متى يتخلى الرئيس باراك أوباما عن حكمة الرئيس بوش بعزل حماس؟
في مؤتمر صحافي في مدينة غزة قبل أسابيع قليلة، أعلن إسماعيل هنية، زعيم حماس في قطاع غزة: «إذا كان هناك مشروع حقيقي يهدف إلى حل القضية الفلسطينية على أساس إنشاء دولة فلسطينية على حدود العام 1967 تحت سيادة فلسطينية كاملة فسوف ندعمه».
وفي مقابلة جاءت بعد ذلك بفترة قصيرة، رحّب خالد مشعل الرئيس المبعد لمكتب حماس السياسي بـ «اللغة الجديدة تجاه المنطقة» الصادرة عن الرئيس أوباما.
تحاول حماس أن تعرّف الولايات المتحدة باستعدادها لقبول حل الدولتين للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وأنها على استعداد كذلك لأن تلعب دورا بناء بدلا من دور معيق في عملية السلام. ولكن هل تصغي الولايات المتحدة؟
يعتمد الأمر على ما تصغي الولايات المتحدة إليه. إذا كانت الولايات المتحدة تنتظر من حماس أن تقبل مطالبها الثلاثة بنبذ العنف واحترام الاتفاقيات السابقة والاعتراف بحق «إسرائيل» في الوجود فسوف تصاب بخيبة أمل على الأرجح. أن تتوقع من خصمك أن يتنازل عن قدرته المضاعفة قبل بدء المفاوضات الفعلي ليس بالأمر الواقعي. يتوجب على الولايات المتحدة في الواقع أن تفسر تصريحات حماس وفي مخيلتها نقطتان.
الأولى أن لحماس صوتين مختلفتين موجهتين لجمهورين مختلفين.
يجاهر الصوت الأول بالكفاح المسلح ضد «إسرائيل»، وهو موجّه نحو قاعدتها العربية والفلسطينية الداعمة لها.
ويعبّر الصوت الثاني عن اهتمام بالحل الدبلوماسي للنزاع وهو موجّه نحو المجتمع الدولي.
ثانيا، صرح صوت حماس الدبلوماسي عبر السنوات وبإصرار ثابت عن رغبته بالتعايش مع «إسرائيل».
صرحت حماس العام 2003 بأنها ستتخلى عن العنف «إذا أعرب الإسرائيليون عن استعدادهم للانسحاب بشكل كامل من المناطق المحتلة العام 1967 وتقديم جدول زمني لذلك».
وفي العام 2006 صرحت حماس: «لقد قبلنا مبدأ الدولة الفلسطينية داخل حدود العام 1967». وفي العام 2007 اعترفت حماس أن وجود «إسرائيل» هو «أمر واقع» وأنه «حقيقة لا جدل فيها» أنها ستستمر في الوجود.
سيؤدي التركيز فقط على صوت حماس المقاوِم بأي إنسان إلى تجاهل المؤشرات المهمة التي تحاول إرسالها: لقد تخلّت حماس، من ناحية عملية عن محاولة إنشاء دولة فلسطينية تمتد من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، وقد اعترفت الحركة بحل الدولتين على أنه أساسي في عملية السلام.
ليست هذه بالضبط مادة العناد والتصلب. قد تكون حماس حركة عنفية والمخرب المحتمل الأقوى في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، إلا أن استخدامها للعنف هي عملية تكتيكية وليس أيديولوجية، وسينتهي على الأرجح بالتقدم على الأرض نحو دولة فلسطينية.
يتوجب على الولايات المتحدة اختيار صوت حماس الدبلوماسي. ولكن هل يجب أن يكون توجه الولايات المتحدة مباشرا أو غير مباشر بصورة أكبر، ومتعدد الأطراف أو ثنائي، وإجرائي أو جوهري، سري أو علني؟
على الصعيد المحلي، قد يكون من المبكر جدا للرئيس أوباما أن يسعى لمحادثات ثنائية مباشرة في مضمون عام. أما على الصعيد الدولي، فقد يكون قد فات الأوان للتوجه التدريجي من المحادثات السرية غير المباشرة. سوف يضيع الرئيس أوباما قدرا كبيرا من احترامه وشعبيته في العالم العربي إذا لم يبتعد بشكل بارز عن سياسة إدارة الرئيس بوش، وبأسرع وقت ممكن.
نحن نؤمن، آخذين بعين الاعتبار هذه المعوقات، أنه يتوجب على الولايات المتحدة إجراء محادثات مباشرة بشأن القضايا الحقيقية في مضمون عام ومتعدد الجوانب.
يمكن لهذا المضمون بدوره أن يبني على المضمونين السابقين اللذين يرعيان المحادثات حاليا مع حماس، واحدة مكونة من الدول الأوروبية والأخرى من الدول العربية. يمكن للتقدم في العلاقة الأميركية السورية أن يفتح قناة أخرى من الاتصالات مع حماس كذلك.
يجب أن تركز المحادثات على كيف يمكن لحماس أن تلعب دورا بنّاء في عملية السلام. سوف يعني هذا قبل كل شيء التعامل مع كيف يمكن لحماس أن تتحول بالتدريج إلى حركة سياسية ضمن حكومة وحدة وطنية، ومع كيف يمكنها الاعتذار عن سيطرتها العام 2007 على قطاع غزة، وكيف يمكن استيعاب قواتها ضمن قوات الأمن الفلسطينية بهدف تدعيم كل من الأمن الفلسطيني والإسرائيلي. يمكن لتبادل صبور ومثمر أن يعطي تغييرات إيجابية في سلوك حماس وهويتها وعلاقتها مع «إسرائيل» والغرب.
مرة أخرى، لقد كررت حماس بوضوح دعمها لحل الدولتين واعترفت ضمنيا بدولة «إسرائيل».
يتوجب على الولايات المتحدة، كونها الوسيط الذي لا يمكن التخلي عنه في عملية السلام أن تدرك أن استثناء حماس لا يمكن أبدا أن يدفع عملية السلام إلى ما بعد الوضع الراهن.
* باحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند» - زميل رئيس في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2569 - الخميس 17 سبتمبر 2009م الموافق 27 رمضان 1430هـ