العدد 2570 - الجمعة 18 سبتمبر 2009م الموافق 28 رمضان 1430هـ

حديث في الطوائف والطائفية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في جنوب شرق مدينة الموصل العراقية تقع قرية كُرديّة اسمها وردك. تسكن هذه القرية زهاء الـ 500 عائلة. وبها 300 منزل طيني متهرئ. سُكّانها جميعهم من الطائفة الكاكائيّة الصّوفيّة، التي ينسب أفرادها أنفسهم إلى الإسلام.

الخريطة الديمغرافية لهذه الطائفة الباطنيّة في داخل العراق هي مناطق السهل الجنوبي من كركوك بمندلي وداقوق وكفري وطوزخورماتو وخانقين، ومناطق شرق الموصل، بالإضافة إلى نثارٍ بسيط على مختلف محافظات العراق.

في إحدى الليالي الليلاء من الأسبوع المنصرف وفي سرارة القرية الطينية وضع مجهول أرعن ينتمي إلى محور الإرهاب/ الاحتلال سيارة مُفخّخة فقتل اثنين وعشرين فردا من هذه الطائفة وأصاب أربعين آخرين، بعضهم في حالة حرجة.

في معركة العراق ضدّ الإرهاب والاحتلال قصّة صبر مثاليّة. فالقَيّمون على الجريمة فيه ما فتئوا جاهدين يستنهضون همم الطوائف والأعراق ضد بعضها وحتى أنويتها بغرض توسيع دائرة الصراع وتنويع أشكاله.

في البداية ضربوا بجنون وقسوة في اللحم الشيعي لجرّ ملايين من العراقيين الشيعة نحو حرب مفتوحة ضدّ ملايين من العراقيين السّنّة. وعندما فشِلوا قاموا باستهداف مُقدّساتهم وحسينياتهم ورموزهم الدينية والسياسية والعشائريّة.

وبالمثل جرّبوا في جوامع ومساجد السُّنة في البصرة وبغداد. كان الهدف واضح جدا وهو جرّ هؤلاء إلى نقطة احتراب ضروس. وكم كانت المأساة مهولة بين عامي 2006 و2007 عندما اندلعت أسوأ حرب طائفية لعينة تكفّلت بإنهاء حياة مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء.

استمرّ محور الإرهاب/ الاحتلال في كيّ الطوائف العراقية الأخرى بعلامة العداء للآخر لتنويع وتوسيع الصراع. فهو يُدرك أنه عندما تصل الأمور إلى استباحة القطر الأساس من الطائفة يُصبح كلّ شيء مباحا ومُجوَّزا للانتقام!

عند الأزيديين تولّى هذا المحور الشّرير تسخين مشاعر هذه الطائفة بداية في بعشيقة والبحزاني والشيخان، ثم أوقع فيهم مذبحة رهيبة راح ضحيتها أكثر من مئتي شخص خلال تفجير أربع شاحنات بمنطقة سنجار.

وعند طائفة الشّبك قام محور الإرهاب/ الاحتلال بتفخيخ شاحنتين في قرية خزنة بناحية برطلة الموصليّة (شرق) فقتل ثمانية وعشرين شبكيا وأصاب مئة وثلاثين، مع هدّ ستين بيتا من بيوت هذه الطائفة.

وعند الكُرد الفيليين سُحِلَ أكثر من أربعين شخصا منهم في منطقة الوثبة وجُرِحَ تسعون آخرون، وقبلها كانت قد ارتُكبت مجزرة بحقهم في إحدى مناطق محافظة ديالى حين أعدِمَ رجال فيليون أمام أعين نسائهم وأطفالهم.

وعند المسيحيين الكلدان الآشوريين السريان والأرمن قُتِلَ أكثر من ألف شخص منذ السقوط، وهُجِّرَ أزيد من 300000 مسيحي في مناطق شتّى من العراق، واختطف العديد من قياداتهم الروحية (الأب نوزات حنا من رعية مار بيتيون مثالا).

وعند الصابئة المندائيين فقد أثقلت عليهم تفجيرات سوق الذهب، وقتل منهم أكثر من 500 شخص بين شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2003 وحتى مارس/ آذار 2006 وتهجير أكثر من أربعة آلاف عائلة إلى خارج الحدود لتصبح أعدادهم لا تتجاوز العشرة آلاف بعد أن قاربت أعدادهم السبعين ألفا قبل السقوط.

ضمن هذا المسار تُصبح الهويّة العراقية الجامعة جانحة في دغلٍ رفيع ما لم يُصلَح عطبها. في العلاج لن يكون الأجدى أقلّ من هويّة عراقيّة لا يُنظر فيها للأقلّيات على أنها بطون رخوة، ولا للأكثريات على أنها قيّمة على البلد دون سواها.

الأجدى هنا هو توسيع المشتركات مع الأغيار. فالطوائف والأعراق لا تملك البلد ولا كلّ تجارته ولا كلّ سياسة وإنما حصّة منه. وبالتالي فإن الجميع مُحتاج إلى الجميع، والكلّ لن يكون كُلا إلا بالجزء، وهذه هي الحقيقة.

مَنْ حَكَمُوا ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية كانوا خليطا من محافظين وايمريين، وكاثوليك وقوميين بل وحتّى نازيين كانوا قد نموا في جوف الرايخ الثالث والثقافة الهتلريّة العنصرية.

وبعد توحيد الألمانيتين بسقوط سور برلين لم يتسبّب دخول سبعة عشر مليون ألماني شرقي إلى الاتحاد الجديد، وترجيح البروتستانتية المسيحية أيّة غضاضة كاثوليكية تُؤدي إلى حِراب عرقي أو ديني، رغم أن الكثلكة هي من تسيّدت على ألمانيا بعد الحرب الكونية.

في العراق لا يحتاج الناس فيه إلى تعاليم ودروس من أحد. فهم أكثر البشر قربا إلى التعايش الطوائفي والعرقي. وبالتالي فلا ضير اليوم إن دفعت الطوائف في العراق بتنازلاتها وخفّضت من سقوفها لصالح جبهة منيعة ضد محور الإرهاب/ الاحتلال.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2570 - الجمعة 18 سبتمبر 2009م الموافق 28 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 2:55 م

      عحب

      تعحبت من القنبله اللتي وضعت بالقران بضريح الامام الكاظم
      واللحمد لله جنود اهل البيت موجودين بكل مكان
      الله ينصر الاسلام والمسلمين ويخذل الكفر والمشركين

    • زائر 5 | 9:53 ص

      بحراني مغترب

      تآلف الأعراق و الطوائف تراه جليا في سوق الشيوخ فمن محلة السيف لشارع التوراة لشارع الحبوبي (عكد الهوى) وبالقرب من صيدلية الحكمة سابقا.من الصابئة لليهود للبحارنة الذي مازالوا يشتركون مع أهل القطيف و الأحساء وهذه الجزيرة بأسماء عوائلهم سواء من العشائر العربية التي دخلت التشيع حديثا أوالتي كانت أصلية في التشيع تبقى الناصرية مكانا تتآلف فيه كل الطوائف و الأعراق.إلى هناك-حيث أبناء العمومة-نبعث سلامنا و ندعو للعراق.

    • زائر 4 | 7:10 ص

      الحقد الدفين عماكم عن اسرائبل

      عيب والله عيب جعلتم من بلد مسلم شماعة لكل مصائب العراق وتخليتم عن الصهاينة والاحتلال
      الى الزئر رقم 3

    • زائر 3 | 5:22 ص

      ستبقى الطائفيه موجوده

      ستبقى الطائفيه موجوده مادام في دول مثل إيران موجوده تألب الناس على بعض.

    • زائر 2 | 2:46 ص

      الطوائف

      اخي الكريم من يقف خلف هذه ارهاب الطوائف ولماذا انهم لم ولن يقبلو بمن يحكم العراق اليوم ان يستمر في حكمة حتى ولو كلفتهم ميزانيات النفط كاملة انظر وراقب لنعرفهم دولة دولة...بالعربي الفصيح لايريدون الشيعة ان تحكم العراق...والشيعة تقول لاتفريط في الحكم واليوم كرسي الرئاسة لنا.

    • زائر 1 | 9:42 م

      الاحتلال الارهاب كل يحتاج للاخر لحفظ التوازن

      العراق اذا استقر لن يرضى بالاحتلال فيعمد الى ارخاء اللجام عن الثور الارعن لينطح بقرنيه المدببتين الجموع واذا استقر العراق واجبر الاحتلال على الرحيل فلن تكون للثور الارهابي مكانا فهذا التقاطع في المصالح يفرض نوع من التنسيق غير المعلنبين الاحتلال و الارهابيين

اقرأ ايضاً