة ونطبق المثل القائل (مد رجليك على قد لحافك).على الاقل مراعاة لأبنائنا وصونا لهم من جور الزمان وضائقة الدهر. لقد أخبرني أحد القادمين من لندن ان بعض الطلبة الانجليز يتغذى بتفاحة دون أن يرى ضيرا فى ذلك لا من نفسه ولا من المحيط الدراسي الذي يعيشه، ونحن مازلنا نقبع فى كهف الافكار القديمة البالية عيب ورزالة؟ والله لا توجد تفاهة ونقيصة أكثر من الاسفاف والتبذير هذا ونحن نعي جيدا ونكرر أن النعم زوّالة.

أخبرني أحد المصرفيين أن كثيرا من المجنسين يوفرون القسم الأكبر من رواتبهم طوال العام, وعندما يقترب الصيف يسحبون كل مدخراتهم ويبقون فى الحساب 5 دنانير فقط!؟... وهكذا يعيدون الكرة حال رجوعهم من بلدهم الأم ويتكرر الأمر مع بداية كل صيف... انهم يوظفون أموالهم خارج البلاد؟! وما هي إلا سنوات وتسمع عنهم من ذوي الشأن إلا ان الاجانب غير المجنسين والذين يعملون فى القطاع الخاص تحظى رواتبهم بنصيب الاسد من التوفير (اللهم لا حسد), فالمؤسسات التي يعملون بها ترفع عنهم غائلة الاسعار فتوفر لهم السكن والتأثيث والتعليم المدرسي الخاص لأبنائهم وتذاكر السفر للوطن الأم وغيرها... أما البحرينيون زملاؤهم فى المهنة فليس لهم من تلك الامتيازات ناقة ولا بعير؟! فلا عجب ان يوفر هؤلاء أكثر من 60 في المئة من رواتبهم إضافة الى انهم يتسلمون أضعاف ما يتسلمه زملاؤهم البحرينيون, وفوق كل ذلك للاسف الشديد تحول كل هذه المدخرات المعفاة من أي شكل من اشكال الضرائب فى البحرين الى خارج البلاد بدون ضوابط أو شروط! هذه الضريبة المفترضة لو أحسنا استخدامها من الممكن ان تساهم فى كثير من المشاريع الخيرية وتخفف بعضا من الاعباء المعيشية لكثير من الفقراء إضافة الى انها تعزز دورة رأس المال فى الداخل.

نحن قطعا لا نستطيع توفير 60 في المئة, ولكن لو اقتصدنا فى بعض ما نصرفه على البهرجة تيمنا بقول الرسول (ص) «لا تسرف ولو كنت من بحر تغرف» واتعظنا مما نرى ونسمع مما يفعله المجنسون ولاجانب لاستطعنا يقينا ان نوفر الكثير, أليس مجمل المجنسين من طبقات فقيرة؟ ومع ذلك يعرفون كيف يوفرون؟! نحن وفي خضم كل هذه الظروف المحيطة والمتربصة بنا لسنا بأحسن حال من كثير من الدول المضطربة, ولكننا للأسف مازلنا غارقين في وهم كبير عنوانه (نحن بخير وفي منأى عن كل ما يجري في الجوار) ولم نفكر حتى أن نضع في الحسبان أي احتمال لسيناريو مختلف يعد الأمة لقادم غير متوقع - لا سمح الله - جريا على ما تعمله كثير من الدول في الحروب والأزمات, أما أن نتجاهل الامر وكأننا نعيش فى كوكب آخر فذلك أمر ربما لا تحمد عقباه.

وبقي امر آخر، لقد وجدنا فى السنوات الأخيرة تهافت الجهات الرسمية والأهلية نحو فتح أبواب المساعدة للفقراء والمحتاجين, وقد تجلى ذلك في فتح الكثير من الصناديق الخيرية حتى بلغت 45 ضندوقا ولكني علمت من مصادر قريبة, ان الكثير من الاسر الفقيرة للأسف الشديد تتسلم المعونات من تلك الصناديق من دون ضوابط أو شروط وقد برمجت بعض هذه الاسر حياتها الاجتماعية فى غياب أي مساءلة نحو صرف بعض هذه المساعدات في غير وجوهها (إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب), أما آن الأوان أن تصرف تلك المساعدات تحت شروط معينة حتى تصل الى كل مستحقيها دون إسفاف للبعض أو إجحاف للبعض الآخر؟ نحن نعلم أن الفقر موضوع متشابك ومعقد, ولكن السؤال: أين يُصنَّف الفرد من ذوي الدخل فئة 150 دينارا وما دونها وأفراد أسرته في إزدياد مستمر كل عام؟! هل هو فقير أم جاهل؟ أيهما أولى بالعناية والعلاج؟ لاشك إذا عالجنا الجهل قطعا سنخفف كثيرا من تداعيات الفقر وبالمثل البذخ فى غير موضعه على حساب الاولويات... عندما كنت طالبا فى القاهرة سأل دكتور العلاقات العامة الطلبة: «إذا حصلت عدوى للكوليرا فى قرية ما من نبعث لهم من الناس؟»، البعض قال دكتور والبعض قال مفتش صحة أما هو فأجاب بطريقة تهكمية استفزازية: «نبعث لهم رجل دين ساقط الابتدائية يولع البلد»... إن رجال الدين فى البحرين متعلمون وأغلبهم خريجو الحوزات العلمية ومن ذوي النفوذ والتأثير في الشارع البحربني... وهم طاقة جبارة لو أحسن استخدامها فى توجيه الناس وترشيدهم في إيجاد الحلول المناسبة لكثير من المشاكل الاجتماعية المهملة, لآتت مساعيهم أكُلَها منذ وقت بعيد.

إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"

العدد 2573 - الثلثاء 22 سبتمبر 2009م الموافق 03 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:36 ص

      مضيف الحسن !!

      لقد اتجه المجنسون الى أكثر من مضيف في النصف من رمضان و قد رأيت نساءهم يتجولن في أزقة المنامة و شوارعها من مضيف الى مضيف و هن يملأن أكياس النايلون الكبيرة بمختلف الأطعمة و الأجباس ، حتى أن الواحدة منهن لا تكاد تستطيع المشي من كثرة ما تحمل ، وكل منهن تعتقد أن هذه الفرصة يجب استغلالها و تحويش ما يمكن تحويشه و خزنه لمدة عام كامل ، أعتقد أن القائمين على التجنيس سيجدون متنفساً لهم و لن يضطروا لتوفير الغذاء للمجنسين طالما يوجد مضيف الحسن !!!!!!!!!

    • بنت الفردان | 8:49 ص

      شكرا اخي الفاضل على هذا المقال

      ربنا انك قد وضعت يدك على الوجع الذي نعانيه في هذا الزمن الأغبر ، فنحن البحرينيون اصبحنا استهلاكين بدرجة كبيرة جدا ، فنحن نشتري ونشتري فهناك مواسم لا حصر لها من اعياد وزواج للأهل والأقارب وغيرها من المناسبات المفرحة وحتى في اتراحنا وفي رمضان ، بالإضافة الى الأتراح ( محرم وصفر )الخ ، فكل تلك المناسبات نشتري ونشتري كل ما هل جديد وجديد ، وحتى العباءة ( اصبحت تكلفنا الكثير ) ونقوم بإستبدالها عند ظهور موضة احدث ، فأصبحنا نستخدم تلك البطاقة السحرية ، حتى اصبحنا نغرق بالديون الى ان تصل للنخاع وشكرا.

    • زائر 1 | 7:46 ص

      المال وسيله فقط...

      فى هذا الزمن من كثرة الكماليات لا يوجد مجال للادخار ...

اقرأ ايضاً