الحديث عن 6000 بيت آيل للسقوط في جميع مناطق البحرين، أمر يدعو للقلق والتساؤل عن مصير البشر الذين يقطنون فيها، وهم المعرضون في أي وقت لإصابات في أرواحهم وممتلكاتهم، فيما لو قدر للأمطار الخفيفة أن تتساقط أو للرياح أن تهب بسرعة عالية لتحرك الصخور البالية فتهوي فوق رؤوسهم.
«البيوت الآيلة» ليست معاناة فئة أو مجموعة صغيرة من البحرينيين، بل هي وجع يمس كل الوطن بمستوى ترهل الرواتب الزهيدة التي بالكاد تسد جوعا أو تستر عورة، وما كان لهذا الموضوع ليبرز لولا انطلاق الصرخة الأولى من محافظة المحرق، وتحديدا من دائرة العضو البلدي السابق الشيخ صلاح الجودر الذي تعالت نداءاته للدولة في بداية دور الانعقاد الأول لانقاذ ما يمكن انقاذه.
اليوم نتكلم عن 5 ملايين دينار موزعة على جميع المحافظات، أي بمعدل مليون دينار لكل واحدة منها، إلا أنه في ظل الطفرات التي يشهدها قطاع البناء بين فترة وأخرى استنادا على قاعدة العرض والطلب، يمكننا أن نؤكد عدم القدرة على تغطية الـ6000 بيت ولو بعد 20 عاما، فإذا سارت العملية بالبطء الذي هي عليه الآن، فإن الدولة ستكون أمام بيوت أخرى كانت في وضع جيد قبل إحصاء ذلك العدد، وأصبحت اليوم آيلة للسقوط وبحاجة إلى الهدم، وبالتالي ستكون أشبه بمن يدور في حلقة مفرغة.
قبل انتقال المشروع من وزارة الأشغال والإسكان (آنذاك) إلى وزراة شئون البلديات والزراعة، كانت التصريحات الرسمية وعلى أعلى المستويات، تشير إلى أن الموازنة ستكون مفتوحة، وهو ما دفع وزارة «البلديات» إلى المسارعة لتطمين أصحاب البيوت «الآيلة» بأنها ستقضي على جميع الطلبات خلال عامين، إلا أن عدد البيوت الذي ذكرناه لم يتزحزح من موقعه، بل بات قابلا للارتفاع يوما بعد الآخر.
المجالس البلدية تعول في نجاحها بالدرجة الأولى على مقدرتها في تسيير مشروعي البيوت الآيلة للسقوط وتنمية المدن والقرى (الترميم)، فإنشاء الطرق، ورصف الممرات، وإقامة المشروعات العمرانية والاستثمارية المختلفة، والحفاظ على سلامة البيئة، هي أمور تصب في اختصاصاتها ولها حق إقرارها والموافقة عليها، ولكنها غير معنية بتنفيذها والإشراف عليها بصورة مباشرة، وبالتالي فإن رهانها على كسب ود الشارع منصب على المشروعين المذكورين اللذين إذا ما توقفا، فإن الثقة الشعبية ستتزعزع في المجالس المنتخبة.
لا أعتقد أن الجهة الرسمية تُقبل في إفشال التجربة البلدية الوليدة التي بدأت تتبلور وتتشكل، حتى أصبحت تخرج عن السائد والمألوف إلى ما هو أرحب، وهي مسألة يمكننا أن نشبهها بحالة الصدام الذي نشأ بين أعضاء مجلس النواب والسلطة التنفيذية بسبب تغيب بعض الوزراء عن حضور جلسات المجلس، إذ بادرت الحكومة لإذابة الجليد وإعادة المياه إلى مجاريها لإنجاح العمل الرقابي والتشريعي، وهو موقف نحتاج إليه أيضا في التعامل مع ملف «البيوت الآيلة للسقوط» الذي إذا ما فشل فسيلقي بآثاره السلبية على المجالس البلدية.
في منطقة سترة شهدنا وفاة طفلة بسبب تسرب كهربائي في بيت أهلها الآيل للسقوط، وفي المحرق تهاوت بيوت على أصحابها، فيما يعيش آخرون في مساكن آيلة كما لو أنهم يقيمون في العراء، فجدرانها لا تقيهم من حر أو برد أو أمطار، بينما ترزح مجموعة أخرى في شقق مؤجرة تم توفيرها إليها بصورة مؤقتة مع بدل سكن لا يكاد يصمد أمام الإيجارات الباهظة، وهؤلاء جميعا صاغرون صابرون حتى يلوح في الأفق أمل جديد يرفع عنهم معاناتهم، وخصوصا أنهم من ذوي الدخل المحدود وليسوا مستثمرين أو أصحاب أعمال، فإلى متى سيبقون على معاناتهم؟
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2308 - الثلثاء 30 ديسمبر 2008م الموافق 02 محرم 1430هـ