بمناسبة اليوم العالمي للديمقراطية في 15 سبتمبر / أيلول الجاري، وبوصفها صمام أمان للكرامة الإنسانية، وحقوق المواطنة الكاملة، كان لزاما علينا فتح باب الأمن الإنساني في البحرين وخاصة مع تنامي ظاهرة الاعتداءات والانتهاكات والتي طالت مؤخرا البيت الأمني فيها وهو المعني في الأصل بحامية الناس من كل أشكال الابتذال والمهانة، فكيف إذا كان هو المسئول؟
ليس هناك اتفاق عام حول مفهوم الأمن بشكله المطلق، فمن وجهة نظر دائرة المعارف البريطانية ترى أن الأمن يعني «حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية». وفي رأي وزير الدفاع الأميركي الأسبق وأحد مفكري الاستراتيجية البارزين روبرت مكنمارا، وفقا لما يشير في كتابه «جوهر الأمن» إن الأمن يعني «التطور والتنمية، سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة».
بعد الحرب الباردة برز مفهوم الأمن الإنساني جليا والذي يركز على الإنسان الفرد وليس الدولة، فلا يرتبط أمن الإنسان بأمن الدولة بقدر ارتباطه بأمن مواطنيها وحفظ كرامتهم، إذ تصبح الدولة في بعض الأحيان هي مركز تهديد لأمن مواطنيها، وقد لقي هذا التوجه تحديا كبيرا في القرن الحالي خاصة مع ظهور العولمة وتأثيرها المباشر على الإنسان، فقد جاء في تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي العام 1999 والذي يحمل عنوان «عولمة ذات وجه إنساني»: «على رغم ما تقدمه العولمة من فرص هائلة للتقدم البشري في جميع المجالات نظرا إلى سرعة انتقال المعرفة وانتقال التكنولوجيا الحديثة وحرية انتقال السلع والخدمات، فإنها في المقابل تفرض مخاطر هائلة على الأمن البشري في القرن الحادي والعشرين»، وقد حدد هذا التقرير سبع مخاطر تهدد الأمن الإنساني أبرزها: عدم الاستقرار المالي وخصوصا في ظل تواتر الأزمات المالية والتي تعصف بمعيشة الإنسان وطموحه، غياب الأمان الوظيفي وعدم استقرار الدخل، غياب الأمان الصحي، إذ ارتبطت سهولة الانتقال وحرية الحركة بسرعة انتقال وانتشار الأمراض، غياب الأمان الشخصي وانتشار الجريمة، غياب الأمان الثقافي إذ ساعدت العولمة على اختلاط الثقافات والعادات، وامتزاج الهويات، وانتشار الأفكار الجديدة عبر الصحف والفضائيات والمواقع الالكترونية والاتصالات الحديثة، غياب الأمان البيئي والذي يهدد بطبيعته الوجود البشري والحيواني والنباتي على حد سواء.
القرآن الكريم تناول الأمن وقد ورد اللفظ بعدة أشكال لكنه لم يرد مقيدا بشيء لا بوصف ولا بإضافة، ومعنى ذلك أن الأمن معنى مطلق وكامل وشامل غير قابل للتبعيض، وجاء لفظ الأمن في القرآن لتبديد الخوف الإنساني لقوله تعالى «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» (قريش: 3 و4). فالأمن هنا هو ضد الخوف، والخوف يعني التهديد الشامل، سواء منه أكان مرتبطا بالمعيشة أو الاستقرار النفسي أو الاجتماعي، وقد قرن سيدنا إبراهيم الدعاء بتحقيق الأمن مع ارتباطه بالعبودية لله خالصة التوحيد له «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ» (إبراهيم: 35)، كما قرن النبي (ص) الإيمان بالأمن لقوله «الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ».
فالأمن هو أول حاجات الإنسان بحسب تصنيف هرم ماسلو للحاجات، وهو أول دعائم وجوده في هذه الحياة، بل أول مطالبه، وان انتهاكات كراماته والتطاول عليه، هي تهديد حقيقي لوجوده الإنساني، والبحرين - أرض دلمون - التي وصفتها أسطورة جلجامش بأنها «أرض أمن وأمان وحياة»، و «أرض الخلود التي لا يوجد فيها مرض أو موت أو حزن»، و «البلد الذي فيه الأسُود لا تقتل أحدا، ولم تكن الحمامة فيه تحني رأسها أبدا»، والأرض التي فيها رسالة الأمن تتحدد في «الحفاظ على القانون، والمحافظة على النظام وضمان الأمن العام».
ولتحقيق ذلك يسعى لبناء «علاقة حميمة بالمجتمع وذلك من أجل منع الجريمة والحد منها وكذلك الحد من الخوف من الجريمة». لكننا نتساءل: إلى أي درجة منع الأمن هنا الجريمة في البحرين؟، أليست في ازدياد؟، وإلى أية درجة كان رجال الأمن على مستوى ضبط النفس وعدم التطاول على الآخرين؟، وعلى أية درجة كانوا من الانتباه والحذر والحيطة من حدوث أي اعتداءات وانتهاكات لأعراض الموقوفين داخل قاعات التوقيف، مجرد أسئلة توجه إلى المعنيين ليقفوا عندها طويلا لمعالجة مكامن الخلل، لأن كرامة الإنسان فوق كل الاعتبارات.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 2570 - الجمعة 18 سبتمبر 2009م الموافق 28 رمضان 1430هـ
الله يعطيج العافية
الأخت الغالية رملة سلمت يدك على هذا المقال الرائع لقد استمتعت كثيرا واستفدت كثيرا من المعلومات المتسلسة فيه حيث الاسلوب الجميل الذي يقودنا لنهاية محكمة كما عهدناك
شكرا لك
ملاحظة
الامن حسب هرم ماسلو هو الحاجة الثانية بعد اشباع الحاجات الفيزيولجية . هذا مجرد ملاحظة