في «حوار» لي مع أحد الإخوة الأفاضل وهو كاتب قديم ونائب جديد وقد «زمر» عقب نشر مقالنا «شماغ جيفنشي وجلوة نبوية: موعدكم مع المناجاة البرلمانية!»، وأبدى تعجبه وتساؤله بشأن معنى كلمة «إسلامويين» أو «إسلاموي»، وطلب مني كمحقق أسماء ومحددات تفصيلية وشخصية، وتساءل عما أرمي إليه من استخدام هذا الاصطلاح وكشف عن استغرابه وتعجبه من استخدام هذا المصطلح الأخير «إسلاموي» في مختلف ما أقدمه من ملاحظات ونقود في مقالاتي بدلا من مصطلح «المتلبرلين الجدد» الذي طالما استخدمته كثيرا، وحاول الأخ الكاتب القديم والنائب الجديد أن يرمي بذلك إلى أنني قمت بتبديل جلدي القديم بجلدي الجديد فاستبدلت مصطلح «متلبرل» بـ «إسلاموي»!
ربما كان من حق صاحبنا أن يدعو مثل هذا «التقصير» في نقد المتلبرلين على حساب التركيز على الإسلامويين بأنه قد يأتي بمثابة ردة وتحول راديكالي انقلابي عنيف ومباغت، إلا أنه ليس من حقه أن يظن ويخال ويحسب بأن هذا التحول والانقلاب يشبه ما جرى لأخينا الواعظ «المودرن» والداعية «الإكزوتيك»، فمثل هذا «التحول» و «التغير» لم يتسن له أن يأتي بالنسبة لي إلا عقب عملية مستمرة من فحص ومعاينة الأولويات ومجريات الساحة المحلية - الإقليمية - العالمية وعمل مقاربات منطقية لا تنته مثلي في ذلك كمثل جزء لا يتجزأ من زملائي أبناء الوسط الصحافي والميدان الاجتماعي والسياسي، وهو ما يأتي متضادا مع سير جزء آخر لا يتجزأ من النواب ممن أدمن تحويل الأخطاء إلى خطايا والخطايا إلى أزمات عقدية وبنيوية ما كان لها أن تكون!
فلو شئنا تأمل أحوال التنظير الخطابي والحراك الميداني لجماعات المتلبرلين والإسلامويين لربما تسنى لنا تبرير منطلقاتنا وخطوط سيرنا النقدية التي لا أجد أنها تتعارض مع قناعاتنا المبدئية التي نتبناها، والتي حافظنا عليها بانتقالنا في زمن متواضع بين عدد من المحطات الصحافية المهمة وآخرها «الوسط» التي أجدها الأفضل من دون منازع لكونها قدرتني كثيرا وساهمت في إيصال صوتي كاملا من دون بتر وتقطيع.
وبالنسبة إلى جماعة المتلبرلين الجدد وجماعات الإسلامويين فكانوا ومازالوا يتبادلون ويتقاذفون التهم فيما بينهم بشأن احتكار تركة دمار الوطن، فالصف الأول (المتلبرلين) طالما وجه نقدا هجوميا فظا لـ «الإسلامويين» وغيرهم فوصموهم بالتخلف والرجعية والإقصائية والحانوتية الفكرية والسعي إلى استهداف المجتمع عبر إطفاء الحس والذائقة الحضارية المتجددة بعوامل الانفتاح والتلاقي، أما الفريق الثاني (الإسلامويون) فاتهم المتلبرلين وغيرهم بترويج الكفر والإلحاد والفسوق وتحبيذ الفساد الأخلاقي بمسمى «إطلاق الحريات»!
وإن كنا لا ننكر فظاظة وأحيانا جلافة الخطاب العدواني المتعجرف للمتلبرلين الجدد تجاه «الإسلامويين» وحتى تجاه كل حس نهضوي وتجديدي ممانع ومستقل ومنطلق لذاته ذي طابع إسلامي فإننا لا ننكر أن أوضاع كلا الفريقين تجعلهما بشكل أو بآخر ضمن الخانة والخيار السلطوي ذاته، وإن كان الفريق «الإسلاموي» هو الابن المدلل دوما، ففي حين ينشغل المتلبرلين الجدد اللابثين بحضن الحكومة بالحريات الخاصة بشكل أكبر من انشغالهم بالحريات العامة، فإنك تجد الإسلامويين في الجهة المقابلة ينشغلون بقشور الفساد الأخلاقي بمعدل أكبر بكثير من انشغالهم بمظلة ومرعى الفساد الإداري والمالي، فيكفي أن تمر راقصة واحدة حتى يشغلهم أمرها عن مليون قضية! الاثنان يتشابهان في دعوتهما لنا إلى أن نقول للأعمى يا كريم العين وللمجذوم يا أحمر الخدين وللأبرص يا حلو يا أبوسمرة، ففي حين «يستذبح» المتلبرلون الجدد في الدفاع عن مخططات الامبريالية الأميركية ويعتبرون الاحتلال فرصة ومدخلا لنهضة حضارية لا تعوض ويدعون غزو العراق تحريرا ويتمادون في تمجيد المغامرات الامبريالية في المنطقة كما لو أنها ومضات بريشة الفنان الهولندي فان كوخ، فإنهم أطبقوا بعد خراب البصرة وبغداد والنجف والفلوجة صمتا سوى غرغرة على استحياء.
أما الصنف الإسلاموي وإن كان ذا خطاب ونبرة ممانعة كلاميا فيما يتعلق بقضايا الشأن الإقليمي والدولي فإنها ما تلبث أن تنزاح وتبهت حينما يتم «تسنيع» وتأديب أصحاب «الثورات» و «الانتفاضات» في الهيئات العامة للدولة ويمنون عليهم في توصيلهم وتنجيحهم، وهم للأسف مازالوا حتى الآن فاشلين في حراسة المشروع الإصلاحي، وفاشلين كنواب شعب، وفاشلين كحراس للدستور وكمصلحين، وفاشلين كمفتشين دينيين، وفاشلين كنواب خدمات، وفاشلين كنواب مناسبات، إلا أنهم فقط نجحوا ومازالوا ناجحين نسبيا في تحسين أوضاعهم المعيشية وفي مناجاة ومناغاة وابتهال السلطة برلمانيا!
وإن كان المتلبرلون الجدد يتبعون وسائل وكلاء المبيعات والتسويق الاستهلاكي في ترويج السؤدد الامبريالي والحضاري الغربي لشعوب ونخب المنطقة، فإن أفراد الفريق الإسلاموي الآخر بسنتهم وشيعتهم لا يكادون أن يقيموا فرقا موزونا بين التقية والتقنية، فيبقى شرط الاستعمال الأداتي قائما وإن لم يطرأ أي تغيير نوعي على الغاية والقيمة الحضارية!
ولعل ما يرجح كفة السوء والدمار المحلي للإسلامويون على كفة المتلبرلين الجدد وغيرهم هو كون الفريق الأخير (المتلبرلين) جماعة نخبوية مغلقة ذات تأثير محدود وإن انتشرت أفرعها إقليميا وعالميا كسلسلة مطاعم «ماكدونالدز»، أما الفريق الإسلاموي فنتيجة للصحوة الإسلاموية الموالية الطارئة في مشهدنا المحلي عقب طول جوع وانقطاع وتضافرا مع فقر سياسي مدقع وفقر معيشي متفاقم فقد أصبح من الحنكة والذكاء غير المكتمل للسلطة وأذرعها أن تدعمه نيابيا و «تدلعه» حد العقوق والبطر أحيانا عسى أن يكون بذلك خير وقود لخير جحيم استقطابي طائفي تشهده البلاد حاليا، وعسى أن يكون خير مكمل لبرلمان ذي تركيبة طائفية تقضي على ما تبقى من انشغال سياسي عقب الانفراج وتستخدم لإثارة النعرات الطائفية ففريق يثير وآخر يتلقى بسلاسة، فمثل هذا البرلمان لا يصلح أبدا لبحث أزمات التمييز الطائفي لكونه جزءا من هذه الأزمات وليس حلا لها، ولعل أفضل ما بإمكانه أن يقدمه لحل هذه الأزمات هو مشروع بقانون لتجريم التمييز الطائفي والإثني، فمثل ذلك الدعم والتوطئة ومثل ذلك التزاحم والتواطؤ أدى إلى بديهية سوداوية تثبت أن كل حراك «إسلامي» أو حتى إسلاموي تنظيمي وسياسي واجتماعي في البحرين مهما كانت المقاصد والنوايا من إطلاقه ومهما عبر من قنوات شريكا موقرا في ترسيم خطوط التماس الطائفية في الوطن! فإن أراد وأريد للمتلبرلين الجدد مزيدا من الحريات الخاصة في حين أراد وأريد للإسلامويين مزيدا من إثارة النعرات الطائفية التي ستحرق الأخضر واليابس في الوطن فسيكون حينها من المعقول والمنطقي أن يتم تركيز الوابل النقدي على أصحاب الخطر الأعظم والسوء الأكبر الذي سيضر ويشمل الجميع.
فهل سأتحالف مع المتلبرلين الجدد ضد الإسلامويون يا أخي الكاتب القديم والنائب الجديد؟! للعلم فأنا مستعد لعقد تحالفات حتى مع «البغاة» و «الحشاشين» و «السكارى» و «العاهرات» إن كان ذلك في سبيل الدفاع عن حياض الوحدة الوطنية، ومستعد أن أتقدم مسيرتهم واعتصامهم، ومستعد أن أغير قناعتي الوسيطة التي ربما تبقى وربما تتغير إذا ما كان الإسلامويون من أهل الثبات المصلحي والتبدل المبدئي وهم الأقرب إلى أن يكونوا الوقود التنفيذي لمخططات التقسيم والإثارة الطائفية في ساحتنا المحلية دون غيرهم
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1943 - الإثنين 31 ديسمبر 2007م الموافق 21 ذي الحجة 1428هـ