العدد 2569 - الخميس 17 سبتمبر 2009م الموافق 27 رمضان 1430هـ

التمرد الفنزويلي على واشنطن (1)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في تصريح ناري اعتبرته بعض الأوساط الدبلوماسة ما يشبه التمرد الأبيض على واشنطن، أعلن الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز «أن شركات روسية وصينية وافقت على استثمار 36 مليار دولار في القطاع النفطي في بلاده خلال السنوات الثلاث المقبلة، مشيرا إلى تعهد الصين باستثمار ما قيمته 16 مليار دولار في التنقيب عن النفط في حزام اورينوكو النفطي الفنزويلي، (وعلى نحو مواز)، أعلن كونسرتيوم من 5 شركات روسية عن موافقته على استثمار قدره 20 مليار دولار في نفس المنطقة»، التي يقدر خبراء النفط الاحتياطي الثابت لحقولها 235 مليار برميل، تضاف إلى ما تملكه اليوم فنزويلا من احتياطات نفطية مثبتة تصل إلى 142 مليار برميل. وهي بذلك تملك أكبر احتياطي من النفط خارج منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب كون حقل حوض نهر اورينوكو أكبر حقل نفط ثقيل في العالم.

كان يمكن أن تمر هذه الصفقات برؤوسها الثلاثة الفنزويلي - الصيني - الروسي، دون أن تثير حفيظة واشنطن، لولم تكن فنزويلا العامل المشترك فيما بينها، ولولا التوتر الذي يسود العلاقات بين واشنطن وكاراكاس. لذا ولكي نتمكن من تقدير خطورة هذه الخطوة وأبعادها الاسترتيجية، وما تحمله من انعكاسات على الأوضاع في الأميركيتين، ينبغي إلقاء الأضواء على العلاقات الدولية الفنزولية، في إطار هذه الاتفاقيات الجديدة، مع كل دولة، من زوايا المربع الثلاثة الأخرى، والتي هي، موسكو، بكين، وواشنطن. دون إغفال السياسة النفطية المتمردة التي تطبقها حكومة شافيز والتي أممت منذ عامين فقط 4 شركات نفطية رئيسية في منطقة أورينوكو.

ونبدأ بالعلاقات الروسية - الفنزولية، والتي، كما يبدو لا تنحصر في المجال النفطي، بل وتتجاوز حتى الإطار الاقتصادي، لتصل إلى الدوائر العسكرية.

فمن المعروف أن روسيا، وكما كشف مؤخرا مساعد الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف للسياسة الخارجية سيرجي بريخودكو على أبواب عقد عشر اتفاقيات متبادلة لحماية حقوق الملكية الفكرية في التعاون العسكري، وأخرى بين وزارتي الدفاع تشمل تدريب الأفراد والتبادلات العسكرية، بما يشمل شراء فنزويلا دبابات روسية ردا على اعتزام الولايات المتحدة نشر قواعد عسكرية في كولومبيا المجاورة». ومن المعروف أن روسيا وفنزويلا قد وقعتا 12 اتفاقية تسليح تجاوزت قيمتها 4.4 مليارات دولار فى الفترة ما بين عامي 2005 و2007.

وكانت الولايات المتحدة، قد أفصحت في وقت قريب عن مخاوفها من شروع فنزويلا في شراء أسلحة تزيد قيمتها عن ملياري دولار من روسيا، كي لا يؤدي ذلك، وكما تدعي واشنطن إلى «تفجير سباق على التسلح في منطقة أميركا الجنوبية». وتأتي خطوة شافيز هذه في أعقاب موافقة موسكو «على إعطاء فنزويلا قرضا بقيمة 2.2 مليار دولار لشراء 92 دبابة وصواريخ متطورة مضادة للطائرات».

ولم بخف شافيز نظرته البعيدة المدى حين يقدم على نسج مثل هذه العلاقات المتميزة مع موسكو، والتي يطمح أن ترقى إلى آفاق استراتيجية، كما قال، إبان زيارته الأخيرة لموسكو، مخاطبا نظيره الرئيس الروسي ميدييف «أنا أرفع علاقاتنا في كافة الميادين إلى مصاف الشراكة الاستراتيجية»، من أجل وضع حد لعالم القطب الواحد الذي تستفرد أميركا بالسيطرة على مقدراته.

ولكي لا تبقى العلاقة بين كاراكاس وموسكو سائرة في اتجاه واحد فقط، بمعنى حصرها في ضمانات دعم روسي لفنزويلا في معاركها التي تخوضها ضد واشنطن، اغتنم الرئيس الفنزويلي زيارته الأخيرة لموسكو، كي يعلن من هناك عن اعتراف بلاده باستقلال إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا المنشقين عن جورجيا. وهو بذلك يستجيب للنداء الروسي الذي وإن كانت موسكو، وكما يقول ميدييف «لا تطلب من الدول الأخرى أن تعترف باستقلال هاتين الدولتين ولكنها تكون ممتنة لأية دولة أخرى تقرر الاعتراف باستقلال الدولتين اللتين توليهما (روسيا) جل اهتمامها».

ومن الطبيعي أن هذا النمو في العلاقات بين البلدين لا يأتي بشكل مباغت، فقبل مايربوعلى العام، أعلن مساعد القائد العام للأسطول البحري الحربي الروسي لشئون الإعلام العقيد البحري ايغور ديغالو عن وصول «مجموعة من السفن الحربية التابعة لأسطول الشمال الروسي إلى ميناء لاغويرا الفنزويلي ومن بينها الطراد الصاروخي الروسي الثقيل (بطرس الأكبر) والسفينة المضادة للغواصات (الأميرال تشابانينكو) وسفن الإمداد والتموين من أجل إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع القوات البحرية الفنزويلية».

كما سبق ذلك ما عبرت عنه جولة الرئيس الروسي في عاصمتي الدولتين اللدودين للولايات المتحدة وهما كوبا وفنزويلا، من رد على الدعم الأميركي الذي حظت به جورجيا أثناء المواجهات العسكرية مع موسكو في أواخر العام 2008، وتوقيع اتفاق نشر الدرع الصاروخي في بولندا والذي رأى فيهما الكثير من المحللين الاستراتيجيين من أمثال أريل كوهين «عرض قدرة روسيا في العودة إلى الأسلوب السوفييتي في استعراض القوة العالمي، ولو في مساحة أصغر مما كان الوضع عليه في القرن العشرين».

ربما أقدمت العاصمتان موسكو و كاراكاس على هذه الخطوة كي تكون بمثابة الرسالة المباشرة إلى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أن تلتقط أنفاسها من أزماتها الداخلية والخارجية التي ورثتها من الإدارة السابقة.

هذا يلقي الضوء على ما يمكن أن يحققه لكاراكاس من ثقل في صراعلها مع واشنطن الحلف الاستراتيجي الفنزويلي - الروسي.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2569 - الخميس 17 سبتمبر 2009م الموافق 27 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً