العدد 2571 - السبت 19 سبتمبر 2009م الموافق 30 رمضان 1430هـ

الجاه الاجتماعي آفة هذا العصر (1)

عدنان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

صحافي بحريني

تعاني غالبية الناس من عجز في الميزانية الشخصية وهذا يعني أن الدخل لا يغطي الانفاق، وقد حاورت الكثيرين من ذوي الدخول العالية فئة الـ 3000 دينار فما فوق، وبالمثل الأفراد ذوي الـ 1200 دينار نزولا إلى الأفراد ذوي الدخول المتواضعة فئة الـ 200 دينار فما دون ذلك، فوجدت أن كل الفئات يعانون الأمر ذاته.

عجز في ميزان المدفوعات ولكن لوجوه مختلفة وأسباب متباينة، ففي حين تطغى الكماليات على مصروفات الفئة الأولى نجد أن الفئة الثانية تتذبذب بين الحاجات الأساسية من تعليم وعلاج وكماليات ذات استهلاك متكرر، أما الفئة الأخيرة فللأسف تعاني من أمرين: أولهما أمرّ من الآخر ففي حين تتصدر الأعباء المعيشية قائمة المصروفات إلا أن هذه القائمة (المصروفات) تتقاطع بشكل لافت ومأساوي مع بعض الكماليات الأخرى، ككلفة أجهزة الاتصالات من تليفون ونقال وغيرها، بل يقدم بعضهم في أحوال كثيرة ويقتص من مخصصات الأولى لحساب الأخرى أو يؤجل بعض المتيسر من المصروفات كفاتورة الكهرباء، وهي حالة تعني أن الجاه الاجتماعي وللأسف يتقدم على الحاجات المعيشية وهو أمرٌ غير محمود لم نعهده في السابق.

ولو بحثنا عن جوانب الصرف في المجتمع البحريني المعاصر نجد أنها تنحصر في الغالب في بابين: اقتصادي واجتماعي، فالمعروف أن الإنسان البسيط تكون أوليات دخله إن لم تكن مجملها معيشية بحتة مثل المسكن والمأكل والمشرب ثم ما يتبقى يصرف للعلاج تحت الضغط والحاجة أما الكماليات فتأتي في آخر القائمة هذا إن بقي شيء لتغطية هذا الباب.

أما الفئة الثانية فبعد استيفاء الحاجات الأساسية يأتي الاهتمام بالكماليات الأساسية كالسيارة والعلاج والتعليم ثم الكماليات المنزلية وغيرها، ولكن الهاجس الأكبر لهذه الفئة هو توفير أجود وأرقى أنواع التعليم لأبنائهم حتى لو اقتضى الأمر ركوب الموجة العالية في طلب العلم في أوروبا وأميركا... هذه الفئة أكثر الناس اعتدالا واتزانا ولا تجد بينهم من يسعى للتباهي على حساب الأساسيات من أمور أولية فهم بحكم وضعهم المادي الجيد عندهم مساحة من المرونة في الصرف تمكنهم من موازنة المصروفات وذلك بالاستعانة من دخل الأجل للحاضر أعني القروض والتسهيلات بمبالغ تكفي الحاجة وتبعد عنهم شبح الخوف من العجوزات المرتقبة أو غير المتوقعة في هذه الفئة يقع الأطباء والمهندسون والمصرفيون والكتاب والمثقفون... إنهم ملح الأرض بهم يسير ركب البلاد نحو الاستثمار في الإنسان وكأن لسان حالهم يقول: (إذا أردت أن تصنع بلدا فاصنع الإنسان أولاُ).

إنهم يراهنون على استمرارهم من خلال التعليم الذي سيورث أبناءهم نفس الرتبة الاجتماعية. لهذا السبب تسعى كثير من الدول كأستراليا وكندا الى جذب هذه الفئات وتجنيس الغنية منها والتي تمتلك التعليم النوعي كالمهندسين والأطباء وذوي التخصصات النادرة.

إنهم بحق استثمار جاذب لكل الدول... هذه الفئة للأسف الشديد بدأت تتآكل في السنوات الأخيرة وتتقهقر تحت ضغط الغلاء نزولا الى الطبقة الثالثة وهو مؤشر سيء يعني أن الغني في هذه البلاد سيزداد غنى والميسور سيتقهقر تدريجيا إلى صفوف الفقراء.

بقيت الطبقة الأولى الغنية والغنية جدا، هذه الفئة هاجسها الأول الإبقاء على مكانتها الاقتصادية في السوق والاستعانة بكل ما أوتيت من تكنولوجيا وخبرات وعمالة أجنبية ومحلية، من أجل المحافظة على مركزها المالي وجاهها الاجتماعي.

هذا الهاجس يدفعها قدما في هذا الطريق نحو المحافظة على الامبراطورية التي ربما يكون الآباء قد ورثوها عن الأجداد وعليه، فهاجسهم الأساسي هو إشراك أبنائهم في هذه التركة ومن ثم توريثهم المؤسسة التجارية بكل طاقمها وفروعها المحلية والخارجية وإن سعوا لتعليم أبنائهم فهو لغرض إعدادهم لاستلام التركة. أما ولوجهم مجالات أخرى للتعليم غير التجارة فالهدف هو الجاه الاجتماعي.

المصروفات المتكررة في الطبقة المتوسطة

ورغم أن جوانب الصرف والانفاق لكل الفئات تندرج كما أسلفت تحت اثنين أو ثلاثة بنود: اقتصادي واجتماعي وسياسي نجد أن مصروفات الفئة المتوسطة لعائلة مكونة من خمسة أفراد ذات دخل شهري قدره 1200 دينار تبرز فيما يلي: تأتي المصروفات المعيشية المتكررة في أول القائمة وهي تقع من الدخل العام في نسبة وقدرها 20% يتبعها مصروفات العلاج الخاص تحديدا هذا عند الأخذ في الاعتبار أن العائلة سليمة صحيا وبعيدة عن الأمراض الوراثية أو الخلقية وليست مشمولة ضمن برامج التأمين العلاجي قرابة 35 دينارا في الشهر، هذا إن لم تتكرر الحاجة لزيارة الدكتور للمراجعة أو الحاجة لعلاج أكثر من شخص من أفراد ألاسرة في نفس الفترة، اذا فالنسبة هنا تقع بين 4 الى 10% تأتي بعد ذلك الكماليات ولنبدأ بالتعليم الخاص فالنسبة لفرد واحد تقع بين 12إلى17% مضروبة في اثنين أو ثلاثة حسب العدد أما السيارة، فتبدأ من القسط الشهري 180 دينارا في المتوسط بعيدا عن الغلو يضاف لها مصاريف التشغيل (البترول) والصيانة الشهرية والتي تقع في حدود 35 دينارا بذلك يكون المجموع الكلي 215 دينارا وعليه، تكون النسبة المئوية 18% من الدخل فإذا صادف وجود أكثر من سيارة فذلك يرفع النسبة من 36 إلى 40% مع العلم أن المعدل لكثير من الأسر في البحرين هو ثلاث سيارات.

كل ذلك يبدو طبيعيا فالبحرينيون بحكم عدم وجود مواصلات عامة سريعة وملائمة ولسبب الحاجة للتنقلات صارت السيارة امرا ضروريا.

هذه بعض الحدود الطبيعية لمصاريف التشغيل ولكن غير الطبيعي في الأمر هو عندما يفاجئك الكراج بفاتورة ثقيلة مثل المطرقة فوق الهامة... والذين يملكون أكثر من سيارة في المنزل يعون هذا الأمر جيدا.

الغريب أن الحاجة للسيارة لم تعد وقفا على رب وربة المنزل بل تعدتها إلى باقي الأفراد ولكن لا أحد يعرف على وجة التحديد لم انسقنا في هذا النمط ولبسنا جميعا طائية (طاقية) البهوية؟.

لا شك إنه الإعلام المبرمج الذي يسير في خط مواز لبرامج القروض والتسهيلات التي تقدمها البنوك وعلى الرغم من أن القروض الشخصية في مجملها لا تتعدى الـ 25% من الدخل العام إلا أن السؤال: هل هذه الخدمة وقفا على مرة واحدة أم قابلة للتجديد؟

وهكذا ما إن يخرج المواطن من قرض حتى يعتمر قرضا آخرا. لا أحد ينكر أن القروض تسد الكثير من الحاجات الطارئة والضرورية، ولكني مازلت أذكر في وقت مضى هذه العبارة على أبواب أحد البنوك (سافر الآن وادفع فيما بعد؟)

إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"

العدد 2571 - السبت 19 سبتمبر 2009م الموافق 30 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:22 ص

      الشعب والفقر

      الشعب البحريني في توجه نحنو فقر كبير والسنوات القادمة سوف تكون اصعب

    • زائر 2 | 3:56 ص

      من الجاه الاجتماعي التجنيس !!!

      أكبر آفة يمكن أن يصاب بها مجتمع ما هي التفاخر بالمقتنيات الحديثة !! و أكبر آفة أصيب بها مجتمع صغير و فقير هي اقتناء المجنسين المتخلفين منهم على وجه الخصوص !! إذا اقتنى الامسام سيارة مستعملة فكم سيصرف على تصليحها ؟!!! و اذا اقتنى مجتمع ما مجنسين متهرئين و متخلفيم فكم سيصف عليهم ؟!! إنه الوجاهة الاجتماعية الفارغة التي يتميز بها مجتمع الحقد الدفين !!!!!!!

    • زائر 1 | 2:32 ص

      الجاه الاجتماعي آخر ما نفكر فيه

      لا نملك الكثير حتى نهتم بالجاه الاجتماعي، فالمواطن البسيط تسحقه الطبقات الأعلى منه، وخصوصا طبقة المتنفذين والمتسلقين، وما يحدث في البحرين هو خير مثال على ذلك، فلم يترك لنا إلا الفتات، فأي جاه اجتماعي نفكر فيه، حتى شراء سيارة يعد لنا حلما من الأحلام، فآخر سيارة اشتريناها سنة 91م وكانت مستخدمة، ولا نزال نستخدمها.

اقرأ ايضاً