العدد 2571 - السبت 19 سبتمبر 2009م الموافق 30 رمضان 1430هـ

التمرد الفنزويلي على واشنطن (3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تكتمل جولتنا في زوايا مربع التمرد الفنزويلي على واشنطن بالنظر إلى العلاقات التي تحكم الزاويتين الأساسيتين اللتين تحتضنان واشنطن وكاراكاس. ولو كان جورج بوش لايزال في السلطة، لاستمرت العلاقات المتأزمة بين الدولتين، فالرئيس الفنزويلي الحالي هوغو شافيز دأب على وصف بوش بأنه «الشيطان، الذي ينفذ سياسة الإمبريالية الأميركية»، بينما يصف بوش نظيره الفنزويلي، بأنه «الديكتاتور الذي سرق السلطة».

ولفهم خلفية ذلك الخلاف، الذي ساهم في توتير العلاقات الفنزولية - الأميركية لفترة امتدت طيلة فترة وجود بوش في البيت الأبيض، لابد لنا من العودة قليلا إلى الوراء.

بعد ثلاث سنوات على وصول شافيز إلى السلطة في العام 1999، وبعد أن سيطرت على الشارع الفنزويلي حالة من السخط الشديد جراء تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، امتدت أصابع المخابرات الأميركية في العام 2002 ، كي تشترك في انقلاب ضده لم يستمر أكثر من 47 ساعة نجح خلالها أنصار شافيزمن إحباط تلك المحاولة، وإعادة شافيز مرة أخرى إلى سدة الحكم. ورفضت حكومة بوش حينها الاعتراف بالهزيمة فلجأت لأعمال التخريب من خلال دعم الجماعات المناهضة لشافيز. هذا يفسر تشبيه شافيز لبوش بأنه «الشيطان الذي لن يتردد شافيز عن مواجهته».

لسنا هنا بصدد شخصنة الخلاف، لكن لا يمكن فصل تأزمه عن الخلافات بين الرئيسين، التي أججت من نيران الخلافات القائمة بين البلدين حول قضايا مثل تهريب المخدرات وصفقات السلاح، دون إغفال المواقف المتباينة من قضايا الديمقراطية.

ما يخيف واشنطن من سياسة شافيز هي تلك الشعارات التي يرفعها في سبيل تنفيذ مشروعه السياسي.

فعلى صعيد السياسة الداخلية لا يكف شافيز عن الدعوة للمزيد من الإصلاحات الدستورية التي قضت على آخر آمال الولايات المتحدة في عودة أي من الأحزاب السياسية التقليدية إلى الحكم، ناهيك عن اصطدام تلك الشعارات وتطبيقها المباشر مع مصالح الاحتكارات النفطية الأميركية المستفيدة من وراء عمليات شراء النفط الفنزويلي للسوق الأميركية، والتي تصل حصته إلى نحو 13% من احتياجات تلك السوق.

و تزداد المخاوف الأميركية من السياسة الفنزولية، حينما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، نظرا للعلاقات المتميزة التي نسجتها كركاس مع هافانا العدو اللدود لواشنطن في الأميركيتين، وضاعف من تلك المخاوف أيضا، ذلك الحلف الثلاثي الذي وضع أسسه شافيز مع المكسيك وكولومبيا، إثر لقاء القمة التي عقدت في مطلع الربع الأول من العام 2001. حينها، لم تتردد واشنطن من محاولات التدخل العسكري في دول الحلف الثلاث، لكن محاولاتها باءت بالفشل والاستياء من عواصم دول أميركا اللاتينية على حد سواء.

لكن وكما هو معروف ، فإن محاولات التدخل المباشر في الشئون الداخلية لدول أميركا اللاتينية هي شغل واشنطن الشاغل، خلال الحقبة البوشية (نسبة إلى بوش الابن)، وهي التي يتحدث عنها بصراحة نعوم تشومسكي، حيث يقول في إحدى محاضراته «لو اردتم تخميناتي، وليست مبنية على أي معلومات سوى ما سوف أفعله لو جلست في مكتب وضع الخطط في البنتاغون وطلبوا مني وضع تصور لطريقة الإطاحة بحكومات بوليفيا وفنزويلا وإيران واقعيا. الفكرة التي سوف تمر بخاطري فورا، لذا فأنا اتخيل أنهم يشتغلون عليها الآن، هو دعم الحركات الانفصالية، وهي حركات يمكن فهمها إذا ما نظرت إلى الجغرافيا والأماكن التي يتواجد بها البترول». وفنزويلا ليست رابع أكبر مصدري النفط للولايات المتحدة بالبترول فحسب، لكنها أيضا قريبة من السوق الأميركية.

كان ذلك على الصعيد السياسي، أما على الصعيد الاقتصادي، فلم يكف شافيز عن تعزيز مواقف المحور الأكثر راديكالية داخل منظمة الإقطار المصدرة للنفط (أوبك)، من أجل إحكام سيطرة الدول المصدرة للنفط على مقدرات نفطها في مواجهة الضغوط التي تمارسها ضدها الاحتكارات النفطية الأميركية، وهو أمر لايمكن أن تقبل به إدارة البيت الأبيض، التي ردت على كل ذلك بالإيعاز إلى رؤوس الأموال الأميركية للحد من استثماراتها في فنزويلا، والانسحاب منها للتحول نحو أسواق أخرى، من بينها تلك التي تقع في دول أميركية جنوبية، تحتفظ بعلاقات ودية مع الولايات المتحدة، مثل الأوروغواي، وتشيلي.

لكن ما يثير مخاوف شافيزهو كون الأوضاع الداخلية في فنزويلا ليست مستقرة، خاصة عندما يؤخذ في الحسبان بعض الاتجاهات المعادية لسياسة شافيز والتي تقودها الكنيسة، المتحالفة مع بعض رجال الأعمال المتضررين من سياسة شافيز اليسارية بعض الشيء. هذا الأمر يجعل شافيز لايثق في نوايا واشنطن، حتى مع وصول شخصية مثل باراك اوباما إلى السلطة، ومن ثم فإن خير وسيلة للدفاع عن النفس هي اللجوء إلى سياسة الهجوم.

ولكي يتمكن شافيز من الانتقال من مواقع الدفاع إلى خنادق الهجوم، كان عليه أن يستعين بعنصر جديد غير عناصر القوة التي حققتها سياسته على مدى السنوات السبع من حكمه. ولربما وجد شافيز أن نسج تحالفات مع دول من مستوى الصين وروسيا من أجل تطوير الصناعة النفطية في بلده سيحقق له هدفين يشكلان، في حال وصوله لهما، سياجا أمنيا ضد محاولات الولايات المتحدة لزعزعة حكمه.

فمن جانب، وعلى الصعيد الداخلي، ستساهم تلك المشاريع، في الحد من تفاقم الأوضاع الداخلية المتردية. أما على الصعيد الخارجي، فهي بمثابة ترس قوية ترغم الولايات المتحدة على إعادة النظر في أية نوايا للإطاحة بنظام شافيز خشية الدخول في مشكلات سياسية واقتصادية مع دول قوية متحافة معه، ولها مصلحة مباشرة في استمراره في السلطة، وهي روسيا والصين، اللتان لا يمكن أن نقفا مكتوفتي اليدين في حال تعرض حكمه للخطر، ولربما ساعداه، بشكل غير مباشر وسري، في حال تحركه المتمرد ضد واشنطن

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2571 - السبت 19 سبتمبر 2009م الموافق 30 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً