كم هو جميل أن نعيش في وطن متجانس، وقد استمر الربيع لعدة سنوات، بعد توافق غير مسبوق على ميثاق العمل الوطني الذي أنهى حقبة أمنية طويلة، تخلصت منها البحرين بفعل قناعة مشتركة بين السلطة والشارع على تدشين مرحلة جديدة والخروج من عنق الزجاجة.
الأعراس الوطنية التي بدأت بعفوية وحماسٍ كبيرين في أوائل المشروع الإصلاحي يجب أن تتواصل، لأن إرادة الإصلاح يجب أن تكون مقترنة دائما بتوافق على إدارة المرحلة.
تصنيف مجلة «الاكينوميست» الشهيرة للبحرين بأنها في عداد الدول المتسلطة، هو مؤشر خطير على وجود تراجعات في مسيرة الإصلاح، وأنا هنا لست في صدد إلقاء اللائمة على طرفٍ واحد.
ليس وحدها الدولة التي تتحمل المسئولية، ولكنها تتحمل الشطر الأكبر من المسئولية بحكم كونها تمتلك الثروات وزمام القرار.
مؤسفٌ جدا أن نرى مشهد الاعترافات على تلفزيون البحرين، وهو مشهدٌ - بصرف النظر عن تفاصيله وآرائنا المختلفة فيه - لم يكن معهودا منذ سني الإصلاح.
المطلوب هو مجرد وقفة مصارحة، إذا كان ما عرض على شاشة التلفزيون هو حقيقة، فإن ذلك يتطلب منا جرأة أكثر لنقول: لماذا حدث ما حدث؟، لا نسأل من موقع التبرير ولا من زاوية الاتهام، وإنما من موقع البحث عن جذور القضية وليس أوراقها المبعثرة.
السلطات في كل العالم تلجأ إلى الحل الأمني، حينما يغيب الخيار السياسي من الطاولة، ومن هنا من حقنا أن نسأل: لماذا انقطعت سبل الحوار الشفاف والمفتوح بين السلطة والقيادات المؤثرة في الشارع؟
لسوء الحظ أننا نعيش على خط النار، في بيئة جغرافية مضطربة إقليميا، وما يجري في محيطنا يؤثر علينا بصورة كبيرة، والسد المنيع لمواجهة شظايا الخارج هو مزيد من الوئام الداخلي.
لا غبار أن المشروع الإصلاحي فتح نوافذ الأمل لدى الناس بأن تعبّر عن رأيها بصراحة وجرأة، ولكن كنا بحاجة إلى نقلة جديدة في هذا المشروع، لأن التوجه نحو الديمقراطية يتطلب أن تتخلى الدولة عن مساحات كبيرة وتحوّل لدائرة الجماهير.
ثمة مشكلات حقيقية، يجب أن تكون مدار بحث في قادم الأيام، الفقر والبطالة والتجنيس السياسي المقصود، وصدقوني أن القبضة الأمنية ليست حلا، كما أن التفكير في اللعب بالورقة الأمنية من أية جهةٍ كانت.
الأمن ضروري وحيوي، ولكن المتهمين كان يجب أن يدلوا بشهاداتهم في القضاء وليس في أي مكان آخر، طالما أننا نتحلى بقضاءٍ عادل ونزيه ويتمتع بقدر كبير من احترام الجميع وليس في الشاشات على رؤوس الأشهاد.
من حق الدولة أن ترسخ قواعد الاستقرار الأمني، لأن الأمن هو بوابة التنمية، ولكن الأمن الاجتماعي هو السبيل الأنجع للوصول إلى قدرٍ مقبول من الاستقرار.
الناس تنتظر حلاَ حقيقيا سريعا للأزمة الإسكانية، وتنتظر تنفيذ ما وعدت به في أيام الميثاق الأولى، كلما أقلّب صفحات الميثاق اليوم أجد مضمونها أبعد ما يكون عن واقعنا اليوم.
هل عبدّنا الطريق تمهيدا للملكية الدستورية التي وعدنا بها الميثاق، نحن نسير على نهجٍ مغاير، لأن الملكية الدستورية عنوانها الناس وحقهم في الاختيار.
الملكية الدستورية تعني أن يمتلك الناس السيادة على ثرواتهم وأراضيهم العامة، التي يجب أن توزع وفق نظام عادل، من دون مراعاةٍ للمناطقية.
نام الشعب قبل سنوات على حلم بناء أربع مدن إسكانية، لكنه استيقظ بعد عدة سنوات، وتفاجأ بأن هذه المدن أصبحت في عداد المنى بعيدة المنال.
لا يمكن لعاقلٍ أن يقبل المساس بوطنه، أو العبث بأمنه، ولكن العملية مترابطة ومعقدة ومتفاعلة، ولا يمكن تجزئة الأحداث وفصلها عن بعضها.
قطعا أي اضطراب أمني يؤدي حتما إلى زعزعة الثقة في البنية السياسية، وقبل أسابيع أطلقت الرؤية الاقتصادية للعام 2030، وهي محاولة جريئة لإصلاح الوضع الاقتصادي.
بلدنا نفطي الموارد، ومؤكدا أنه يتأثر سلبا بانخفاض أسعار البرميل في السوق العالمية، لذلك عليه أن يبحث عن بدائل أخرى لتلبية الالتزامات الكبيرة في المستقبل القريب.
يجب أن يفتح النقاش واسعا بشأن مدى استفادة المواطن من الوفرة النفطية الذهبية التي امتدت لنحو ثلاث سنوات، الأمة من حقها أن تسأل عن الوارادات والصادرات وأوجه الصرف.
في وقت الأزمات الاقتصادية يتحم على الدول أن تضاعف جرعة الديمقراطية، لأن الناس سيكونون شركاء في الاستحقاقات.
النظام الديمقراطي المنشود يتطلب أن نتحلى بالجرأة جميعنا، محتاجون إلى مراجعة حقيقية لكل شي، ويجب أن نكون على قدر المسئولية، وما يحدث هو ضرورة لفتح قناة حوار مباشرة وجها لوجهة، والحوار المطلوب ليس لكسر العظم وإنما للتوافق مجددا.
نتطلع إلى خارطة طريق بحرينية تمكّن الناس أكبر من الشراكة في السلطة والثروة وفق منطق العدالة... إنها مهمة غاية في الصعوبة، و يجب ألا نقتل الأمل...
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2308 - الثلثاء 30 ديسمبر 2008م الموافق 02 محرم 1430هـ