يواجه الاقتصاد البحريني الكثير من التحديات في العام 2008 وفي مقدمتها: توفير وظائف للمواطنين في القطاع الخاص، تسجيل نمو اقتصادي يتناسب وحجم المشكلات الاقتصادية، مواجهة تداعيات تقرير ديوان الرقابة المالية، ودراسة سبل الاستفادة من مشروع السوق المشتركة الخليجية فضلا عن اتفاق التجارة مع أميركا.
تناقش السطور الآتية جوانب من هذه التحديات بشيء من التفصيل.
توفير فرص عمل للمواطنين
أظهرت آخر الإحصاءات المتوافرة، أن القطاع الخاص عندنا لايزال يفضل توظيف الأجانب على المواطنين. واستنادا إلى الأرقام الصادرة عن الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية والمنشورة في نشرة المؤشرات الاقتصادية الصادرة عن مصرف البحرين المركزي, فقد بلغ عدد أفراد القوى العاملة في القطاع الخاص حتى منتصف للعام 2007 تحديدا: 353528 فردا موزعين على النحو الآتي: 281176 عمالة وافدة و72352 عمالة محلية.
وشكل البحرينيون 20.5 في المئة من العمالة في القطاع الخاص في منتصف 2007 وهي أدنى نسبة لها على الإطلاق. بالمقارنة, شكل البحرينيون 21 في المئة من العمالة في القطاع الخاص بنهاية العام 2006. كما مثَّل المواطنون نحو 24 في المئة من العمالة في القطاع الخاص في العام 2005 ونحو 27 في المئة في العام 2004.
وللأسف ما نراه هو تراجع الأهمية النسبية للعمالة الوطنية في مؤسسات القطاع الخاص في الوقت الذي يتوقع أن يحدث العكس تماما في ظل انحسار للوظائف في الدوائر الرسمية على خلفية سياسات الخصخصة وبرنامج التقاعد المبكر. وعلينا مراقبة ما يمكن لمشروع صندوق العمل أن يحققه في العام الجاري بخصوص توفير فرص عمل للمواطنين في مؤسسات القطاع الخاص.
تحقيق نمو اقتصادي قوي
تشير الإحصاءات إلى تحقيق الناتج المحلي الإجمالي نموا قدره 6.5 في المئة في العام 2006 وذلك استنادا لمبدأ الأسعار الثابتة (أي المعدلة لعامل التضخم). ويمثل هذا الرقم تراجعا عن العام 2005 عندما تم تسجيل نمو حقيقي بمقدار 7.9 في المئة. وارتفع حجم الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام 2006 إلى 4105 ملايين دينار بالأسعار الثابتة، ما يعني تحقيق زيادة قدرها 252 مليون دينار (بالمقارنة، تم تسجيل زيادة 281 مليون دينار في نتائج العام 2005).
وأكدت النتائج بما ليس فيه لبس أن قطاع الخدمات المالية يعد الأهم بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي بحسب الأسعار الثابتة. فقد بلغت نسبة مساهمة القطاع 25.5 في المئة في العام 2006، لكن ما يهم في نهاية المطاف أن ينعكس النمو الاقتصادي على رفاهية المواطنين. حقيقة القول، انه لا يوجد دليل على تسجيل نمو فعلي في مستوى رفاهية المواطن في العامين الماضيين، بل ربما حدث العكس تماما.
مواجهة موجة الفساد المالي والإداري
كشف تقرير الرقابة المالية للعام 2006 عن تجاوزات لا يمكن السكوت عنها بأي حال من الأحوال. فقد تبين للجميع حجم الأخطاء والتجاوزات التي تحدث في بعض الوزارات والجهات الحكومية إضافة إلى بعض المؤسسات الوطنية مثل شركة نفط البحرين (بابكو) وشركة ألمنيوم البحرين (ألبا). فقد نبه إلى عدم قيام وزارة الداخلية بطرح أي من مشترياتها أو مشروعاتها ذات الطابع «غير» العسكري أو الأمني في مناقصات عامة. وأورد التقرير بعض الأمثلة لتأييد ملاحظاته مثل تبليط شوارع منطقة «سافرة» بقيمة تزيد على 200 ألف دينار دون طرحها في مناقصة عامة.
كما أكد التقرير استمرار وزارة الخارجية في عدم الاستفادة من موجودات تابعة لحكومة البحرين في لندن. فقد أشار التقرير إلى عدم استفادة البعثة الدبلوماسية في العاصمة البريطانية لثلاث من أصل أربع شقق تعود ملكيتها لحكومة البحرين. بالمقابل، تقوم الوزارة باستئجار شقق أخرى لدبلوماسييها بقيمة 150 ألف دينار سنويا تضاف لها مصروفات استهلاك المياه ورسوم البلدية. وما يهم هو تطبيق إجراءات صارمة بحق المتجاوزين حتى تكون في ذلك عبرة لمن تسول له نفسه الإساءة إلى المال العام.
الاستفادة من السوق الخليجية المشتركة
يسمح مشروع السوق الخليجية المشتركة لمواطني دول مجلس التعاون (والذي يدخل حيز التنفيذ ابتداء من اليوم) مزاولة جميع الأنشطة الاستثمارية والخدمية وتداول وشراء الأسهم، وتملك العقارات والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية في الدول الأعضاء. كما يسمح بحرية تنقل رؤوس الأموال وحقوق التأمين والتقاعد فضلا عن العمل والتوظيف في القطاعات الحكومية والأهلية في جميع دول المجلس. ومن شأن تطبيق السوق المشتركة تعزيز مبدأ المواطنة الخليجية في مسائل العمل والإقامة والتجارة. والمطلوب من مختلف الجهات دراسة سبل الاستفادة من مواطن القوة في الاقتصاد البحريني بما يخدم استقطاب الاستثمارات والزوار من دول دول الجوار.
توظيف اتفاقية التجارة الحرة مع أميركا
توفر اتفاقية التجارة الحرة مع أميركا فرصة الانكشاف على أكبر سوق في العالم. ويعتبر الاقتصاد الأميركي الأكبر في العالم على الإطلاق، إذ تبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي 14 ألف مليار دولار (14 تريليون) بحسب مفهوم القوة الشرائية. ويشار إلى أن اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين دخلت حيز التنفيذ في بداية شهر أغسطس/ آب العام 2006.
وخلافا للتوقعات، كشفت أرقام مكتب الإحصاء الأميركي، أن الولايات المتحدة الأكثر استفادة من اتفاقية التجارة الحرة مع البحرين، وذلك بعد مرور سنة على تطبيقها. وبلغت قيمة الصادرات الأميركية من السلع والخدمات إلى البحرين تحديدا 529 مليون دولار منذ أغسطس العام 2006 حتى يوليو/ تموز العام 2007 مسجلة ارتفاعا قدره 28 في المئة في الفترة نفسها قبل دخول الاتفاقية حيز التنفيذ. كما بلغت قيمة الصادرات البحرينية الى أميركا في السنة الأولى من تطبيق الاتفاقية 638 مليون دولار مقارنة بـ 710 ملايين دولار، ما يعني حدوث تراجع بنحو 10 في المئة. ويبدو أن السبب الرئيسي لهذا التطور يعود إلى توافر سلع قابلة للتصدير لدى الجانب الأميركي أكثر بكثير مما هو عليه الحال مع الجانب البحريني.
نتمنى عاما ناجحا للاقتصاد البحريني. ونأمل أن نكتب في نهاية السنة عن إنجازات اقتصادية تم تحقيقيها في العام 2008. وكل عام والبحرين قيادة وشعبا بخير
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1943 - الإثنين 31 ديسمبر 2007م الموافق 21 ذي الحجة 1428هـ