يعمل أكثر من مليون ونصف مليون هندي تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاما مقابل راتب جيد في مراكز نداء (Call Centers) ومصالح أخرى للمناولة والوكالات الخارجية لشركات غربية ضمن ما يعرف بخدمات التعهيد الخارجي، وهي الترجمة التي فضلناها لكلمة «Outsourcing».
والتعهيد، هو وصف لما تلجأ إليه مؤسسات أو شركات عندما تعهد لجهات خارجية متخصصة أداء بعض أعمالها بالنيابة عنها، حتى تستطيع هذه المؤسسة التركيز على أعمالها الرئيسية.
ومن أشهر الأمثلة ما قامت به شركات أميركية وأوروبية شهيرة عندما عهدت إلى شركات هندية على وجه الخصوص، إنتاج برمجيات لها بحسب مواصفات تحددها لها، لتعود وتستخدمها فيما بعد في منتجاتها، وكأنها هي التي وضعتها. وهناك مثال آخر، عندما لجأت شركات بريطانية في العام 2006 إلى تعهيد خدمات دليل أرقام الهاتف لمراكز اتصالات هندية، بعد أن اكتشفت أن تحويل مكالمة أي شخص يسأل عن هاتف معين إلى موظف في الهند ليجيب عنها، أفضل اقتصاديا من أن يكون مركز الاتصالات في بريطانيا نفسها.
لكن الأمر لا يخلو من السلبيات التي يدفعها الفرد من صحته، ناهيك عن تلك الانعكاسات السلبية على الاقتصاد نفسه. فقد تسببت سياسة التعهيد التي اتبعتها دول مثل الولايات المتحدة في خلق منافسة كبيرة أمام الكثير من المحترفين في تلك البلاد، إذ وجد هؤلاء أنفسهم في مواجهة ضارية مع نظرائهم في كل من الصين والهند والفلبين، والذين يبدون استعدادا كبيرا للعمل بواقع الضعف، والحصول على خمس الرواتب التي يجنونها، بحسب التقرير الذي أعدته مجلة «بزنس ويك».
وفي الواقع، فإن مخاوف العمال تلك لها خلفية صلبة، إذ إن الحافز الرئيسي وراء سعي الشركات إلى الوصول إلى استغلال أسواق العمالة الخارجية عائد إلى الفجوة الكبيرة في حجم الرواتب بين الدول الصناعية والنامية. لكن يبدو أن السلوك العام الذي بات يسيطر على ذهنية مختلف الأطراف الضالعة في هذه الصناعة دفع الجميع إلى غض الطرف عن الجوانب السلبية الكثيرة المرافقة لها.
فقد أظهرت دراسة حديثة أجرتها، وحدة خدمات تقنية المعلومات التابعة لشركة ويبرو المحدودة (Wipro Technologies) المسجلة في بورصة نيويورك بالرمز (WIT) أن عمليات التعهيد الخارجي لإدارة البنية التحتية لتقنية المعلومات ستتصدر أولويات الخطط الاستراتيجية للشركات العالمية في المرحلة المقبلة.
وكشف المسح الذي أجرته الشركة عبر الإنترنت وشمل 145 مديرا من مختلف القطاعات، أن أكثر من 30 في المئة من المشاركين يخططون لتعهيد إدارة البنية التحتية لتقنية المعلومات إلى جهات خارجية، في الوقت الذي تقوم فيه نسبة مماثلة بدراسة هذا الخيار جديا. وتبين أيضا أن توريد خدمات إدارة عمليات التشغيل بدأ يحظى باهتمام متزايد، إذ إن 34 في المئة من الذين شاركوا في المسح يخططون لتعهيد بعض هذه العمليات إلى جهات خارجية خلال الفترة المقبلة.
وكشفت الدراسة أيضا أن تركيز الشركات التي تفكر حاليا في التعهيد الخارجي يتمحور حول عمليات تطوير وإدارة التطبيقات التقليدية، إذ تبين أن ثلثي الذين شملتهم الدراسة يخططون للقيام بتعهيد هذا النوع من الخدمات إلى شركات خارجية.
ووجدت الدراسة أن التعهيد الخارجي لخدمات تقنية المعلومات بدأ يشكل جزءا أساسيا من استراتيجيات الشركات العالمية، إذ اعتبره المديرون في 38 في المئة من الشركات الأسلوب المفضل للحصول على هذا النوع من الخدمات. فالغالبية العظمى من المديرين الذين شاركوا في الدراسة (87 في المئة) قالوا إن مستوى الإنفاق على عمليات التعهيد الخارجي سيرتفع خلال العام 2007 بمعدل 34 في المئة.
وقال رئيس قسم حلول الشركات في ويبرو تكنولوجيز سوديب بانيرجي: «إن الدراسة أظهرت أن الفترة الأخيرة شهدت تغيرا ملموسا في التعامل مع مفهوم التعهيد الخارجي، إذ أبدى 40 في المئة من المشاركين في هذه الدراسة، استعدادهم لتوريد خدمات تقنية المعلومات من الخارج، وخصوصا الجديدة منها مثل إدارة البينة التحتية لتقنية المعلومات وعمليات التشغيل».
وأكد المشاركون في الدراسة أنهم يفضلون التعامل مع شركات عالمية بحجم وكفاءة ويبرو التي احتلت موقع الريادة في الدراسات التي أجرتها آي دي سي (IDC) وفوريستر (Forester) في مجال تعهيد خدمات تقنية المعلومات نظرا إلى تنوع خدماتها وشركائها وعملياتها وقدراتها الفنية.
وكما يبدو فإن الهند لاتزال تتصدر قائمة الدول التي توفر خدمات التعهيد، وخصوصا في قارة آسيا، فقد أظهرت دراسة أخرى تصدر الهند دول منطقة آسيا والمحيط الهادي في مجال القيام بالوظائف لحساب الغير (التعهيد) تلتها الصين ثم سنغافورة، وشملت الدراسة 305 من كبار المسئولين في الشركات العالمية إضافة إلى مقابلات مع الشركات التي تكلف شركات أخرى بأداء وظائف لحسابها بنظام التعهيد وكذلك الشركات الموفرة لهذه الخدمات، ونشرت نتائجها في مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول 2007. وأشارت الدراسة التي أعدتها مؤسسة كيه. بي. إم. جي (KPMG) للخدمات المحاسبية والاستشارية ومركز إيكونوميست إنتليجانس يونت للدراسات الاقتصادية (EIU) إلى أن نحو 55 في المئة ممن شملتهم الدراسة ذكروا أنهم يحصلون على خدمات التعهيد من شركات هندية في حين قال 36 في المئة إنهم يحصلون عليها من الصين و20 في المئة من سنغافورة
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1943 - الإثنين 31 ديسمبر 2007م الموافق 21 ذي الحجة 1428هـ