أعرف أنه كان ينبغي عليّ أن أكتب عن هذا الموضوع قبل فترة طويلة لأهميته - من وجهة نظري - ولأن الشكر لمستحقيه يجب ألا يتأخر، ولكن الظروف والأعمال ولا أنسى الإهمال كانت وراء هذا التأخير الذي لم أكن أحبه.
الخبر الذي نشرته إحدى الصحف البحرينية الجمعة 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي (29 شوال 1428هـ) ونسبته للنائب المحترم جميل كاظم الذي أكد أن اللجنة البرلمانية المؤقتة لمناصرة الشعب الفلسطيني رفضت أي عمل يؤدي إلى تطبيع العلاقة مع «إسرائيل» كما أنها أيضا أكدت أهمية إعادة فتح مكاتب المقاطعة التي أغلقت قبل سنوات.
اللجنة البرلمانية أيضا انتقدت وزير الخارجية البحريني لأنه قابل وزيرة الخارجية الإسرائيلية في مؤتمر دولي عقد في البحرين، وقد شرح الوزير موقفه من هذه المقابلة التي قال إنها عابرة وليست مقصودة.
أعود إلى القول إن مناقشة هذه المسائل في البرلمان البحريني تعتبر خطوة إيجابية وجريئة في الوقت نفسه في ظل الاستخذاء العربي الشامل وصمت الحكومات عن المجازر الرهيبة التي ترتكبها «إسرائيل» يوميا في الأراضي الفلسطينية وكأن هذه الدماء لا تعني شيئا لهذه الحكومات، حتى الشجب المضحك الذي كانت تقوله تلك الحكومات قديما لم نعد نسمعه حاليا ويبدو أن الهيمنة الأميركية والضعف المخجل للعرب وراء كل تلك الجرائم البشعة التي يرتكبها الصهاينة في الأراضي الفلسطينية بدعم مباشر من الأميركان.
الصهاينة لم يعودوا يشعرون بالخجل مما يفعلون، ولم يعودوا يتورعون عن فعل أي شيء، ولم يعودوا يأبهون بكل الاتفاقات التي يعدون بها، هم يفعلون كل ذلك لأنهم لا يقيمون للعرب وزنا.
اتفاقية «أنابوليس» لم يجف حبرها بعد، والعرب كانوا شهودا على ذلك، وقد ذهبوا هناك وهم يزعمون أنهم ذهبوا بعد تأكيدات أميركية بأن الصهاينة سيلتزمون بتعهداتهم السابقة واللاحقة، ولكن لم يحصل أي شيء من ذلك، وحصل العكس تماما، من ذلك بناء مستوطنات جديدة ومحاصرة ظالمة لقطاع غزة، وقتل مستمر للشعب الفلسطيني، فماذا فعل العرب الذين حضروا في أنابوليس؟ لا شيء مطلقا، فالصمت المخزي كان سيد الموقف! وأمام هذا كله ماذا ينبغي أن يفعل عقلاء العرب؟
الحل يجب أن يأتي من الشعوب أو من ممثليهم إذا كان لهم ممثلون؟!
الإخوة الأفاضل في البرلمان البحريني تحركوا لعمل شيء يمكن فعله، بل ويجب فعله لأنه أقل ما ينبغي أن يقوم به الشعب في البحرين وكذلك الشعوب العربية والإسلامية قاطبة.
فكرة المقاطعة أثبتت جدواها ولهذا كان هم الأميركان أن يعملوا بكل قوة على إزالتها، وطالما طالبوا النواب بالتطبيع الكامل مع الصهاينة وحتى قبل أي شيء يقدم للفلسطينيين.
المقاطعة عمل إسلامي ووطني ويجب أن يكون جزءا من ثقافة المجتمع المسلم كله، وقد مارسه المسلمون في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وكذلك بعده في العصور الأخرى وكانت إيجابياته واضحة في كل تلك العصور.
والمقاطعة - أيضا - مارستها الشعوب الأخرى عندما شعرت بفائدتها، ومن هذه الشعوب الأميركان وحكوماتهم الحالية، فكلنا يعرف كيف أن الحكومة الأميركية عندما غزت العراق وواجهت رفضا من فرنسا قاطعت المنتجات الفرنسية وحثّت الشعب على مقاطعتها.
الأميركان فعلوا هذا مع أن فرنسا لم تهاجمهم وإنما أعلنت عن موقف رافض لغزوهم للعراق، هؤلاء يحملون بشدة على كل من يقاطع الصهاينة من العرب مع كل ما يرونه من أفعالهم السيئة!
وإذا كنت لا أستغرب فعل الأميركان ولا الصهاينة فإني أعجب كثيرا من فعل العرب وحكوماتهم لأن المتضررون مما يحدث لهم على المستوى القريب والبعيد.
مقاطعة الصهاينة واجب ديني ووطني، هذه المقاطعة يجب أن تشمل مقاطعة كل المؤتمرات التي يحضرونها، وقطع العلاقات معهم بكل أنواعها، والعمل على الحصول على كل مقومات القوة المادية والمعنوية لأن الصهاينة لا أمان لهم مهما قالوا غير ذلك.
ماذا استفاد العرب - أو الفلسطينيون - من العلاقات التي قامت بين الصهاينة والمصريين والأردنيين وسواهم؟ لا شيء إطلاقا، وكان الصهاينة هم المستفيد الوحيد من ذلك كله!
من مصلحة العرب أن يعيدوا النظر في علاقاتهم مع الصهاينة، ومن مصلحتهم كذلك أن يقاطعوا كل المنتجات الإسرائيلية وكذلك منتجات الدول التي تقف معها مباشرة ضد الفلسطينيين.
وعلى العرب جميعا أن يعرفوا أن الضعف لن يفيدهم بشيء بل سيكون من أهم عوامل سيطرة الآخرين عليهم.
وعليهم أن يعرفوا أنهم يملكون كل عناصر القوة التي تحقق لهم الأمن والقوة وعليهم - فقط - حسن استغلالها.
مرة أخرى، برلمان حكومة البحرين قام بعمل رائع وقوي يستحق الشكر والتقدير، والأمل أن يواصل أعضاؤه هذا العمل وأن يطالبوا بقية البرلمانات العربية بأن تفعل الشيء نفسه، لعلّ الحكومات تستجيب لرغبات شعوبها التي تشعر بالذل والمهانة مما يحصل لها في ظلّ الصمت المخيف الذي تراه، فهل تتحرّك الحكومات قريبا؟
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1943 - الإثنين 31 ديسمبر 2007م الموافق 21 ذي الحجة 1428هـ