العدد 2570 - الجمعة 18 سبتمبر 2009م الموافق 28 رمضان 1430هـ

«دروب المطايا» ملحمة إماراتية تحكي سيرة الأولين

يشكل مسلسل «دروب المطايا»، الذي تعرضه قناة «أبوظبي» حالة توثيقية لجهة المادة الدرامية التي خاضها العمل، مقدما كل يوم ومن خلال نصف ساعة موضوعا يعيد إلى الأذهان، وتحديدا الجيل الجديد، العلاقة بالتراث، بمجمل تفاصيل الحياة والمعيشة اليومية للمواطن الإماراتي في منطقة العين وأبوظبي، وبالتالي صار العمل محط أنظار فئة من سكان الإمارات والخليج الذين يجدون في تلك المرحلة (بداية القرن العشرين،وحتى ثلاثينيات القرن الماضي) متنفسا، وحالة فيها حميمية شديدة.

«دروب المطايا» هو عنوان الرحلة الدرامية الجديدة التي خاضها الفنان سلطان النيادي في صيغة العمل البدوي، ليعود إلى أيام كانت فيها الجمال تسير برحلات شتوية وصيفية كي تحمل الزاد والمؤونة إلى أهالي العين، في قصة مثيرة تقدم الآلية التي كان يتواصل بها أهل العين مع أبوظبي؛ المدينة الساحلية العتيقة، وهي تدعم العين بأفضل البضائع والأطعمة وأجودها، ونجح العمل في إثارة حالة الحنين تلك وتحقيق رؤيا فنية تراثية بالدرجة الأولى.

ويميل العمل باتجاه التوثيق لحالة حياتية أكثر مما نستطيع أن نقول عنه إنه حالة درامية مئة في المئة، لأن في توصيفه مسلسلا دراميا بحبكة وحكاية وأحداث وشخصيات يظلم المادة التي تتبعها النص، واجتهد عليها المخرج بقصد إظهار تاريخ أو تراث الإمارات، وربما كان النص في حاجة إلى شكل إخراجي يدعم وجهة نظر الكاتب والفنان سلطان النيادي، الذي يعتبر «عراب» هذه التجربة قولا وفعلا.

ولم يسبق أن تطرقت الدراما الإماراتية أو الخليجية إلى مثل هذا النوع من الأعمال التي تحكي عن علاقة المدن الإماراتية ببعضها بعضا، وعن التواصل الاجتماعي بين العين وأبوظبي مثلا، اللتين عاشتا كتوأمين جمعتهما العائلات والقبائل وأبعدتهما الجغرافيا نسبيا عن بعضهما بعضا، كي تزيد من حميمية تلك الأيام، ومن التمازج بين كلتا المنطقتين. وحرص الكاتب سلطان النيادي في تجربته الكتابية الثانية التي يقدمها عبر بوابة تلفزيون أبوظبي، على أن تكون مادته التاريخية مبنية على وثيقة تاريخية من خلال القراءات التي حققها والسيرة الشفاهية التي استخلصها من خلال كبار السن من المواطنين الإماراتيين.

ومن المثير في هذه التجربة، بحسب استطلاعات آراء المواطنين الإماراتيين نشرت ضمن تقرير عرضته إحدى الصحف الإماراتية، أن العمل يقدم بلهجة أصيلة للمرحلة التي يعالجها العمل، مما يجعل في النص مزية الحفاظ على الجو العام للعمل. ولعل اللافت في تجربة «دروب المطايا» هو العودة إلى التاريخ واستخلاص بعض التفاصيل من سيرة حياة مبارك بن لندن، المستشرق الإنجليزي الذي عاش فترة طويلة في الإمارات مدونا الكثير من تفاصيل الحياة البدوية والبرية في الإمارات، وشكلت تلك المادة التي كتبها وجمعها في كتاب «الرمال العربية»، وسبق أن قدمت سيرة حياة مبارك بن لندن في فيلم سينمائي حققه مجيد عبدالرزاق ولم يلق الرواج المطلوب العام الماضي.

في «دروب المطايا» توليفة حكائية تقارب القصة في الحديث عن العلاقة بالصحراء، وعن الكثير من التفاصيل التي أفضت إلى تعايش بين سكان تلك المنطقة أيام زمان مع البيئة القاسية التي طبعت طابع السكان ونمط حياتهم وسلوكهم الاجتماعي بها، لذلك كانت الصحراء تنتج رجالا قساة يواجهون الحياة بمنطق الصحراء ويقفون ضد أهوال الحياة ومتاعبها من دون أن يثنيهم هذا عن مضيهم في تحقيقهم آمالهم ومشاريعهم التي عقدوا العزم عليها.

وهنا نشيد بالعمل في إفصاحه عن صور متتالية لكل ما ذكرنها، بل العمل حقق رصدا مصورا لأخلاق البدوي وحرصه على أن تكون الفضيلة والأخلاق مرافقة لكل ظرف يتعرض له أو لموقف يعيشه، هذه الأخلاق التي كانت تقودهم باتجاه تعميق حياة البدو في الصحراء والمضي لعقد صفقة مع الحياة... كان سكان الصحراء يعقدون صفقة مع الرمال تجيز لهم مجاورتها والاستفادة منها وضمان شرها وأهوالها. صفقة لم تلتزم الصحراء بها كثيرا، ولكن لطالما بددت الأشعار التي كانت تنظم والاحتفاليات التي تشاد هنا وهناك.

ومن خلال رائحة الجمر والقهوة المرة التي يجيد استخدامها سكان بيوت الشعر (الخيام) كانت تلك لحظة استراحة نادرة من القيظ والغربة التي كانت تفرضها الصحراء على الساكنين فيها، ولاشك أن البدو في غنائهم وأشعارهم التي كانوا ينسجونها كانت الرمال والمها والعقرب والأفعى والحب النبيل والجمال الصارخ ومفردات الغزل واحدة مما تتضمنه الأشعار والشيلات.

والعمل هنا لم يغادر هذا الجو والتفاصيل التي ذكرناها قبل قليل، ولكن يؤخذ عليه أن توثيقه الملابس والإكسسوارات يكاد يكون عصريا أكثر من انتمائه إلى مرحلة تاريخية قديمة أو قريبة من المرحلة التي جرت فيها الأحداث، وربما نظرة ومقاربة دقيقة للشكل الخارجي للفنانين والفنانات يظهر أن التغريب الموجود في الملابس قد حيد العمل عن الجانب التوثيقي الذي نجح بفرضه على فضاء العمل.

اشتكى العمل في البداية من ترهل إيقاعه وضعفه حتى تبين شكله وأسلوب تناوله والتعاطي معه. وفي كل الأحوال تدارك عارف الطويل هذا الأمر واعتمد على السرعة في إنجاز المشاهد وتقديمها، ويحسب له تقديم صورة سينمائية مستفيدا من جماليات الصحراء في المساحة الفنية التي اعتمدها. وربما شكل من أشكال التوثيق المعتمد في العمل هو تقديم صورة مرافقة لحركة الزمان والمكان ورصد التفاصيل فيه. وتجدر الإشارة إلى أن العمل تم تصويره في أماكن متفرقة في إمارة أبوظبي وأهمها القطارة ورأس غراب.

العدد 2570 - الجمعة 18 سبتمبر 2009م الموافق 28 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً