العدد 2571 - السبت 19 سبتمبر 2009م الموافق 30 رمضان 1430هـ

أوباما يتخلى عن «درع» بوش

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما التخلي عن نشر «الدرع الصاروخية» في بولندا وتشيخيا يعتبر أول خطوة عملانية بالقطع مع سياسة جورج بوش واستراتيجيته الدولية. فالخطوة مهمة للغاية ولا يمكن أن تمر من دون تداعيات أو تفاعلات على مستوى الداخل الأميركي أو على مستوى رؤية مستقبل العلاقات مع روسيا الاتحادية.

قرار التخلي وصفته قيادة الكرملين بالصائب والشجاع. ولاقى أيضا الترحيب من بريطانيا ولكنه لم يعجب قيادات وارسو وبراغ التي تخوفت من أن يشكل بداية لسحب الغطاء عن دول أوروبا الشرقية.

مهما كانت التوصيفات الدبلوماسية والتعليقات السياسية بشأن القرار فإن للخطوة حساباتها الأميركية. فالرئيس أوباما لابد أن يكون قرأ المسألة من كل جوانبها وقام بمراجعة الملف للتعرف على الحيثيات التي اعتمدها سلفه بوش للإعلان عن «خطة الدرع» وما أثارته من زوبعة خلافات مع موسكو.

المراجعة أدت كما قال أوباما إلى خلاصة مخالفة لتلك التي توصل إليها بوش في العام 2006. فالتقرير المخابراتي الذي رفعته القيادة العسكرية لواشنطن أشار آنذاك إلى احتمال تطوير إيران منظومتها الصاروخية في السنوات العشر المقبلة وأنها في حال نجحت في تحقيق التقدم التقني في المجال المذكور ربما تشكل صواريخها مشكلة أمنية وتهدد استقرار أوروبا وأميركا.

بوش أسس توهماته بناء على فرضيات تحتمل التأويل ويمكن تفسيرها من جوانب مختلفة. فالتقرير المخابراتي لم يشر إلى تهديد مباشر ولم يذكر أن طهران توصلت إلى تحقيق اختراقات تقنية وفنية كذلك لم يلمح إلى احتمال أنجاز إيران لمشروعها في القريب العاجل.

افتراضات التقرير برأي أوباما ليست مهمة لأن كتبته أكدوا له أن صواريخ إيران ضعيفة تقنيا ومتخلفة فنيا ومجالها الجغرافي قصير المدى ولا تتمتع بتلك المواصفات التي تبالغ الصحف في الترويج لها. القراءة الأخرى للملف كشفت وجود مبالغات إعلامية استغلها بوش واستخدمها عشوائيا حتى يقنع الجمهور الأميركي بوجود خطر يهدد أمنه وحياته واستقراره.

المسألة إذا سياسية وليست أمنية. والأمن في النهاية يخضع للرؤية السياسية وأسلوب إدارة القيادة للصراع ودراسة انفعالات كل خطوة وردود الفعل عليها ومحصلة المكاسب أو الخسائر التي قد تجنيها الدولة من الحساب العام. بوش آنذاك كان يعيش سنته ما قبل الأخيرة في البيت الأبيض وإدارته كانت تتخبط يوميا في تصريحاتها وخطواتها وقراراتها لذلك وجد في افتعال الأزمات واختراع المشكلات واختلاق المخاطر أفضل وسيلة للهجوم والتغطية على العجز وتلك الإخفاقات التي زعزعت استراتيجيته في «الشرق الأوسط الكبير».

أوباما الآن في وضع مختلف ومريح نسبيا مقارنة بسلفه بوش (الرجل المختار). والرئيس الجديد غير ملزم بترويج استراتيجية ساهمت في عزلة أميركا الدولية وأدت إلى توتير علاقات واشنطن بموسكو على خلفية أزمات مختلقة كان بالإمكان تجاهلها وعدم التورط بها.

اختلاف موقع أوباما ورؤيته للأمور الدولية يشكل الدافع الأساس لاتخاذه قرار التخلي عن مشروع لا معنى له ولا قيمة استراتيجية منه سوى توتير الفضاءات الأوروبية وزعزعة العلاقات مع دول كبرى لا يمكن استبعادها في الكثير من الملفات التي تركز واشنطن على تفكيك إلغامها قبل فوات الأوان.

خطوة أوباما مهمة لأنها شكلت مسافة عملانية تقطع في جانب مع مرحلة وتحاول في جانب آخر تأسيس مرحلة. والقرار السياسي في الإطار الداخلي قد يعرض إدارة واشنطن إلى مواجهة غير معلنة مع مؤسسات التصنيع الحربي التي تعتمد عادة على ترويج المخاوف والمخاطر للتغطية على تضخم موازنة الدفاع وتبرير إنتاج الصواريخ وتطويرها ونشرها مقابل مبالغ خرافية في أرقامها. وخطوة أوباما ستواجه لاشك سلسلة ردود غاضبة من اللوبي العسكري بشأن قراره لأن الإقلاع عن المشروع وتجميده وتغيير تكتيكاته سيؤدي إلى خسائر فادحة وسيعرض شركات التصنيع الحربي إلى اهتزازات مالية في مرحلة تشهد الأسواق لحظات عدم استقرار.

لوبيات التسليح

هناك معركة داخلية ستبدأ اللوبيات بشنها ضد إدارة أوباما بذريعة أنه مثالي وساذج ولا يفهم بالسياسة ولا يمتلك خبرة ولا يعرف إدارة مصالح الدولة. ولابد أن يكون أوباما درس هذا الاحتمال واستعد لمواجهته قبل أن يتخذ قرار التوقيف والتجميد. وفي حال نجح أوباما في تبرير خطوته داخليا واقنع الجمهور بعدم فائدة مشروع «الدرع» مقابل مكاسب يمكن أن تحققها الولايات المتحدة دوليا فإن الإدارة تكون اجتازت مرحلة صعبة باتجاه تصحيح العلاقات مع روسيا وتحسين سمعة أميركا الدولية ودورها في أوروبا.

نجاح أوباما في تخطي اعتراضات الكارتيلات الاحتكارية في الداخل الأميركي يفتح أمامه الباب لتوظيف خطوته التراجعية في إطار مشروع ضبط التوازن الدولي في منطقة القوقاز والبحر الأسود. فهذه الدائرة تعتبر تقليديا حديقة خلفية أو ذاك المجال الحيوي لروسيا، وهي عموما تشكل منطقة نفوذ جغرافية - بشرية لموسكو ما يعني أن أوباما بات في موقع يسمح له بإعادة تنسيق الملفات المتصلة بجورجيا وأوكرانيا والبحر الأسود بعد إقدام بوش على استخدامها بأسلوب غوغائي أدى إلى اضطراب الأمن واضطرار قيادة الكرملين التدخل لحسم الأمور عسكريا حتى لا تنهار جبهتها الخلفية في القوقاز.

خطوة إلغاء الدرع لا يمكن أن تكون خارج السياق الدولي وطموح أوباما لتطوير العلاقات الأميركية مع روسيا في إطار سياسة «احترام المصالح» وتبادل الملفات وإعادة ترتيب الأولويات قبل نهاية الشهر الجاري حين تبدأ جلسات افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة. فهذه الفترة مهمة جدا لأنها ستكون بمثابة امتحان نظري لمدى قدرة أوباما على «التغيير».

قرار التخلي عن «الدرع» خطوة عملانية فعلا وهي تشير إلى رغبة واشنطن في التغيير بناء على معادلات ومعاملات تختلف منهجيا عن رؤية بوش. فالإدارة الآن في صدد الالتقاء مع إيران لبحث مستجدات «الملف النووي» في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول. وأوباما لا شك أعاد قراءة التقرير الذي أصدرته المخابرات الأميركية في عهد بوش وأشارت فيه رسميا إلى أن طهران أوقفت برنامجها العسكري في العام 2003 وكل ما يقال بشأنه مجرد كلام صحف و«تصريحات بخارية» لا أساس لها من الصحة. فالبرامج النووي الإيراني (العسكري) لا وجود له وهو يشبه كثيرا برنامجها الصاروخي في تخلفه التقني والمهني ولا يشكل ذاك الخطر الذي بالغ بوش في تضخيمه وتسويقه خدمة لأغراض استراتيجية تلبي مصالح شركات التصنيع الحربي وتبرر منهج التوتير وتقنع الجمهور الانتخابي بوجود مخاطر تهدد أمنه ونمط معاشه.

خطوة أوباما العملانية مهمة في توقيتها، فهي جاءت في لحظة تحتاج فيها الإدارة إلى أوراق تستطيع استخدامها للمقايضة والتراجع والتقدم ضمن عملية حسابية تأخذ في الاعتبار مقدار الخسائر أو الأرباح التي تجنيها الدولة الأميركية في هذا القرار أو ذاك.

مراجعة الحسابات أدت بالرئيس أوباما إلى اتخاذ قراره بشأن «الدرع» إذ اكتشف أن خسائر المشروع استراتيجيا أكبر بكثير من فوائده، وتحسين العلاقة مع موسكو أفضل من أرضاء مشاعر نخبة أوروبية قلقة على مصالحها في بولندا وتشيخيا. المراجعة التي قررها أوباما في أوروبا الشرقية يمكن أن تفتح الطريق لإعادة قراءة ملفات ساخنة في القوقاز (جورجيا، أوكرانيا، البحر الأسود) وصولا إلى بحر قزوين ومحيطه والدول الواقعة على ضفافه. وكل هذه الملفات الإقليمية تشكل نقاط اختبار للتوازنات الدولية في عهد إدارة أميركية لا تدّعي أنها مكلفة من «الأعلى» لإنقاذ البشرية وترويج الديمقراطية وتمكين المرأة والدفاع عن حقوق الإنسان من طريق القوة والتقويض والإسقاط من فوق بالمظلات العسكرية. فهذه الأوهام «البخارية» لا يقول بها أوباما ولا يستخدمها شعارات أيديولوجية لتبرير التدخل والابتزاز أو الغزو بهدف تسويق تجارة الأسلحة ونهب خيرات الشعوب الطبيعية.

سياسة أوباما «المثالية» أكثر واقعية من توهمات بوش لأنها تتعامل برؤية لا تصطنع المعجزات ولا تتكابر على موازين القوى ولا تتعدى على مصالح الدول الكبرى في مناطقها ومجالاتها الحيوية وحدائقها الخلفية. ومثل هذه السياسة قد تكون مثمرة ميدانيا أكثر من طموحات بوش التي اختلقت أزمات وأنتجت كوارث. فهل تكون خطوة أوباما بداية عملانية لمشروع التغيير؟ المسألة لا تحتاج إلى توقعات وتخمينات وإنما إلى وقت حتى تتوضح الصورة. الصورة حتى الآن أن أوباما عاجز وغير قادر ولا يستطيع التغيير بسبب حواجز اللوبيات في الداخل الأميركي. القرار الأخير بشأن «الدرع» كسر المحرم الأول ولكن الصورة تحتاج إلى الكثير حتى تتغير

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2571 - السبت 19 سبتمبر 2009م الموافق 30 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:34 م

      هاي

      يقول الرئيس السابق : هذا انسحاب تكتيكي مو انهزام . الى الامام دوم يا اوباما . هاذي احنه عارفينها الجبابره عمرهم ماععرفو التقهقر.
      اقولون انه مو اسمه اوباما اسمه ابو عمامه حورت الى اوباما الله ياحلو يا ابو عمامه حسين من غرائب الزمان .
      اخوكم عبد علي البصري

اقرأ ايضاً