العدد 2347 - السبت 07 فبراير 2009م الموافق 11 صفر 1430هـ

الطبقات التي شكلها دخول القبائل العربية إلى البحرين:

الطبقة الأولى:

و هي الأساس التي تكونت في فترة دخول القبائل العربية و استقرارها في بلاد البحرين حيث امتزجت لغتهم العربية و لهجاتهم مع اللغات الأجنبية الموجودة قبلهم في البحرين و كذلك امتزجت جيناتهم وبالتالي كونوا شعبا له لهجته الخاصة و جيناتهم الخاصة. و نتيجة لظروف جغرافية و اجتماعية و سياسية و دينية عاشت المجموعة الأولى تحت ظروف أشبه بالانعزال لفترة طويلة.

إنقسام الطبقة الأولى إلى مجموعات :

نتيجة لاتساع الرقعة الجغرافية و ثرائها انقسمت المجموعة الأساسية إلى مجموعات فرعية في نفس المنطقة الأساسية الأم، و هذا أدى لتباين اللهجة الأساسية الأم «البحرانية» إلى لهجات فرعية.

المجموعات الثانوية

هناك قسمان من هذه المجموعات، القسم الأول هو تلك المجموعات التي هاجرت لجزر البحرين و تزاوجت مع سكانها من المجموعات الأولى. و التزاوج هنا خاضع لشروط منها تقبل العادات و التقاليد و الديانة و غيرها. و بذلك لا يمكن تمييز هذه المجموعة من المجموعة الأساسية فهي متشابهة في اللهجة و الدين و كذلك الجينات. و هي تعتبر كامتداد للطبقة الأولى.

أما القسم الثاني فهي مجموعات من السكان هاجروا لنفس البقعة و تجاوروا و لكن لم يتزاوجوا، فاكتسبوا اللغة و ربما العقيدة و لكن لم يتشاركوا في الجينات.

و على هذا الأساس تكون العديد من المجموعات التي تتحدث بلهجة واحدة، و لكن ليس بالضرورة تكون أصولها واحدة، أو أن أجدادهم عاشوا جنبا إلى جنب. فالدراسات الجينية وحدها تبين مدى تقارب الأصول من بعضها.

تكون القرى المختلفة في جزيرة البحرين

بالرجوع لمجموعة من المراجع القديمة التي يذكر فيها اسماء قرى البحرين قديما كديوان ابن مقرب العيوني (المتوفي حدود 1233 م) و ديوان أبي البحر الخطي (المتوفي 1618م)، و الكتب القديمة التي أرخت لعلماء البحرين قديما حيث ذكر ألقابهم المنتسبة لقراهم و هو دليل وجود القرية في فترة حياة ذك العالم. أضف إلى ذلك النقوشات التي عثر عليها على القبور أو نقوش وقفيات أو مساجد، حيث يذكر فيها تاريخ النقش وأسماء قرى. بالرجوع لتلك الكتب يمكننا أن نرسم خارطة نضع عليها أسماء القرى القديمة التي ذكرت بين القرنين الثالث عشر و السابع عشر كما هو موضح في الخارطة رقم (7).

و بمقارنة الخارطة رقم (7) مع الخارطة رقم (6) التي توضح المناطق المسكونة في الفترة الهلنستية، و كذلك بمعرفة حقيقة أن المناطق السكنية في الفترة الهلنستية أخذت في التوسع الدائم على مدى العصور اللاحقة، يمكننا أن نستنتج أن القرى المذكورة في الخارطة رقم (7) هي ذاتها المواقع السكنية التي بدأت تتكون في العصور الهلنستية. أو بمعنى آخر أن سكان الفترة الهلنستية أخذ في التوسع و تزاوج مع مجموعات سكنية أخرى قادمة و كون القرى التي بدأت تكبر شيئا فشيئا و تكون غالبية القرى الحالية.

بالطبع كانت هناك هجرات حديثة نسبيا لمجموعات سكنية لجزر البحرين و هؤلاء تاريخهم موثق و تاريخ نشأت مواقعهم السكنية الحالية موثق أيضا. أما القرى القديمة فهي أمتداد للشعب القديم و قد ورث منه العلامات الجينية المميزة لذلك الشعب و اوضحها مرض فقر الدم المنجلي المنتشر حاليا بصورة واضحة في افراد القرى.

تطور و نشأة قرية بني جمرة

لموقع بني جمرة أهمية كبيرة في تسلسل الأحداث التاريخية على ارضها .. فقد تميز موقع بني جمرة وكذلك أرضها بعدة خصائص تجعل منه موقعا إستراتيجيا مهما... من تلك الخصائص. ..

1 - الموقع المرتفع

أرض بني جمرة القديمة قبل أكثر من 5000 آلاف عام كان عبارة عن تلة مرتفعة، و كانت مياه البحر في السابق ترتفع قرابة مترين، أي أن ساحل البحر كان محاذي لهذه التلة، وهذا يعني أن البحر كان يغطي أجزاء كبيرة من ارض الدراز ولم يكن لأرض البديع وجود وكان ساحل البحر قريبا جدا من حدود بني جمرة.

2 - توافر المياه

أثبتت الدراسات أن المياه الجوفية .. قد تكونت في العصور المطيرة القديمة وعلى فترات .. وهي تقع ضمن الفترة من 33000 - 10000 سنة قبل الميلاد. و قد شهدت الألفية الخامسة عصور مطيرة ورطبة انعكست على طبيعة الأرض في الأمور التالية :

أ - الأمطار

كانت الأمطار تهطل بغزارة في تلك الفترة والتي أدت إلى تجمع بعض من تلك المياه في المناطق المنخفضة المجاورة لأرض بني جمرة

ب - العيون

كان هناك العديد من العيون الطبيعية التي تفجرت من الأرض في حدود بني جمرة المنخفظة .. وكان بالإمكان حفر أي عين إرتوازية فالمياه العذبة قريبة جدا من السطح.

3 - طبيعة الأرض

تثبت جميع الدراسات أن أرض بني جمرة كانت أرضا زراعية وكانت ضمن الأراضي المزروعة قديما وعلى مستوى واسع الإنتشار.

و خلاصة القول أنه بتلك المؤهلات نستطيع القول أن موقع بني جمرة في العصور السحيقة كان موقعا إستراتيجيا مهما حاله كحال موقع سار الأثري الذي أسس فيه مدينة دلمونية ثم هجر. فقد كانت بني جمرة عبارة عن تلة مرتفعة تحيط بها أراض زراعية تتفجر فيها العيون الطبيعية، و بالإضافة إلى ذلك فإن ساحل البحر لم يكن بعيدا عنها بل محاذيا لها. بعد كل ذلك لا عجب إن وجدت في بني جمرة آثار السكنى، إلا أن تسلسل آثار السكنى على أرض هذه القرية متقطع بسبب أندثار الأرشيف الأركيولوجي لها نتيجة الأسباب التي سبق و أن ذكرناها.

إلا أن الثابت أن قرية بني جمرة و المناطق المجاورة كانت مأهولة بالسكان في الفترة الهلنستية إعتمادا على لقى أركيولوجية و كذلك وجود علامة أخرى مميزة، إنها نظام قنوات الري التحت أرضية أو ما عرف باسم «الثقب» أو «الفقب» و هي شبيهة بنظام الأفلاج إلا أنها تختلف قليلا بسبب إختلاف طبيعة الأرض في البحرين. هناك إتفاق على أن هذا النظام مقتبس من الظام الذي طور في إيران قديما و إنتشر في البلاد المجاورة أبان الدولة الأخمينية أو الساسانية على اقل تقدير. و يلاحظ أن نظام القنوات منتشر في البحرين في نفس المناطق التي ذكرت في الخارطة رقم (5) التي تشير للمناطق الهلنستية.

من هذه المعطيات يمكن إستنتاج أن رية بني جمرة و ماحولها بدأت الإستيطان فيها في الفترة الهلنستية على أقل تقدير. و نظام القنوات القريب من بني جمرة يقع على الحدود الشرقية لبني جمرة المحادية لقرية المرخ، و تتجه القناة بتجاه الجنوب الغربي ثم تتجه بإتجاه الغرب أي بمحاداة الحدود الجنوبية لقرية بني جمرة المحادية لقرية «القرية» كما في الخارطة رقم (8). في بعض المناطق تكون لقناة التحت أرضية مكشوفة فتكون مجرى مفتوح أطلق عليه العامة لاحقا مسمى «النهر».

التطور اللاحق لقرية بني جمرة

و هكذا بدأت القرية تتوسع و لكن محافظة على شكل واحد و هو وجود البيوت على التلة المرتفعة مع وجود الأراضي الزراعية محيطة بالقرية أسفل التل، و كانت مصادر المياه لهذه الأراضي الزراعية العيون الطبيعية لعضها و البعض الآخر من القنوات التحت أرضية، و في بعض المناطق استخدمت طريقة «الرفض». و الرفض عبارة عن قطعة صغيرة مزروعة لكنها غير مروية لارتفاعها عن مستوى المياه المحيطة بها، و عليه يتم إزاحة كمية كبيرة من الرمال و من ثم يزرع النخيل في حفرة عميقة قريبة من منسوب المياه الجوفية. و في قرية بني جمرة يعرف الرفض باسم «المغارس»، و قد ارتبط هذا الاسم الأخير بمنطقة بعينها و أصبح اسما لها كما هو اسم للطريقة الزراعة أيضا.

بقيت قرية بني جمرة بهذه الصورة ردحا من الزمن، و لما كبرت القرية أكبر بدأ النزول من فوق التل و إستيطان المناطق المنخفظة. و قد اخذ النزول من التل في التسارع خاصة بعد بناء مدرسة البديع في الجهة الشمالية الغربية من القرية. و تعتبر هذه المدرسة من أولى المدارس القروية التي بنيت. فبعد أن أنسحبت اللجنة الخيرية الشيعية لدعم التعليم في بداية الثلاثينيات، أصبحت جميع المدارس تحت سيطرة وزارة المعارف أو بمعنى آخر الحكومة. و قد أفتتحت الحكومة في عام 1935م أربع مدارس خاصة بالقرى، الأولى في جزيرة سترة والثانية في سوق الخميس و الثالثة في الحد و الرابعة في بني جمرة (مدرسة البديع)، بالإضافة لمدرسة (سوق الخميس) التي أصبحت تحت سيطرة الحكومة.

و كانت رؤيا مستشار الحكومة «بلجريف» واضحة بالنسبة لمدارس القرى. فقد قرر أن يقتصر التعليم في القرى على القراءة و الكتابة معللا أن هؤلاء لن يكونوا سوى مزارعين أو يعملون في البحر و سيكون تعليمهم بصورة جيدة هدر للأموال. و في بداية التعليم في هذه المدارس لم يكن هناك أي سن محدد لدخول المدرسة. بمعنى آخر كانت هذه المدرسة تتبع نظام «المعلم» الذي كان موجودا في حينها.

و لكن بعدها تطور التعليم فيها و سنت له قوانين. و كانت مدرسة البديع تخدم عدد من القرى، و كان الطلاب الذين يسكنون بعيدا عن المدرسة يأتون راكبين الحمير. و أصبح بالقرب من المدرسة مكان خاص لتجمع الحمير (صورة رقم (3)).

و بني بالقرب من المدرسة مركز البديع الصحي (صورة رقم (4)). و هكذا بدأت عملية النزول من التل. الصورة رقم (5) هي صورة جوية لبني جمرة في الخمسينيات، و يمكننا ملاحظة وصف القرية الذي لم يتغير كثيرا، فيلاحظ التل و كيف تحيط به المزارع من جميع الجهات تقريبا باستثناء جزء من الجهة الشمالية و هي جهة المقبرة. ثم أخذت القرية في الإتساع اكثر و أكثر حتى أصبحت ماهي عليه الآن و الموضحة في الصورة رقم (6).

أزمة الماء في قرية بني جمرة

مع تقادم الزمن أصبح مصدر الماء الوحيد تقريبا هو جزء من نظام القنوات. فقد كان جزء من تلك القنوات مكشوفا و يمثل قناة واسعة مكشوفة أطلق عليها الناس اسم النهر. و من الخارطة رقم (8) يمكنك ملاحظة المسافة الطويلة التي كانت تقطعها النساء للوصول إليه لجلب الماء مرارا و تكرارا. لقد حفر هذا المشهد في ذاكرة العديد من النساء، و أول ماتتذكره أولائك النسوة من عذابات الماضي هو جلب الماء من النهر. أستمر حال النسوة مع النهر حتى بداية الخمسينيات من القرن المنصرم،

العدد 2347 - السبت 07 فبراير 2009م الموافق 11 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً